مناسبات

شهر رمضان.. المحطة التي يجب أن لا نضيعها

قصة1: عندما يكون مؤشر البنزين شارف على النهاية.

شخص يروي قصة حصلت له فيقول: كنت مسافراً بسيارتي لمنطقة بعيدة ومعي أسرتي، كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل، وقبل انطلاقي وضعت في بالي أن أراقب ضوء مؤشر البنزين، كونه يشير إلى قرب نفاذ الخزان، فتوجهت لشراء بعض اللوازم وبعدها انطلقتُ ونسيت أمر البنزين.

في الطريق تذكرت أن الخزان سيفرغ من البنزين، وما هي إلا فترة قصيرة حتى أضاء مؤشر البنزين معلناً أن وقودي سينفذ نهائيا بعد فترة قليلة!

 لم أقلق في البداية ظناً مني أنني سأجد الكثير من محطات الوقود في الطريق، ولكن، ومع مرور الوقت والظلام الحالك والطريق الموحش بدأ القلق يتسرب إلى نفسي، فاتصلتُ بصديق مستعلماً منه عن أول محطة بنزين فأنبأني بأنها بعد مسافة بعيدة جداً.

تحول القلق إلى رعب، وتراجعت كل الاهتمامات والمشاغل والمشاكل، وانحصرت الآمال والأحلام والهموم كلها في أمر واحد فقط وهو: “محطة الوقود”، ولم أعد أتمنى من الدنيا إلا محطة وقود، وتضاءلت وتصاغرت كل المشاكل التي كانت تشغلني منذ دقائق.

 لاح لي ضوء من بعيد فدبّ في قلبي أملٌ واهنٌ وفرحٌ مُعلّق.

اقتربتُ من الضوء، لم تكن محطة وقود بل استراحة فقيرة جداً، شعرت بالإحباط، وسألت الرجل عن أقرب محطة وقود. كياني كله تعلّق بفم ذلك الرجل في انتظار إجابته.

قال الرجل: المحطة تبعد مسافة 3 كيلومتر.

كدتُ احتضنه، لكني خشيت أن تكون إجابتة غير دقيقة، أو أن محطة الوقود ليس بها وقود هذه الليلة.

 انطلقتُ بعدها مكملاً طريقي وعيناي لا تفارق ضوء مؤشر البنزين، و مرّت الثواني كالدهر.

⚡ كيف يجازف الإنسان بالموت عطشاً؟ كيف يمر بمحطة الوقود الوحيدة فلا يتزود؟ وماذا لو يكون شهر رمضان هذا هو الأخير في حياتنا؟

وأخيراً. لمحت من بعيد محطة الوقود، وحين وصلت لم يكن هناك أحد، فجعلت أبحث عمن أكلمه، فظهر رجلٌ أخيراً فسألته متلهّفاً: عندك بنزين؟

قال لي: نعم.

كانت الـ “نعم” أجمل كلمة سمعتها في حياتي.

سجدت لله فوراً، وأخذ هو يعبء البنزين.

بعدها انطلقتُ لاستكمال الرحلة وأنا أشعر إني قد كُتب لي عمرٌ جديد.

قصة2: لقد نجحت استراتيجيتي.

يقول أحد المؤمنين: كلما اقترب شهر رمضان أتذكر قصة سباستيان!

فمن هو سباستيان؟ وما علاقة شهر رمضان بقصته؟!

في أكتوبر 2012م قامت شركة تملك سلسلة محلات ألمانية شهيرة باسم “ساتورن ـ Saturn”، بإجراء مسابقة كبيرة جداً لجمهور صفحتها على الفيسبوك إحتفالاً بافتتاح فرعها رقم: 150 في ألمانيا، الفائز بالمسابقة يسمح له بدخول المحل لمدة 150ثانية (دقيقتين ونصف) ويأخذ فيها كل الذي يريده مجاناً بدون أن يدفع شيئاً.

وفعلاً إنتهت المسابقة وتم الإعلان عن الفائزين، وكان منهم شاب عمره 27 سنة إسمه: سباستيان.

 يوم المسابقة كان هناك تغطية إعلامية مكثفة، وبدأ العد التنازلي للـ150 ثانية، وبدأ الفائزون الدخول واحداً تلو الآخر، ويأخذوا ما يريدون ويخرجوا ضمن المدة المتفق عليها.

هناك من كان يركض ويقع، وهناك من يأخد حاجات لا يحتاجها ثم يرميها ويأخذ حاجات أخرى، وآخرون يأخذون أي شيء يجدونه أمامهم، وأكثرهم خرج بحاجات غير قيّمة، أو لا يحتاجها أصلااً!

 إلا “سباستيان”، دخل بمنتهى السرعة والنظام والتركيز، وكأنه يعرف تماماً ماذا يفعل وماذا يريد!

أخذ شاشات كبيرة وسحبها إلى الخارج، موبايلات، وتابلتس، ولاب توبس، وأجهزة من كل الأشكال والألوان، ومن أفخم الماركات وأغلى الأسعار، يضعها فوق بعض بترتيب عجيب ويخرج بها، يضعها على الأرض، ثم يدخل مرة أخرى!

 الناس كانت مستغربة جداً من أدائه واختياراته، لدرجة أنه في الآخير استطاع أن يسحب ثلاجة ويخرجها!

وبالفعل إنتهت الـ150 ثانية وخرج “سباستيان” وسط تهليل فظيع من الجمهور، وسقط على الأرض من شدة تعبه.

قدّروا قيمة الحاجات التي أخدها “سباستيان” في الـ150 ثانية بـ 29 ألف يورو!

تصوروا… في دقيقتين ونصف 29 ألف يورو!

كانت أول كلمة قالها: “سباستيان” بعد ما خرج: لقد نجحت استراتيجيتي.

 أجرت وسائل الإعلام معه لقاءات، وكان أول سؤال: عن معنى قوله: لقد نجحت استراتيجيتي؟

فقال مسروراً: أنا منذ اليوم الذي سمعت به عن المسابقة وأنا أذهب لهذا المحل يومياً، أخطط وأحفظ أماكن الحاجات الغالية التي أريد أن أخذها، وأرتب مساري و أولوياتي وطريقي داخل المحل الكبير، لأعرف كيف أخرج بأكبر قدر من المكاسب خلال الـ150 ثانية، وبالتالي أول ما وقع عليَّ الإختيار كنت جاهزاً، ولذلك كانت أول كلمة لي بعد تحقق الإنجاز: لقد نجحت استراتيجيتي.

📌 ما علاقة القصتان بشهر رمضان؟

القصة الأولى يكمل صاحبها بالتالي:

في هذه الأثناء خطر في بالي معنى أن يأتيني شهر رمضان، فهذا الشهر أصلاً هو محطة وقود، يتزود منها كل منّا لباقي العام، فكيف نضيعه؟

كيف يجازف الإنسان بالموت عطشاً؟

كيف يمر بمحطة الوقود الوحيدة فلا يتزود؟

وماذا لو يكون شهر رمضان هذا هو الأخير في حياتنا؟

أي: أنه آخر محطة للتزود بالوقود قبل الوفود على الله ـ عز وجل ـ.

هو آخر محطة للتوبة والاستقامة، و ردّ المظالم، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والعودة للقرآن.

قال ـ تعالى ـ في سورة الذاريات، آية رقم: 50: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.

فكيف نضيع هذه المحطة (شهر رمضان)، وكيف لا نستفيد منها ونأخذ الوقود اللازم؟

أما القصة الثانية يقول الراوي لهذه القصة:

العبرة التي أخذتها من هذه القصة، أنه كلما اقترب شهر رمضان واقتربت ليلة القدر، تذكرت “سباستيان” وقلت لنفسي: أنا كمسلم أولى في الفوز من هذا الرجل في التخطيط لشهر عظيم كهذا الشهر المبارك.

⚡ أُناس كثيرون حصلت لهم معجزات بسبب دعوة في شهر رمضان، لماذا لا تكون منهم؟

“سباستيان” خرج ببضائع قيمتها 29 ألف يورو في دقيقتين ونصف، تُرى بماذا سأخرج أنا من هذا الشهر وفيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، أي أكثر من 83 سنة؟

كيف نعرف قيمة وفضل هذا الشهر العظيم، وفيه ليلة القدر التي عبادتها تعادل أكثر من 83سنة؟

كيف لا يكون لديك ـ أنت أيها المؤمن الرسالي المجاهد المتفرغ لله ـ خطة لاستثمار لحظات وثواني ودقائق وساعات تلك الليالي والأيام؟

للصائم دعوة لا تُرد عند إفطاره، في ماذا تجعلها؟

أُناس كثيرون حصلت لهم معجزات بسبب دعوة في شهر رمضان، لماذا لا تكون منهم؟

جهّز قائمة لكل حاجاتك، وكل ما تتمناه في دنياك وآخرتك من الآن، و ادعُ الله بها وأنت صائم، وعند الإفطار، وفي وقت السحور في ثلث الليل الأخير، وفي العشر الأواخر، وفي ليلة القدر، سواء كنت فقيراً، أو مديوناً، أو تأخر زواجك، أو محروم من الذرية، أو مريضاً، أو ليس لديك عملاً، أو حتى تائهاً، و مهموماً، و حزيناً، و ذنوبك كبيرةً، بل و مسجوناً، و مظلوماً، أو… ماذا تنتظر؟

جهّز قائمة دعواتك من الآن، وثق أن الله يقضيها، ولا يردك، ولن يردك.

 أمامك شهر عظيم خير شهور السنة، وفيه ليلة عظيمة خير من ألف شهر.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وأعتق رقابنا، وأجب دعواتنا، وتقبّل صيامنا وصلاتنا وطاعاتنا، واغمرنا من فيض عفوك وعطفك ورحمتك يا كريم .

إلهي بحرمة محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين لا تحرمنا ألطافك وفيوضاتك في هذا الشهر الكريم وصل أللهم على محمد وآله الطاهرين.

عن المؤلف

الشيخ عبدالله الصالح

اترك تعليقا