المرجع و الامة

المرجع المدرسي في تدبرات اليوم السادس من شهر رمضان: من الأبعاد الهامّة التي جاء بها الاسلام البُعد الإجتماعي

 

“يُطْعِمُونَ‏ الطَّعامَ”

بسم الله الرحمن الرحيم
[وَ يُطْعِمُونَ‏ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً] (8)
صدق الله العلي العظيم

من الحديث
عن ابن عبّاس قال: ((مرض الحسن و الحسين فعادهما جدّهما و وجوه العرب، و قالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا؟ فنذر صوم ثلاثة أيّام إن شفاهما اللّه سبحانه، و نذرت فاطمة (عليها السلام) و كذلك فضة، فبرءا و ليس عندهم شي‏ء، فاستقرض علي- عليه السلام- ثلاثة أصوع من شعير من يهودي، و روي: أنّه أخذها ليغزل له صوفا، و جاء به إلى فاطمة فطحنت صاعا منها فاختبزته و صلّى علي (ع) المغرب و قرّبته إليهم فأتاهم مسكين يدعوهم و سألهم فأعطوه و لم يذوقوا إلّا الماء، فلمّا كان اليوم الثاني أخذت صاعا و طحنته و اختبزته و قدّمته إلى علي (ع) فإذا يتيم بالباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلّا الماء، فلما كان اليوم الثالث عمدت الباقي فطحنته و اختبزته و قدّمته إلى علي (ع) فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلّا الماء، فلمّا كان اليوم الرابع و قد قضوا نذورهم أتى علي و معه الحسن و الحسين- عليهم السلام- إلى النبي- صلّى اللّه عليه و آله- و بهما ضعف فبكى رسول اللّه (ص) و نزل جبرئيل بسورة:[هل أتى]))[1].

تفصيل القول
دين الرب سبحانه وتعالى كما كلّ مخلوقاته كامل، فهو شاملٌ لأبعاد الحياة المُختلفة، ابتداءاً من العقائد، والى الأخلاق والآداب، والتشريعات، والنظام السياسي و..الخ، ومن الأبعاد الهامّة التي جاء بها الاسلام هو البُعد الإجتماعي، ولو بحثنا في الواجبات الدينية سنجد أنّ ما لا يقل عن 60% من الواجبات مرتبطة بالبُعدِ الإجتماعي،والتي يلخّصها حديث النبي صلّى الله عليه وآله حين قال: ((كُلُّكُمْ‏ رَاعٍ‏ وَ كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.))[2] ونحن بمناسبة الحديث عن الإطعام للطبقات المستضعفة، والموقف الذي خلّده القرآن الكريم ليكون لنا عبرة وبرنامج عمل، بمناسبة ذلك نتحدّث عن بعض الواجبات الاجتماعية التي اكّد عليها القرآن الكريم.

المسؤولية الأولى: التواصي.
الواجب الأوّل هو التواصي الذي يكون بين المؤمنين على اختلاف اعمارهم و مكانتهم، بلا فرق بين صغير وكبير وحاكمٍ ومحكوم، فعلى الجميع العمل بالتواصي، في سورة العصر حيث يُبيّن ربّنا تعالى طريق النجاة من الخُسر الذي يشمل كلّ انسان يقول ربّنا: [إِلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ][3] وهو يشمل ارشاد الجاهل والدعوة الى الله، كما ويشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، كلّ ذلك لأنّ الانسان قد تخور عزيمته في مواجهة هوى نفسه ووساوس الشيطان الرجيم، ويأتي التواصي ليجبر هذا النقص، يقول ربّنا تعالى: [ادْعُ‏ إِلى‏ سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ][4] فالحِكمة تعني درك الزمان، وهكذا الموعظة الحسنة التي تعني اختيار الأسلوب الصحيح لأجل تحقيق الهدف من التواصي وهو جبران النقص الارادة في الروح.

المسؤولية الثانية: التشاور
يقول ربّنا تعالى: [وَ أَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ][5] لأنّ ربّنا تعالى أعطى لكلّ شخص نسبة من العقل، فهو ينظر الى الحقائق من زاوية مُعيّنة وهكذا يأتي التشاور وجمع عقول الناس قوّة عقلية، يقول النبي (ص): ((أعلم الناس من جمع‏ علم‏ الناس‏ الى‏ علمه .))[6] وهكذا على الانسان أن يجعل من التشاور برنامجاً لحياته، سواءاً على صعيد الأسرة والتشاور مع الزوجة والأولاد، أو على صعيد عموم المجتمع.

المسؤولية الثالثة: التعاون.
في عالم اليوم نجد تشاور آلاف العلماء من أجل تحقيق انجاز علمي مُعيّن، وهذه سُنّة الحياة وُضعت بحيث تقدّم البشر مُرتبط بالتعاون فيما بينهم، ونتيجته القوّة في العمل، وفي اطار المجتمع الاسلامي لابدّ من تنمية روح التعاون بين ابناءه كما يقول الرب المُتعال:
[وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوان‏][7]

المسؤولية الرابعة: الإحسان
لأنّ في المجتمع طبقات مُستضعفة لابدّ من الإحسان اليها، ومن دون العمل بهذه المسؤولية لا تكتمل المسؤوليات الإجتماعية.
الإحسان والبذل الاقتصادي ليس هامشياً في الدين بل هو من صلب الدين الإسلامي، ولعلّ المصداق الأوضح له هو (الإطعام) وطالما أكّد الدين الحنيف عليه إن من خلال الكفّارات التي جُعلت اطعام للمساكين، أو الحث عليه وتشجيع ابناء المجتمع على اطعام الطعام، لماذا؟ لأنّ أوّل حق للبشر على بني جنسه أن لا يبقى جاعاً وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله: (( لِكُلِ‏ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ.))[8] حيث أنّه يشمل حتّى غير الإنسان فكيف بالبشر.
يقول ربّنا تعالى: [وَ يُطْعِمُونَ‏ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً] اولئك الأبرار الذين يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً، وينعمون في النعيم الأبدي في الجنّة، كان حياتهم العطاء و الإحسان، وعلينا أن نقتدي بفعالهم أيضاً للحوق بهم.
ولابدّ من البحث عن الطبقات المحرومة لأجل الإطعام من المساكين، الى الأيتام الذين لابدّ من توفير الحنان والرعاية لهم مع توفير الطعام، كما ويهتمّ الاسلام بالأسير الذي ليس بمسلم، وهذه الرؤية الشمولية التي نتعلّمها من كتاب الله في الإحسان الى الطباقت المستضعفة.
_______________________________
[1] ( 1) مجمع البيان/ ج 10 ص 405 بنقل صاحب نور الثقلين.

[2] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج‏72، ص: 38.

[3] سورة العصر، الآية: 3.

[4] سورة النحل، الآية: 125.

[5] سورة الشورى، الآية .38.

[6] الحياة / ترجمه احمد آرام، ج‏1، ص: 66

[7] سورة المائدة، الآية : 2.

[8] جامع الأخبار(للشعيري)، ص: 139.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا