رأي

القرآن الكريم والسياسة

القرآن الكريم، كتابٌ سماويٌ أنزله الله –تعالى- رحمة للعالمين، وليس لأهل مكّة حيث نزل على صدر النبي الأكرم في غراء حراء، فهو؛ بياناً، وبلاغاً، و ذكراً، وهدىً، و سمات أخرى ربما غابت عنّي، بينما السياسة، فهي فرع صغير من مفهوم الحكم الوارد في هذا الكتاب السماوي ضمن نظام وقانون إدارة شؤون الناس في مجالات عدّة: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}، فثمة حكماً في القضاء، وحكماً في الاقتصاد، وحكماً في الأمن والحرب والسلام، كما هنالك الحكم في إدارة شؤون الناس في مجالات خدمية وتنموية يتولى أمره شخصٌ بعنوان؛ رئيس الوزراء في انظمة الحكم البرلمانية –التي تحكمها الاحزاب- أو شخصٌ بعنوان؛ رئيس الجمهورية –في الانظمة الرئاسية بالانتخاب المباشر-.

ولا علينا بما يحظى به هذا المنصب الاخير، وما تحتوشه هذه العناوين من صلاحيات وقدرات في الوقت الحاضر، بقدر ما يهمنا النظر في الفارق بين الاثنين، فعندما يتم حرق نسخة من القرآن الكريم في مملكة السويد، وهي دولة غربية تقع في شمال اوربا، وتفخر بحمل علمها الوطني الأزرق علامة الصليب باللون الاصفر، على يد شخص متطرف بدوافع مختلفة، فان ردود الفعل يفترض ان تكون من جميع من يقرأ هذا الكتاب السماوي، الذي يفترض ان يكون {ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}، لكن دعونا من هذا الرجاء الكبير، ولنسلط الضوء على البلاد الاسلامية من شرقها الى غربها ثم ننظر؛ هل يصح أن يكون الموقف الاستنكاري على ما حصل في السويد، من دولة تركيا فقط، دون غيرها؟ مع بعض المواقف الخجولة هنا وهناك تتكرر مع كل إساءة من هذا النوع.

لو سألنا أي شخص في العراق، او ايران، او اندونيسيا، او افريقيا، وربما حتى الجاليات المسلمة في مختلف بقاع العالم عما جرى لنسخة من الكتاب المجيد في السويد، ربما تكون الاجابة على الأغلب –حتى لا نُعمم- بعدم العلم بما حصل.

المشكلة في طبيعة ردود الفعل، لا في الاستفزاز غير الجديد من جهات معينة في البلاد الغربية، إنما المثير حديثاً؛ أن تكون مواقف الاستنكار الشديدة، والاجراءات العقابية ضمن إطار العلاقات الدبلوماسية بين السويد وتركيا، والقضية لها صلة بالحرب في اوكرانيا، وموقف تركيا العضو في حلف الناتو بالرفض لانضمام السويد الى الحلف، وهو حقها المنصوص عليه في النظام الداخلي كعضو في الحلف، ومن اجل ان تكتسب السويد قوة ومعنة أمام روسيا من احتمال تعرضها لسوء بسبب مواقفها المساندة لاكروانيا في حربها ضد روسيا، ثم سمعنا من وسائل الاعلام بسماح السلطات السويدية بتظاهرة نظمها أنصار حزب العمال الكردستاني، رفعوا خلالها شعارات معادية لتركيا ولزعيمها، رجب طيب أردوغان، ونعتوه بأنه نظير الزعيم الايطالي الفاشي ايام الحرب العالمية الثانية: بينوتو موسوليني، وجرى نصب دمية لأردوغان في الشارع ثم تعليقها بالحبال كناية عن إعدامه.

تركيا ألغت زيارة مرتقبة لوزير الدفاع السويدي الى انقرة لاقناعها بالعدول عن قرارها الرافض لانضمام السويد لحلف الناتو، بيد أن عملية حرق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية، أعطى المبرر لتركيا لإلغاء هذه الزيارة، ثم تصاعد حدّة التوتر بين الدولتين.

وللعلم فقط؛ فان لتركيا موقف متشنج إزاء أوربا بشكل عام منذ عقود من الزمن بسبب رفض الاخيرة انضمام تركيا للاتحاد الاوربي، وقد اشتد عقد هذا الأمل في عهد أردوغان لأن تكون هذه العضوية منطلقاً لتركيا نحو النجومية في الصناعة والانتاج والتصدير، وأن تكون نافذة الصناعات الاوربية الى الشرق الاوسط والعالم الاسلامي، لكن هذا الأمل المجنح اصطدم برفض قاطع وغريب من الاروبيين طيلة السنوات الماضية مما أثار امتعاض اردوغان الذي وصف الاتحاد الاوربي ذات مرة بانه “اتحاد مسيحي”! في اشارة الى مكابرة الاوربيين على تركيا المسلمة.

في كل الاحوال، نرى أن الموقف الاستنكاري الشديد إزاء ما جرى قبالة السفارة التركية في استوكهولم، ربما يعود الى جذور شخصية تعود الى شخص اردوغان، الذي يجد نفسه فارس الميدان أمام الغطرسة الاوربية والاميركية ايضاً.

و عودة على بدء

القرآن الكريم، هذا الكتاب الموجود في أماكن عملنا وفي بيوتنا، واحياناً نقرأ آياتٍ منه! لن يتأثر مطلقاً بحرق نسخة منه، فلن ينقص منه شيئاً، وهذه حقيقة أكدها ربنا -عزّوجلّ- في آية منه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقد فعلها قبل هذا المتطرف اليمني؛ حاكم أموي –مسلم- قبل حوالي اربعة عشر قرناً من الزمن عندما نصب نسخة من هذا الكتاب المجيد نفسه، وسدد عليه النبال، إنما الذي يتأثر ويتصدّع هو نحن المسلمين، ممن يقرأ القرآن الكريم ويتدبّر في آياته، ونحرص على اسلتهام الدروس والعبر منه لما يفيدنا لدنيانا وآخرتنا؛ نحن من يجب علينا اتخاذ موقف موحد من أقصى البلاد الاسلامية الى أقصاها بما يحذر كل من تسوّل له نفسه؛ في الغرب او في أي مكان بالعالم بالإساءة الى هذا الكتاب المجيد، أولها اجراءات المقاطعة بكل اشكالها، ومهما كلف الثمن، ولو لفترة معينة، ثم نقل ساحة المواجهة الى الغرب نفسه، وكشف حقيقة الجُبن والجهل لمن يُسيئ للقرآن الكريم في عجزه عن الحوار لاثبات حجته وفكرته، ثم التعريف بمبادئ هذا الكتاب المجيد الداعي الى التعقّل والحكمة والأخلاق والفضيلة والاحترام المتبادل بين افراد البشرية جمعاء.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا