قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}.
قرعوا الطبول فرحا بقتل سيد الشهداء وتحت شعار( لا تبقوا لاهل هذه الدار من باقية)، حاولوا قتل اكبر عدد من هؤلاء، حتى ان في بعض المقاتل عدد كبير الاطفال قُتلوا تحت حوافر الخيول حينما هجموا على مخيم سيد الشهداء، عليه السلام، واخذوا النساء سبايا، وشُيّدت في الكوفة ثلاثة مساجد فرحا بقتل الحسين، عليه السلام، أما الشام فلم تشهد احتفالا وزينة اكثر من ذلك اليوم الذي دخلت فيه سبايا نساء آل محمد في تلك المدينة المشؤومة.
ولكن هل انتهت المعركة؟ ووضعت الحرب اوزارها؟
الامام الحسين، عليه السلام، حينما كان في طريقه الى كربلاء خطب عدّة خُطب، وكانت الخطب ـ عادة ـ موجزة ومن جملتها، قال عليه السلام: “ان الدنيا قد تنكرت وتغيرت وادبر معروفها ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل”.
⭐ الذي يدفع الانسان الى اتخاذ قرار ما هي تلك القيم والمبادئ التي يؤمن بها، فإذا كانت القيم والمبادئ ماديّة فإن الانتخاب والقرار سيكون ضمن ثنائي النفع والضرر
الصراع في كربلاء لم يكن من اجل السلطة، ولا صراع بين بني هاشم وآل أمية، بل هو صراع بين مبدأين؛ بين قيم ربانية، وبين قيم مادية، والناس في ذلك الزمان سواء مَن كانوا في المدينة او الكوفة كانوا يعرفون ان جبهة الحسين هي الحق، والجبهة المقابلة على الباطل، وأهل الكوفة جربّوا عدل أمير المؤمنين، عليه السلام، ورأوا كيف انتشر الأمان والرفاهية، وبعد ذلك رأوا حكم بني أمية حينما معاوية وقال: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك، إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم.
في مقال لوزير دانماركي سابق تحت عنوان: العالم يواجه حربا كونية على القيم، وفي هذا المقال ـ وهو مترجم الى العربية ـ تحدّث عن حرب كونية، على الرغم من عدم وجود صراع في اليابان وجنوب افريقيا وامريكا الجنوبية، ففي اغلب المناطق حالة من الاستتاب، لكن الحقيقة ـ كما يقول كاتب المقال ـ أن العالَم يخوض حربا شعواء بقيادة الولايات المتحدة ومن معها من الدول الغربية في قبال بقية الدول، لتغيير القيم.
البشرية لديها مجموعة من القيم المرتبطة بفطرة الانسان و الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة جاءت ـ خلال الفترة الماضية ـ لتغيير تلك القيم وتبديلها الى أمور أخرى. ويضيف كاتب المقال: ان العالم الغربي لا يعترف بوجود مجموعتين للقيم وإنما يرى العالم الغربي ان قيَمَه يجب ان تفرض على جميع العالم، كنظرية ثقافية لنهاية التاريخ. و الخطوة تكمن أن اغلب الناس غير منتبهين الى هذه المسألة الخطيرة.
اليوم حين تقف امام قضية وتحتاج ان تقيمها وتتخذ قرارا، فعلى أي اساس يكون ذلك؟ ما هو المعيار في ان هذا شيء جيد وذلك غير جيد؟
الذي يدفع الانسان الى اتخاذ قرار ما هي تلك القيم والمبادئ التي يؤمن بها، فإذا كانت القيم والمبادئ ماديّة فإن الانتخاب والقرار سيكون ضمن ثنائي النفع والضرر، فينظر هذا الانسان ـ تبعا لقيمه ـ ما الذي يفيده وما الذي يضرّه، فيختار ما ينفعه ويترك ما يضرّه.
لكن الدِين الاسلامي لا يقول بالمبدأ المادي، بل يجب ان يكون اختيار الانسان ضمن مقياس الحق والباطل والمفاضلة بين الناس تكون ضمن هذا المقياس؛ فاليوم السوشل ميديا هي المهيمنة على العالَم، فإذا أرادوا تقييم شخص يأتون لاحصاء عدد متابعيه على الانستغرام والتيكتوك، وبناء على ميزان عدد المتابعين له وتأثيره في الناس، سيكون له احترام ومكانة.
وكذلك الناس يفاضلون في الجانب المادي عند الشخص، فإذا كان لديه سيارة آخر موديل، وملابس جديد..، فإن النا يحترمونه، ولو جاء نفس الشخص بسيارة موديلها قديم، وملابس عادية فإن الناس لا يقيمون له وزنا، وهذه هي النظرة المادية للأمور.
بينما نظرة الدِين تعبيرا بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، ويقول ـ عز وجل ـ: {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، فالانسان لتقواه وعلمه يرتقي، وليس لإمكاناته المادية ولا لعدد المتابعين له في السوشل ميديا، واختار الانسان المؤمن يجب ان يكون ضمن اختيار الحق والباطل.
قال الصادق (عليه السلام): جاء رجل موسر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نقيّ الثوب، فجلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء رجل معسر درن ١ الثوب فجلس إلى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أ خفت أن يمسّك من فقره شيء؟ قال: لا، قال (صلى الله عليه وآله): فخفت أن يصيبه من غناك شيء؟ قال: لا، قال (صلى الله عليه وآله): فخفت أن يوسّخ ثيابك؟ قال: لا، قال (صلى الله عليه وآله): فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، إنّ لي قريناً يزيّن لي كلّ قبيح ويقبّح لي كلّ حسن، وقد جعلت له نصف مالي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمعسر: أ تقبل؟ قال: لا، فقال له الرجل: لم؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك. (المصدر من بحار الأنوار: ج٦٩، ص١٣).
العالم الغربي رفع يافطة الدفاع عن المرأة وحقوقها، إلا انه يتعاملون مع المرأة بالتسليع، فتقييم المرأة يكون وفق مظرها الخارجي، وابسط دليل على ذلك مسابقات ملكة الجمال، فتقييم المرأة في هذه المسابقة يتم من خلال شكلها الخارجي، لا على ميزان علمها، وثقافتها.
و القرآن الكريم حدثنا في اكثر من موقف بخطورة هذا الموضوع، وسورة كاملة تحدث عن ذلك، يقول ـ تعالى ـ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}، فالقيمة ليست ان الرجل يرى والآخر بصير، إنما بالتقوى والعمل الصالح.
وفي سورة القصص سطرت قصة قارون، يقول ـ تعالى ـ:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، فإذا اختلت الموازين والمقايسس تختل بقية الأمور.
- بعاشوراء نصحح نظرتنا للحياة
من الدروس المهمة التي يجب أن نأخذها من قضية عاشوارء هي تصحيح نظرتنا للحياة، الاسلام لم يأتِ ليمنعمنا من العيش في هذه الدنيا بحياة كريمة، يقول ـ تعالى ـ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
⭐ الدِين الاسلامي لا يقول بالمبدأ المادي، بل يجب ان يكون اختيار الانسان ضمن مقياس الحق والباطل والمفاضلة بين الناس تكون ضمن هذا المقياس
المشكلة ـ احيانا ـ ان الآخرة والدنيا يتعارضان، وحين يصبح هناك تعارضا تقدم الآخرة، وأهل البيت عليهم السلام، في روايات كثيرة يؤكدون ان على الانسان المؤمن ان يعيش في الدنيا ويتمتع بطيباتها “اعمل لديناك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”، لكن إذا تزاحمت الدنيا والآخرة، وان الحصول على الاولى مرهون بضياع الأخيرة فلا خير في تلك الدنيا، وإذا وصل الأمر بأنك اختيارك في أمر من الأمور دنيويا فاعرف أن هناك خلالا في الميزان والمعيار، فمثلا حين يتقدم شاب مؤمن لخِطبة فتاة تطرح البنت الكثير من الطلبات؛ هل لديه سيارة؟ كم لديه من الأموال؟ وهذا التقييم صار وفق الجانب المادي، بينما النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله يقول: “إن جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوجوه”، وكذلك الأمر بالنسبة للشاب يجب ان تكون معاييره صحيحة في اختيار الزوجة.
اليوم نعيش انسلاخ البشرية من القيم الربانية والفطرية وعلى كل واحد ان يتحمل مسؤوليته، فلا يبرر عدم موقفه بأنه لن يتأثر، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “ألا من لا ينفعه الحق أضرّ به الباطل ومن لم ينتفع به الهدى جرّ به الضلال الى الردى”، فإذا لم يبنِ الانسان المؤمن منظومته القيمية بشكل واضح وصحيح فإنه سيكون عرضة للتأثر بالقيم الأخرى الفاسدة، وإذا لم يتأثر هو سيطال ذلك أولاده والاجيال اللاحقة.
المسيحية اليوم سقطت واصبحت عاجزة عن مواجهة الانسلاخ الفطري والقيمي في العالم، بل أن بعض القساوسة ظهر وبرّر فعلة قوم لوط، والاسلام هو الوحيد القادر على ان يقدم منظومة قيمية فطرية، وسماحة السيد المرجع المدرسي لديه كتاب باسم “التشريع الاسلامي” وهو سلسلة مكوّنة من عشرة أجزاء، في الجزء الثالث يبحث في النظرية النفعية لبنثام، والنظرية الطبيعية، ثم يبين النظرية الاسلامية وانها النظرية الصحيح المتكاملة التي يجب أن تحكم البشرية.
على الانسان أن يقرر أن يكون معياره الحق والباطل، وان تكون المنظومة القيمية الحقة هي التي ينظر بها الى الحياة، لان مواقفه وقراراته ستكون تبعا لمنظومته المعرفية والقيمية.
- مقتبس من محاضرة المجلس الحسيني هذا العام، للسيد مرتضى المدرسي في الدنمارك.