يقول الله ـ تعالى ـ: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
إذا كانت آيات الكتاب صامتة فلأن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد جعل الرجال ينطقون بها، فآيات القرآن الكريم لا تنطق، إلا أن اولياء الله وهم الذين خوطبوا بالآيات هم الناطقون بها، وإنما ينطقون بالآية في موضعها، ليكون نطقهم تفسيرا لها، وتكون الآية مبيّنة لمنهج حركتهم.
📌 وكان له عليه السلام، في كل موضع نطق بآية؛ فهو يفسّر الآية باستعمالها في المكان الذي نُطقت فيه
الإمام الحسين،عليه السلام، والذي يعجُّ العالم بأجمعه في ذكرى استشهاده الأليمة، ففي مسيره من المدينة المنورة الى كربلاء حيث استشهاده، وحينما كان يطاف برأسه في البلدان كان ينطق بالآيات، وكان له عليه السلام، في كل موضع نطق بآية؛ فهو يفسّر الآية باستعمالها في المكان الذي نُطقت فيه، وتفسّر الآيةُ مسيرته المباركة، إذ يمكن لنا ان نفهم حركة الإمام، عليه السلام، من خلال تلك الآية.
لو عدنا الى القرآن الكريم نجد أن الله ـ تعالى ـ جعل أُولى مهام الأنبياء هي تلاوة الكتاب، يقول ـ تعالى ـ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}، فالمهمة الأولى ولعلها الأهم هي تلاوة الكتاب.
الإمام الحسين، عليه السلام، وريث الرسالة النبوية، ووريث الكتاب، وهو ترجمان القرآن، وقد فسّر عليه السلام، الآيات حينما نطق بها في موضعها، ـ مثلا ـ حينما يكتب احدهم كتابا معينا، فحين يقوم آخر بقراءة الكتاب و لا يجعله في إطاره الزمني؛ أي الظروف الموضوعية له، فإن فهم ذلك الكتاب يتعدد ويدلي كلٌ بوجهة نظره تجاه الكتاب، ولكن حين يكون الكلام في ظرفه المعيّن، فإن فهم الكلام سيكون مختلفا.
وإذا أردنا فهم الآيات التي تلاها الإمام الحسين، عليه السلام، حين خرج من المدينة الى ان وصل الى كربلاء، لابد أن نتتبع تلك الآيات، لنرى ما الذي تعنيه الآية، وما الذي عناه الإمام الحسين، عليه السلام، في استعمال تلك الآية في موضع معيّن.
أُولى الآيات التي تلاها الإمام الحسين، عليه السلام: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، وهذه الآية تلاها الإمام حين خرج من المدينة الى مكة، وحين وصل الى مكة تلا قوله ـ تعالى ـ: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}. وإذا عدنا قليلا الى ما قبل خروج الإمام الحسين، عليه السلام، نجد أن والي يزيد على المدينة وحسب كتاب أميره، طلب من الإمام البيعة، وشدّد عليه في ذلك، لكن الإمام الحسين، عليه السلام، لم يبايع نهائيا، وإصرار يزيد على أخذ البيعة من الإمام الحسين، عليه السلام، لأمرين:
الأول: بنو أمية كانوا يعلمون أن بني هاشم ومن يتبعهم رهن اشارة القيادة، أي ان القيادة المتمثلة بالإمام الحسين، عليه السلام، لو بايعت فلا يخالف أحد بعد ذلك، وذلك تمثل حينما هادن الإمام الحسن، عليه السلام، معاوية فإن الجميع التزم، ولم يخالفوا تلك الهدنة.
الثاني: لم تكن للإمام الحسين، عليه السلام، في عنقه بيعة لاحد، فجميع الكتب تشهد بذلك، حتى الكتب التي ألفاها أبناء العامة، فالإمام لم يبايع أي واحد؛ من الأول الى معاوية.
- الخروج الى مكة
هل كان الإمام الحسين، عليه السلام، خائفا حينما خرج الى مكة؟ أليس الإمام قد أعلن منذ اللحظة الأولى: “من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح”؟
موسى عليه السلام، وهو الذي نزلت في حقه الآية الكريمة آنفة الذكر، لم يكن خائفا على نفسه، وإنما كان خائفا على الحركة الرسالية التي كان يترأسها، وقتله يعني انتهاء الحركة التي كان يقودها، والتي انتصرت فيما بعد على النظام الفرعوني.
كلمات الإمام الحسين، عليه السلام، لا تدل على أنه كان خائفا حين خرج من المدينة، بالإضافة الى أنه، عليه السلام، سلك الطرق العام الذي يسير فيه جميع الناس، بخلاف ابن الزبير فقد سلك طريقا بعيدا عن أنظار الناس.
📌إنما كان خوف الإمام الحسين، عليه السلام، حينما {خَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ}، على دين الله، وعلى رسالة رسول، صلى الله عليه وآله، وقد أعلن عليه السلام، ذلك
إنما كان خوف الإمام الحسين، عليه السلام، حينما {خَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ}، على دين الله، وعلى رسالة رسول، صلى الله عليه وآله، وقد أعلن عليه السلام، ذلك، وهذه هي الشجاعة، والبطولة، أن يهاجر الإنسان الى الله ـ تعالى ـ ويذهب الى مصرعه.
وقبل أن يخرج الإمام الحسين، عليه السلام، من المدينة قال: ” خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ، وَ مَا أَوْلَهَنِي إِلَى أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلَى يُوسُفَ، وَ خُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ، كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ، بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَ كَرْبَلَاءَ فَيَمْلَأَنَّ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَ أَجْرِبَةً سُغْباً لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَ يُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ”.
يعلمنا الإمام الحسين، عليه السلام، إذا ما تطلب الأمر فإن عليه أن يهاجر الأهل، والمال، والبلد في سبيل الله، فالهجرة الصحيحة أن يهاجر الإنسان لأجل مبادئه، لا لأجل مصالحه، {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ}.