استمرار منه لما بدأه قبل حوالي الاربعين سنة يواصل سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، دام ظله، تدبراته في سور القران الكريم في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان شهر ربيع القران.
وأكد مدير مكتب المرجع المدرسي في طهران، سماحة السيد شبر ابراهيم، ان سماحته كما هو المعتاد في كل عام بدأ تدبراته في احدى سور القران الكريم، ووفي هذه السنة كان تدبره وحديثه عن سورة الانسان.
وبين سماحته في تصريح لمجلة الهدى، ان ما يميز هذه السنة هو الحضور المتميز من حيث الكمية والنوعية ومن الليلة الاولى التي ابتدا بها البرنامج ليلة الاول من شهر رمضان مبارك، لافتا الى ان الحضور كان متعددا في في اطيافه، حيث يتكون من شرائح العلماء وأئمة الجماعة والخطباء وطلاب الجامعات وكذلك بعض المسؤولين.
وفيما يلي تدبر الليلة الثانية من شهر رمضان المبارك..
تدبرات في سورة (الانسان) شهر رمضان المبارك / 1440 هـ – (الثاني)
“مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ”
بسم الله الرحمن الرحيم
[هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً(1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلْناهُ سَميعاً بَصيراً (2)]صدق الله العلي العظيم
من الحديث
عن زرارة قال سألت أبا جعفر (الإمام الباقر)- عليه السلام- عن قوله: «الآية» فقال: «كان شيئا و لم يكن مذكوراً»[1]
تفصيل القول
وجدان الانسان مستودع المعارف، حيث أنّ كلّ الحقائق التي يُسئل عنها الانسان يوم القيامة موجودة في داخله، ولكن بصورة مُجملة، وبالايمان والعلم تتحوّل الحقائق الى تفصيل.
فنعلم بوجداننا أنّنا لم نكن شيئاً، أو لم نكن مذكورين، حيث كُنّا في علم الله وفي العوالم التي سبق هذا العالم، ونعلم بوجداننا أيضاً أنّ هناك خالقاً حوّلنا من عالم الى عالم وجاء بنا الى هذه الحياة، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، تلك النعم التي ليس فقط لا نستطيع شكرها، بل ولا نستطيع ادراكها وعدّها، اقول: الآن وبعد التحوّل الذي حدث لنا، وقد أصبح الانسان شيئاً مذكوراً، لابدّ من التساؤل عن الهدف من الوجود، خصوصاً وأنّنا نعلم حكمته تعالى وتقديره، فلابدّ من البحث عن الحِكمة والهدف من الوجود؟
الآية الثانية من السورة تُجيب عن ذلك بقوله تعالى:
[إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَليهِ]
فالهدف هو الابتلاء والامتحان، ولكن قبل أن نخوض في تفصيل ذلك نتساءل عن مع قوله: [نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ] ليكون مدخلاً للحديث عن الابتلاء.
معنى الأمشاج كما في اللغة هو الاختلاط الذي لا يمكن فصله، فهو يعني أولاً: اختلاط ماء الرجل بالمرأة كما جاء في الحديث عن الإمام الباقر (ع): «ماء الرجل و المرأة اختلطا جميعا»[2]
ثانياً: معنى الآية هو امتزاج النور حيث نفخ الرب سبحانه وتعالى من روحه في الانسان والنار حيث الطين الذي خُلق منه، ويمكن التدليل على هذا المعنى مضافاً للروايات الواردة في بيان ذلك الى العلاقة بين كلمة [أَمْشاجٍ] [نَبْتَليهِ] حيث أن مقتضى الابتلاء هو الثنائية في خلقة الانسان بين البُعد الالهي والبُعد الدوني المرتبط بطبيعة البشر.
الابتلاء هدف الحياة
اذن جوهر الحياة الذي يعيه الانسان بوجدانه هو الابتلاء ، ومقتضاه تعدد الاختيارات ممّا يعطي للانسان حق الانتحاب، ذلك الحق الذي اعطاه الرب بنسبة أو بأخرى لكلّ المخلوقات كما قال تعالى: [ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعينَ] (11)
لكن الاختيار بمقدار كبير جُعل للانسان و نتيجة ذلك أن مسؤوليته أيضاً تتعاظم وبالتالي جزاؤه ايضاً عظيم للمطيعين وعقابه شديد للعاصين.
____________________________
[1] نور الثقلين، ج 5 ص 468.[2] نور الثقلين، ج 5 ص 469.