زيارة مرقد الامام الحسين، عليه السلام، والمراقد المشرفة في العراق من الاعمال المُحببة الى نفوس المؤمنين داخل العراق وخارجه، بيد أن المحُبب الى النفوس ايضاً؛ النظام لإدارة شؤون هذه الزيارات المليونية في مدينة صغيرة ذات امكانيات بسيطة لبضعة آلاف وليس لملايين البشر كما نراهم في زيارة الاربعين كل عام، فنحن نريد من زيارة الامام الحسين استلهام دروس التضحية من أجل الإصلاح، وتحدي الظلم والانحراف، كما علينا الالتفات ايضاً الى أمير المؤمنين، عليه السلام، وهو يوصينا –من جملة وصاياه في لحظاته الأخيرة- بأن “الله الله في نظم أمركم وإصلاح ذات بينكم”.
سنكون قد أمضينا عشرين سنة على ظهور نظام سياسي في العراق يتبنى حرية التعبير والعقيدة، فكان من أولى مظاهر هذه الحرية، عودة الشعائر الحسينية بأقوى مما كانت عليه في العقود الماضية، لتأخذ مديات واسعة في الإعلام، والثقافة، والفكر، والمجتمع، ليس على صعيد العراق والدول الاسلامية، بل على صعيد العالم بأسره، فقد وصل المواطن البريطاني والروسي والاميركي والافريقي والهندي والصيني، الى طريق المشاية الى كربلاء لمشاركة الملايين هذه المناسبة العظيمة والمنقطعة النظير في العالم، فالتطور الأهم في هذه الزيارة منذ عام 2003، الجانب الانساني والمشاركة المليونية لجميع شرائح المجتمع، حتى المعوقين والطاعنين في السن والاطفال، ثم الجانب الخدمي المتطور دائماً، حيث تزدحم الشوارع والطرق داخل مدينة كربلاء المقدسة وفي طريق الزائرين المشاة بالمواكب الخدمية التي تبتكر كل عام بنوع من الخدمة بالطعام والشراب والإقامة، والاتصالات، والطبابة وغيرها كثير.
ورغم أن مصادر رسمية عدّة تصدر أرقاماً متقاربة عن اعداد الزائرين طوال أيام الزيارة، وأنها بلغت عشرة، ثم عشرين، ثم ثلاثين مليون زائر وفد كربلاء المقدسة، بيد أننا لا نسمع بمبادرة عن تشكيل مؤسسة خاصة مدعومة من الدولة العراقية تعني بإدارة شؤون هذه الزيارة، بل وجميع الزيارات المليونية في هذه المدينة المقدسة، للحد من المشاكل والازمات وبعض الظواهر السلبية التي نراها كل عام.
المؤسسة ليست وزارة بين الوزارات الموجودة عند طاولة مجلس الوزراء، أو تكون فرعاً من وزارة السياحة والثقافة، بل تكون في مستوى وحجم هذه الزيارة –ولو بشكل نسبي- وتتميز عن أي مؤسسة خدمية وإدارية بتفهّم الموضوع من كل جوانبه، العقدية، والنفسية، والاقتصادية، وحتى السياسية، فتكون قراراتها ومعالجاتها للأمور وفق موازين خاصة بعيدة عن الربح والفائدة والمصالح مهما كانت.
التفهّم، خطوة أولى ومحورية في عمل هذه المؤسسة المأمول تشكيلها في العراق، تبقى سائر الأمور قابلة للحل والتنفيذ والتطبيق، لأن الانسان في الهند وباكستان، هو نفسه الانسان العراقي او الايراني، او الاوربي، عندما يجد أمامه الحدود القانونية والاجراءات الرسمية فانه يلتزم حبّاً منه بالنظام والاحترام، وربما يكون تفاعله اكثر في كربلاء المقدسة منها في مدينته او بلده، لأنه ببساطة بالقرب من مرقد الامام الحسين، الذي أنفق الكثير من ماله وجهده ووقته لزيارته، فهو يتمنى أن يسير في شوارع نظيفة، وأن يجد مكان الإقامة دون عناء كثير، وأن تكون وسائل النقل في مرأب خاصة لها، نفس الأمر ينطبق على أصحاب المواكب الخدمية، فانهم يستبشرون بوجود ساحات واسعة ومجهزة خارج المدينة لوقوف الشاحنات المخصصة لنقل أدوات الطبخ وأفران الخبز ومعامل الثلج، وحتى المواشي المخصصة للذبح، ثم إيجاد مسالخ خاصة ونموذجية لذبح المواشي العائدة الى المواكب الخدمية ثم إدخال الذبائح الى المواكب كلاً حسب عنوانه وبشكل منظم دون أن يرى أحد الذبائح في الشوارع والأزقة وهي تلوّث المجاري المخصصة في إنشائها لجمع مياه الامطار في المدينة، ثم انتشار الروائح الكريهة من بقايا الذبائح التي تلقى في النفايات بشكل مقزز و مريع، وهي من المشاهد السيئة التي تتكرر كل عام في كربلاء المقدسة.
لابد هنا؛ من إسداء الشكر الجزيل للمعنيين بإدارة الزيارة الاربعينية، وتحديداً محافظة كربلاء، وقيادة العمليات هذا العام لعدم غلق الطرق المؤدية الى مركز المدينة وإبقاء الشوارع مفتوحة الى حد معين لتسهيل أمر عودة الزائر، وأن تكون وسائل النقل قريبة عليه، وهذا يصدق بالدرجة الاولى على الزائرين الايرانيين الذين يشكلون الرقم الأكبر من الزائرين كل عام، وهذه نقطة ايجابية تحسب لهم، ومأجورين عليها.
هذا النجاح يفترض ان يقترن بنجاح آخر على مستوى أرفع لتكون الزيارة الاربعينية نموذجية وناجحة ومثمرة على الأصعدة كافة، ومثال يُضرب به في العالم أجمع، عندما نزيل الجدار الوهمي الفاصل بين الاجراءات الحكومية، وبين مشاعر الزائرين وحماسهم، فلا المطلوب تحويل هذه الزيارة الى “سياحة دينية” مقيدة بإجراءات خاصة متبعة في الدولة التي تعيش على السياحة، ولا المطلوب ايضاً؛ ترك المواكب الحسينية والخدمية، والزائرين المشاة لأن يتدبروا أمرهم، وربما يدفع الى هذا التصور، حالة العطاء السخي والمنقطع النظير ايضاً لتوفير مختلف مستلزمات الخدمة للزائرين من قبل الميسورين واصحاب الأيادي البيضاء، فما دام أهل كربلاء يفتحون ابواب بيوتهم لإسكان الزائرين، والمتبرعون ينفقون الملايين لاطعام الزائرين، فلا شأن للحكومة ومؤسسات الدولة إلا أن تنشر سيارات جمع النفايات، وضخ مقادير إضافية من الماء والكهرباء الى كربلاء خلال أيام معدودة، ثم تسير الأمور على مايرام!
صحيح إن أي تجمع بشري في العالم تتمخص عنه بعض المتاعب والمشاكل، وهو أمر طبيعي، مثل حشود المتفرجين لمباريات رياضية، او تجمهّر اعداد كبيرة في مناسبات الاعياد، والتجمهر في مسيرات احتجاجية في بعض دول العالم، بيد أن وجود هذه الحشود المليونية في هذه المدينة، وفي هذه المناسبة تحديداً لايمكن مقارنتها بأي حشد أو تجمهر آخر في العالم مطلقاً، فالقضية ذات بعد معنوي خالص، فلا أحد يشعر بالتعب من المشي لمئات الكيلومترات، ولا أحد يشعر أنه خسر شيئاً من وقته او ماله او راحته لخدمة الزائرين، فهل يمكن مقارنة تلك المرأة الباكستانية التي تناقلت قصتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي جمعت الروبيات طوال ثلاثين عاماً لتتمكن من تحقيق ما يشبه الحلم بالوصول الى مرقد الامام الحسين، عليه السلام، بامرأة أخرى تجمع المال للوصول الى إهرامات القاهرة، او الاستمتاع بمناظر الطيور والزوارق في مضيق البسفور باسطنبول، او الانبساط في أحضان الغابات الجبلية بايران؟!
إن وجود مؤسسة خاصة لإدارة الزيارات المليونية، ومنها؛ الأربعينية، له ايجابيات عدّة، أهمها تكريس ثقافة الأخذ والعطاء عند الزائرين، فهي تكون مثل موكب حسيني خدمي همّه تقديم أفضل الخدمات للزائر مع أفضل شروط السلامة والأمان، في نفس الوقت تكون حلقة الوصل بين هذا الزائر وبين كربلاء المقدسة، وإشعاره بأن هذه المدينة هي مدينته الثانية عندما يقصد مرقد الامام الحسين، عليه السلام، وعليه فانه مدعو للمشاركة بإعمار وتطوير هذه المدينة بشكل مستمر من خلال دفع رسوم بسيطة مقابل تقديم خدمات عظيمة تشترك فيها المواكب الخدمية مع الدوائر المعنية المدعومة حكومياً، لاسيما ما يتعلق بالسكن والنقل، والماء والكهرباء مما يجعل الملايين يتحملون مسؤولية النظام والتنمية والتطوير لمدينة كربلاء المقدسة، وهذا ليس فيه شيء من المبالغة او المثالية مطلقاً، اذا عرفنا أن بساتين وبيوت كبيرة وأراضي تم استملاكها من قبل مواكب من دول خليجية ومن ايران، ومن بلاد اخرى، تحولت فيما بعد الى أماكن للسكن، وإقامة فعاليات مختلفة على طول السنة.
وفي خطوة متقدمة ولاحقة بعد النجاح في الخطوة الأولى، أن تكون هذه المؤسسة حلقة الوصل بين كل الدوائر الحكومية العراقية، مثل وزارة الخارجية، والداخلية، والنقل، والبلديات، والصحة، وبين الدول التي يأتي منها الزائر الى مرقد الامام الحسين، عليه السلام، حتى لا نسمع بامتناع هذه السفارة العراقية عن إعطاء فيزا للزائرين، أو امتناع ذاك البلد عن مرور الزائرين عبر أراضيه بشكل ترانزيت، أو تكدس الاعداد الكبيرة من الزائرين الايرانيين على الحدود لعدم وجود حافلات تقلهم الى كربلاء المقدسة.
من أهم المشاكل التي تواجه الزائرين من الخارج تحديداً تأخر وصول نتائج المباحثات والاتفاقيات بين الجهات العراقية والجهات الحكومية في البلدان الاخرى على أرض الواقع، مما يتسبب في أن يدفع ثمن استمرار المشكلة والأزمة الزائر فقط، وهذا ما لا نرتظيه لزائري الامام الحسين، عليه السلام، من مختلف بقاع العالم.
هذه الفكرة سعى لها جماعة اليعقوبي من خلال تاسيس مديرية الشعائر وفشلوا
والفكرة غير صحيحة في بلد غير مستقر ومتنازع على اوصاله من قبل الكتل السياسية فالافضل ان تبقى الزيارة كما هي