لم يعد خافيا على أحد ما فعلته شبكة الإنترنيت من تغييرات هائلة طرأت على حياة البشرية جمعاء، فبعد تلك المحدّدات الكثيرة والكبيرة في قضايا التواصل والاتصال بين البشر، أصبحت مسألة التواصل في ليلة وضحاها، متاحة لسكان المعمورة بما يجعلهم وكأنهم يعيشون في غرفة واحدة، وهذا ما يسجّل خطرا فادحا بسبب الانتقال السهل للثقافات والأفكار.
وإذا سلَّمنا بأنه لا مشكلة في التناقل الدائم بين الأفكار بين البشر، وهو أمر محمود ومقبول، لكن هناك عوارض لابد أن نضعها في الحسبان، تتعلق بطبيعة هذه الأفكار والسلوكيات، ومدى استقامتها ونتائجها على الناس، فهل كل الأفكار تحمل معها الاستقامة، وهل كل السلوكيات تتضمن المقبولية، لاسيما الثقافات التي ترفع الحدود بين المقبول واللامقبول.
ثم هناك شريحة الشباب التي تواجه أخطر الأزمات في ظل الانفتاح التام لتبادل الثقافات والأفكار على المستوى العالمي، ولابد أن نؤكد هنا بأننا لسنا في حالة من الخشية والخوف والتردد والشعور بالضعف تجاه الثقافات الأخرى، فالثقافة الإسلامية لها جذورها الممتدة عميقا في التاريخ، كما أنها بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، تحتل الجانب الإيجابي الكبير من حيث الوجود الإنساني والأخلاقي الرفيع.
نعم؛ يتفق حتى المعادون على أن الثقافة الإسلامية محصَّنة، و أن جذورها نابتة عميقا في تربة التاريخ الصالحة، وأنها تحمل في طياتها كل ما من شأنه احترام مكانة الإنسان والحفاظ على كرامته، وترسيخ قيم الاستقامة في أفكاره وعقليته وسلوكياته.
ولكن نحن أمام مهمة كبيرة، بل هي من المعضلات المعقدة التي يواجهها المسلمون في هذا الزمن العصيب الذي تداخلت فيه الحدود مع بعضها، وصار الحلال والحرام كأنه في دائرة واحدة، وصارت السلوكيات المنحرفة والجيدة في بوتقة واحدة، فاختلطت مع بعضها كأنها من مصدر واحد، وهذا هو الأمر العصيب الذي يهدد بناء عقلية وشخصية الشاب المسلم.
كيف يواجه الشاب هذا السيل الجارف من الثقافات والأفكار والسلوكيات الدخيلة؟ وكيف يتعامل معها، وهي تقتحم أسوار حياته، وخصوصياته، وتحاول أن تسحبه إليها بكل الوسائل والطرق؟ والمشكلة أن هناك شبابا غير محصَّنين دينيا ولا ثقافيا، لهذا فإنهم عرضة لتأثير هذه الأفكار المنحرفة، وهم لقمة سائغة لهذه الثقافات الوافدة.
فسرعان ما يتأثر بها الشباب، لأن مظهرها البرّاق يجذب الذائقة الشبابية، مع أن المضمون المضمر لهذه الأفكار والثقافات خطير ومدمّر كونه ينسف كل الحدود بين الحلال والحرام، وبين السليم والرديء، وبين المقبول واللامقبول، وهذا يتطلب مواجهة مدروسة وحاسمة تجعل الشاب قادرا على حماية نفسه لأنه يقع في عمق هذه الأفكار والثقافات المتاحة له عبر شبكة الإنترنيت ومواقع “الشوسيال ميديا” المختلفة.
كيف يواجه الشباب هذه المعضلة المستعصية؟ وما هي السبل التي تجعله في حماية وتحصين تام من خطر هذا الانفتاح غير المسبوق للأفكار والثقافات التي تجمع بين الرديء والصالح في نفس الوقت؟
أولا: لابد للشاب أن يتمسك بجذوره الثقافية والدينية والتربوية، كونها تمنحه الاستقلالية السليمة، والشخصية القوية التي يمكنه مواجهة المدّ المنحرف للأفكار الأخرى.
ثانيا: بالإضافة إلى قضية التمسك بالجذور، على الشاب أن يطور نفسه فكريا ودينيا وعقائديا بشكل مستمر عبر الاطلاع والتثقيف المستمر.
ثالثا: لا يمتنع الشاب عن تفحّص هذه الأفكار والثقافات، بل عليه الاطلاع والبحث والمقارنة الدقيقة بين مضامينها ومضامين الثقافة الإسلامية أو الثقافة الأم التي تربّى عليها الشاب.
رابعا: إن اكتشاف الشاب للفارق بين الطرفين، بين ثقافته الأصيلة وبين الثقافات الدخيلة، سوف تجعله أقوى قناعة بأن الحدود التي تربّى عليها بين الحلال والحرام هي التي تحميه من الانسلاخ عن ثقافته.
خامسا: سوف يكتشف الشاب المسلم بسهولة ذلك التوجّه المادي الخطير للأفكار المنحرفة، ولابد أن يفهم بأن الهدف منها هو ترويج واضح لتسويق الأفكار والأفعال ذات الهدف المادي المنحرف، والترويج لكل القضايا التي ترفع الحدود بين الأخلاقيات والقيم التي تحمي كرامة الإنسان وتحمي خصوصيته من الذوبان في الثقافات المنحرفة.
وأخيرا لابد أن يعرف شبابنا بأن مهمة التصدي الإعلامي للثقافات المنحرفة يقع على عاتقهم أيضا، وذلك من خلال قيام الشباب المسلمين –من البنين والبنات- باستثمار الإعلام المتاح لهم عبر شبكات التواصل وغيرها، وذلك من خلال فضح هذه الثقافات والتصدي لها، وتوضيح أهدافها وما ترمي إليه من قضايا خطيرة، ولابد من تعريف الآخرين بها، فالشاب هو مسؤول أولا وأخيرا عن مواجهة هذه الأفكار المنحرفة وتحذير الآخرين منها فهماً وليس خوفاً.