أدب

الصراع في المسرحية الشعرية  (ونراه قريباً ) للكاتب رضا الخفاجي

منذ أن خلق الله الكون أوجد المتناقضات في هذه الحياة ليتبين الجيد من الرديء والجميل من القبيح  لكي نعرف الخير فنتمسك به، والابتعاد عن الشر واجتنابه، ونصرة  الحق والوقوف ضد الباطل ومحاربته.

ومنذ بدء الخليقة كان الصراع قائماً بين الإنسان والشيطان صراعا مستمرا لا يتوقف الى يوم القيامة، وموضوع الصراع هذا له أهمية كبيرة في الحياة العامة من خلال الأحداث وتطورها وتأثيرها على الانسان، فلا قيمة للحياة بدون أن نخوض معتركها ونمتحن لكي نخرج منتصرين وواعين لما يجري، فنثبت وجودنا وإنسانيتنا لبناء عالم نظيف، من خلال بناء إنسان قادر على مواجهة الأخطار التي تحيطه والعمل على الوقوف أمامها، لتحقيق هدفية وجوده على هذه الأرض الغارقة في الأوهام، ويتحمل مسؤوليته كاملة في إنجاز ما هو مناط اليه بجهاده المستمر.

إن قوة ونجاح وتأثير أي عمل مسرحي يكمن في شدة الصراع وتناميه حيث اصطدام المصالح والإرادات بين الشخوص حتى يصل الى ذروته.

وبعد هذه المقدمة المتواضعة أدخل في عالم المسرحية الشعرية (ونراه قريبا) لكاتبها الشاعر رضا الخفاجي والمنشورة في مجلة المسرح الحسيني الفصلية العدد/14 التي تصدرها العتبة الحسينية المقدسة.

🔺 الكاتب يعطينا الأمل في النصر على كل الأعداء بظهور ورؤية صاحب العصر والزمان، وهذا الأمل يجسده عنوان المسرحية ومضمونه المهم (ونراه قريباً)

حيث يتناول قضية الإمام المهدي، عجل الله فرجه، وتوظيف الكاتب لشخصية الشيطان حيث  يكون حاضراً في كل وقت ومع كل إنسان وعند كل موقف مهم، لينشر الحقد والفساد وإبعاد الإنسان عن جادة الصواب ودفعه نحو الهاوية.

 إنه يجسد أزلية الصراع القائم بين الحق والباطل عبر الزمن بين قوى الشر والخير، بين الشيطان والإنسان الذي يظهر في كل حقبة زمنية متخذاً شكلاً معيناً أو شخصية محددة تقوم بتنفيذ مكائده بكل حقد، ولكن تنتهي الى الفشل بوجود النخبة الإيمانية الصامدة والثابتة على عقيدتها وولائها.

والكاتب يعطينا الأمل في النصر على كل الأعداء بظهور ورؤية صاحب العصر والزمان، وهذا الأمل يجسده عنوان المسرحية ومضمونه المهم (ونراه قريباً) رغم كل ما يحدث في العصر من ظلم وجور ومهما طال الزمن.

 وقد قسّمت المسرحية  بمجموعة من المشاهد، كل مشهد يمثل فترة زمنية لها مواصفاتها من حيث الشخوص والأحداث وتدخّل الشيطان في مجرياتها.

 وبحوار شعري عميق  يخرج الشيطان متكبراً ومتبجحاً يتحدى الإنسان كونه هو السيد والقادر على نشر الفوضى والخراب وزعزعة حياة الإنسان بإغوائه المستمر حقداً عليه  ولكن الإنسان يتحداه بصموده وإيمانه.

 يقول الشيطان في جانب من حواره:

(ما يقلقني الآن وما يرعبني

موقف تلك القلّة  من أصحاب المبدأ!

من أهل الإيمان

تلك النذرَت أنفسها للرحمن

في كل زمان ومكان

ولهذا لن تتوقف حروبي في الأرض

وإذن سوف أديم صراعات دموية

كي أقهر هذي المِلّة

والقتل هو  الفعل الحاسم

في تحقيق النصر

سأسخّر كل الطاقات

وكل المكر .. وكل الغدر.. وكل القسوة

كي أرهب كل الأعداء

فأنا الآن أعيش بعصر النشوة).

يدوّن الكاتب رضا الخفاجي هذا الحضور للشيطان منذ ترقب ولادة الإمام المنتظر، عجل الله فرجه الشريف، إبّان حكم العباسيين وفي حوار بينه وبين الخليفة يتجسد فعل الحقد والكراهية المستدامة على مر التاريخ لأهل البيت، عليهم السلام، والتآمر عليهم:

الشيطان: قرب الموعد، المولود سيأتي بالتأكيد:

(ينهض الخليفة من مكانه غاضباً ويقول:

 من أخبرك بذلك

ولماذا هذا التأكيد؟

الشيطان: علمي أخبرني .. ولذلك أقترح الحلَّ الأمثل … أن تقتل أم المولود .. قبل أبيه!

ويستمر  الحوار والخليفة في قلق دائم:

الخليفة:  لكن  كيف لنا أن نقتل من تعني؟ دون مبررّ؟ أنت تريد قيام الفتنة بين الناس وبين الدولة!

🔺 لا قيمة للحياة بدون أن نخوض معتركها ونمتحن لكي نخرج منتصرين وواعين لما يجري، فنثبت وجودنا وإنسانيتنا لبناء عالم نظيف، من خلال بناء إنسان قادر على مواجهة الأخطار التي تحيطه

ومروراً باحتلال العراق وما حدث من فتن ودخول القاعدة و داعش وما نتج عن ذلك بتنفيذهم مآرب شيطانية لتمزيق البلد، ولم يهدأ الشيطان رغم انهزامه في كل مرحلة؛ فقد تدخّل في صفوف الحشد الشعبي ومحاولة إغواء بعض الشخصيات ولكنه اندحر وخاب فعله بصمود أفراد الحشد الذي لبّى نداء المرجعية الرشيدة، فدحر كل الأعداء، وهنا يحاول الشيطان أن يقف بوجه المجاهدين ليثنيهم عن الهدف فيخاطبهم:

الشيطان : أيها الأفواج المسرعة الى الموت

 استمعوا إلي ! كيف تضحون بأنفسكم؟

 مَن أغراكم ؟

مَن؟

 ولماذا هذا الإصرار على قتل النفس؟

أنتم يا فقراء الوطن الأثري في العالم!

من أبقاكم فقراء؟

كان الأفضل أن تنتفضوا ضد السراق الكذابين

 ولكن الشيطان الأكبر المهيمن على العالم المتمثل بأمريكا يستمر في خلق الفتن بأساليب أخرى غير التي فشلت سابقا، فعمد الى نشر الأكاذيب والشبهات ضد الحشد الشعبي لتشويه سمعته وإبعاد تأييد الناس له والحمد لله هذا الأسلوب أيضاً فشل فشلا ذريعاً لوجود الوعي والمحبة والولاء الحقيقي لأهل البيت، عليهم السلام، مستمدين القوة والثبات من الإمام الحسين عليه السلام.

ويستمر الشيطان في بث سمومه وحقده وخوفه من  قوى الخير:

الشيطان: الطائفة الأكبر والأكثر إيماناً تلك التؤمن بالرجل المنقذ حسب عقيدتهم! رغم تعاقب أجيال عدة!

رغم النكبات الكبرى والحرب عليهم لم ينقطعوا عن تحقيق الأمل المنشود.. بظهور الموعود

هم ينتشرون بكل البلدان ويزدادون يقيناً.. هذا الإيمان يعذبنا .. بل يشقينا

ولهذا كان الغزو ضرورياً كي نقتل هذا الحلم وهذي الآمال!  ولهذا أيضاً قمنا بالتفجيرات بمراقدهم

سنقاتلهم دون هوادة

يؤكد الشاعر رضا الخفاجي أن في كل زمان هناك شيطان وهناك إنسان مؤمن  ولكن بوجوه وأحداث مختلفة وأن النصر في النهاية للخير حيث ظهور الإمام المهدي، عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً مستشهدا بآيات قرآنية بحتمية اندحار الظالمين وانتصار الخير والعدل في العالم، وفي مقطع من حوار للشيطان يقول:

(الحرب سجال بين الحزبين

اني ادرك بأن التغيير القادم في هذي الأرض

… ينبئ عن كارثة كبرى..

قد تسحقنا)

  وبلغته الشعرية المناسبة والمتميزة استطاع الكاتب أن يوصل ما يريد ايصاله بربطه للماضي بالحاضر نحو المستقبل وتأكيده على أهمية الإيمان والعقيدة في تحقيق الأهداف والأحلام ودحر الأعداء، وقد استطاع ان يؤكد لنا كما قلت بأن نتيجة كل صراع انتصار الخير كما في الآية الكريمة: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.

عن المؤلف

كفاح وتوت

اترك تعليقا