من سنن الله التي أرساها في هذه الكون انه خلق الناس باختلافات وفوارق كبيرة في اغلب الجزئيات تقريباً، فلكل انسان شكل جسمه المختلف، ولونه المختلف، ومزاجه المختلف وعقله المختلف ايضاً، وعلى وفق الاختلاف في هذه الامور تبنى اختلافات كبيرة واهمها في طريقة تفكير الانسان ونظرته للحياة وما يتعلق بها من ظواهر وسلوكيات وهذا الخلاف بالعادة يظهر في النقاش الذي يحدث بين اطراف الحديث في اي تجمع انساني.
يُعرف الحوار على انه: محاولة اطراف الحديث البعد التام عن الأخطاء بهدف الوصول الصحيح لحل المشكلة او للرأي الصائب وبالتالي تحل مشكلة او ترسخ قناعة او تطفئ قناعة اخر غير صحيحة.
- وظيفة الحوار:
الوظيفة الاساسية للحوار بين البشر حول امر ما، هو الوصول الى حقيقته او ايجاد حل لمشكلة عالقة بين الناس، فالحوار هو بوابة التواصل البشري الذي لو اجاده الانسان وفق قواعد منطقية وذوقية سليمة، حتماً سيكون باباً لإقناع الاخر ورفع الكدور والخروج من الازمات التي تواجه الانسان وقد تفقده تركيزه الى الحد الذي يغيب عنه الحلول الصحيحة.
⭐ الحوار هو بوابة التواصل البشري الذي لو اجاده الانسان وفق قواعد منطقية وذوقية سليمة، حتماً سيكون باباً لإقناع الاخر ورفع الكدور والخروج من الازمات التي تواجه الانسان
في مجتمعنا الذي يتسيّده الجاهل وصاحب الصوت المرتفع وذو الثقافة السطحية يبتعد عن الحوار عن وظيفته، ليكون مسرحاً للاستعراضات الفارغة فحديثين ورواية قد تكفي لان يظهر المتحدث بوصفه مثقفاً وهذا ما يبحث عنه هو بالأصل، وحين يريد احد ان يناقشه في مسألة ما، سرعان ما يتحول الى متسلّط لا يقبل بأي رأي ويحاول قمعه واسكاته بأية طريقة، ليقول: انا الأفهم والاعلم والاكثر دراية ومعلومة. وما اكثر هذه النماذج في وقتنا الزاخر بقشور الثقافة.
حين تُجبر ان تدخل في حوار مع انسان جاهل في الغالب، سيما ان كان اكبر منك عمراً سيبدأ باستفزازك بأساليب غير صحيحة فيسألك عن عمرك، بمعنى انك لازلت اصغر من أن تناقشني، او انه يجر الحديث بطريقة ملتوية الى حيث يريد له ان ينتهي ويكسب نقاط الصراع، لكونه يرى الاخر يريد اسقاطه او النيل منه بينما هو يريد منك اثباتات وادلة تنفع الاثنين وتقلل من وقت الحديث وتزيد من فائدته، وهذه الطرق كثيرة الاستخدام في وقتنا الحالي سيما مع ارتفاع نسبة الجهل المبطن الذي يرتدي اصحابه لباس العلم وادعاء الحكمة والكياسة.
- ادبيات النقاش البنّاء:
اولى الادبيات التي يجب ان يقف عنده اطراف الحوار هي الالتزام بالهدوء وخفض الصوت عند التحدث، ومراعاة حركة الجسد لئلا يصدر من اي فرد ما يمكن ان يستفز الاخر، سواء كانت هذه السلوكية لفظية (من اللفظ) او على شكل ايماءة او تحريك اي عضو من اعضاء الجسم؛ كتحريك اليد مثلاً كدلالة على عدم القناعة بما يقال او كدلالة استخفاف بالحديث او المتحدث.
⭐ من الأدب الابتعاد عن المقاطعات المتكررة، إذ ان البعض يسعى الى التشويش على محدثهِ بهذه الطريقة والتي تعد وسيلة من وسائل الهروب غير المباشرة التي يمارسها الانسان عندما يجد نفسه سيخسر النقاش لسبب او للآخر
ثاني الادبيات هي الابتعاد عن المقاطعات المتكررة، إذ ان البعض يسعى الى التشويش على محدثهِ بهذه الطريقة والتي تعد وسيلة من وسائل الهروب غير المباشرة التي يمارسها الانسان عندما يجد نفسه سيخسر النقاش لسبب او للآخر، والافضل الالتزام بالوقت بالتناوب لكل المتناقشين دونما قطع لكلام اي متحدث ضماناً للعدالة وحفظاً للأدب والاحترام لكل الاطراف.
ثالث الادبيات التي لها الاثر الكبير في ابقاء الحوار في دائرة إطار الانسانية للتواصل هو الاستعداد النفسي المسبق للنقاش لقبول فكرة ان يخرج احد اطراف النقاش متحصلاً على قبول لفكرته وبالتالي يقبلها الاخر، فهذا الاستعداد سيمنح الطرفين اريحية وهو ما يجعلهم يبتعدون عن التشنج والسعي الى اثبات انه الافهم، والاصح الذي يفعله الكثير من الناس حتى وان كانوا متيقنين انهم ليسوا على صواب لكنهم يحاولون الانتصار ولو كان على حساب الحق.
الادبية الرابعة هي ضرورة الابتعاد عن استفزاز الطرف الاخر بسؤال الاخر عما لديه او ترديد عبارات (افنيت عمري بهذا الامر، ما الذي عرفك بهذه المعلومة، قبل ان تولد وانا اعرف هذا الموضوع) وغير ذلك من الكلمات المستفزة التي تبعد الاخر عن هدوئه وتجره الى وحل ذلك الذي يرفض ان يكون هو على خطأ مهما كلف الامر، وفي مثل هذه الحالة حري بالعاقل ان يتجنب النقاش ويبتعد عنه احتراماً لنفسه قبل كل شيء، تلك هي ابرز ادبيات الحوار التي يجب الالتزام بها وعدم مغادرتها بأي شكل من الاشكال لضمان الخروج بعائدات ايجابية على الطرفين.