قراءة فی کتاب

قامت زينب عليها السلام فأقامت دين الله

بطاقة الكتاب: وقامت زينب عليه السلام

المؤلف: السيد هادي المدرِّسي

الطبعة الأولى: 1442هـ 2021م

التحقيق: مركز ذكرى للدراسات والأبحاث

الناشر: مركز الفكر الرسالي للدراسات والبحاث

مقدمة

من بداية هذا الموسم الحسيني المبارك، والعاشورائي الثوري تناهى إلى أسماعنا عن كتاب جديد لسيد كربلائي قولاً وعملاً، فكراً وممارسةً، كتابةً وخطابةً، إنه سماحة السيد الحسيني الكربلائي المجاهد والمفكر والأديب الأريب السيد هادي المدرسي (دام عزه وفضله وعطاءه).

وكان الكتاب هو الجزء المتمم لكتابه الذي صدر منذ سنوات بعنوان (وجاء الحسين (ع)، حيث تناول فيه سماحته قصة النهضة الحسينية المباركة على الطريقة الأدبية القصصة، بحوار تحليلي جميل جداً يدور بين شخصين رافقا الإمام الحسين عليه السلام، منذ اللحظات الأولى لإعلانه نهضته المباركة في المدينة المنورة وهما عبد الله بن مسلم، وعبد الرحمن الصالح، الذين كانا يتحاوران طيلة الطريق ويُحللا الأحداث وغيَّبهما سماحة السيد هادي بطريقة درامية شيِّقة ورائعة قبل بدء المعركة، حيث تسللا خارج مخيم الحسين عليه السلام، فدخلا قرية قريبة من كربلاء فسلموهما إلى شرطة ابن زياد فأودعهما السجن وانقطعت أخبارهما. (وجاء الحسين عليه السلام،ص436).

ثم أعادهما من الكوفة بعد أن فرَّا من السجن الرهيب لعُبيد الله بن زياد، فوصلا إلى مشارف كربلاء في يوم عاشوراء وقد جلس الشمر اللعين على صدر الإمام الحسين عليه السلام، وراح يسرد القسم الآخر ويرافق السبي والأحداث بكل ما فيها من مرارة وحزن وأسى وكانت بطلة ذلك كله ومحور السبي والسبايا تلك السيدة الفاضلة الجليلة سليلة النبوة والولاية العقيلة الهاشمية السيدة زينب الكبرى عليه السلام، بنت أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليه السلام، وحفيدة الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، ومن هنا جاء العنوان (وقامت زينب، عليها السلام).

خطة الكتاب الزينبي

يبدأ الكتاب بالفاتحة والإهداء حيث يحتار سماحة السيد المجاهد لمَنْ يهدي هذا الكتاب الزينبي، لجدِّها رسول الله، أو لأبيها ولي الله، أو لأمها أمَة الله، أو لأخويها سبطي رسول الله، أو لشريكها زين العابدين، صلوات الله عليهم جميعاً، أو إليها ومن ثم يُهديه لهم جميعاً لأنه منهم وإليهم.

وأما الشكر فكان من نصيب الأخوة الكرام العاملين على إخراج الكتاب لا سيما سماحة الشيخ ياسر الصالح (حفظه الله) الذي أعطاني الكتاب وله في عنقي شكر خاص لأنني كم كنتُ متشوقاً لقراءته فما أن وصل إليه حتى أرسله لي مع ولدي محمد علي، مشكوراً ومأجوراً.

ثم يعرفنا سماحته بخطته التي سيسير عليها في هذا الكتاب الشائق فيقول: فصول كربلاء ثلاثة:

فصل في تحدي الأشقياء..

وفصل في المقتل في كربلاء..

وفصل في انتصار الدم على سيوف الأعداء..

ولثورة الإمام الحسين عليه السلام،فصول ثلاث:

الفصل الأول: قاده الإمام الحسين عليه السلام،في مواجهة طغاة بني أمية المنافقين (وكانت قصته في كتابه الأول (وجاء الحسين (ع)

الفصل الثاني: فقد بدأ من كربلاء إلى الشام، ومن الشام إلى المدينة المنورة مروراً بكربلاء، وهو موضوع هذا الكتاب لثاني (وقامت زينب (ع)

الفصل الثالث: هو فصل كل منا وواجب الأمة تجاه هذه القضية لأنها قضية الحق في مواجهة الباطل، وعلى كل منا أن ينصر الحق ويدحض الباطل إن كان من أهل الحق والإيمان.

صور من الكتاب

لا تستطيع أن تقرأ الكتاب قراءة سطحية كقصة أدبية أبداً، رغم طريقته وأسلوبه بالكتابة هو هذا ولكن في كل فصل يجب أن تعقد مجلساً وتبكي طويلاً على تلك الفجائع والمآسي والمحن التي جرت على تلك السيدة العظيمة الطاهرة، سيدة البيت النبوي عقيلة بني هاشم الأكارم السيدة زينب الكبرى، عليه السلام، التي لم يرَ أحد قط خيالها وقد زادت على الخامسة والخمسين من عمرها الشريف.

فكنتُ أقرأ وأبكي، بل ربما أبكي أكثر مما أقرأ عن تصرفات أولئك الوحوش الكاسرة، والكلاب العاوية من شيعة بني أمية، الذين نزع الله الرحمة من قلوبهم، وصاروا أشبه بالذئاب الجائعة من البشر العاقلة، فراح سماحة السيد يرسم تلك الصور الفجائعية ويلونها بقلمه وأدبه وأنا أقرأ كنتُ دائماً ما أُردد: ساعد الله قلبك سيدي يا ابن زين العابدين كيف تكتب كل هذه المآسي التي جرت على جدك في ذلك السبي العجائبي، وعلى عمَّتك المصون السيدة زينب عليه السلام،وكل حرائر النبوة والرسالة، فهل كتبتها سيدي بالدموع أولاً ثم أخذها الأخوة الكرام وطبعوها ونضَّدوها؟

 فكانت الصورة الأولى التي رسمها سماحته (ثكالى في مواجهة جنود متوحشين)، وبدأها بقوله: “تغيَّر لون السماء، وأظلمَّ الأفق، وهبَّت ريح عظيمة، وملأ الغبار والتراب المكان، فقال عبد الرحمن لصاحبه: ما الذي يجري؟ إني أجد الجو قد تغيَّر والسماء قد احمرَّت.

فقال عبد الله: والله إني لأتعجب كيف أن السماء لم تنطبق على الأرض بعد هذه الجريمة النكراء ومن الواضح أننا نمر في منعطف كوني وتاريخي عظيم، ولذلك يجب أن نحسن التصرف ونتحمل المسؤولية كاملة”. (ص 23)

هذه مسؤولية يُحملنا إياها سماحة السيد المجاهد من بداية الكتاب، لنكون مع الحق الرباني ونسير مع الرَّكب الزينبي ونستفيد من الإمام زين العابدين في تلك الرحلة الفريدة في التاريخ البشري على امتداد الأيام وكر العصور والدهور.

وذلك لأن الإمام الحسين عليه السلام، كان قربان الله في هذه الحياة، وهذا ما قدمته تلك السيدة العظيمة والثكلى الجليلة، التي ذهبت إلى جسد أخيها المقطَّع والمبضَّع ووضعت يديها المرتجفتين تحته ورفعت طرفها على السماء وقالت: “إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان“، إنه قربان الله العظيم الذي بشَّر به جبرائيل جدَّه إبراهيم عليه السلام،حين فدى ذبيح الله إسماعيل عليه السلام،به لأنه من نسله المبارك المظلوم، فالإمام الحسين عليه السلام،هو الذِّبح العظيم الذي كان فداء الدِّين العظيم في هذه الدنيا.

قامت زينب عليه السلام، فأقامت دين الله

هذا ما يُريد أن يوصله إلينا سماحة السيد المجاهد في كتابه الرائع هذا حيث يُريد أن يقول للأمة والأجيال: أنه لولا قيامة زينب لما بقي دين الله ولمحاه بني أمية من الوجود، فكما أن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، هو زينبي الاستمرار والتجدد والديمومة، وذلك بما قامت به خلال السنيتين التي عاشتهما بعد أخيها الإمام الحسين عليه السلام،حيث قضتها تبكي ليلها ونهارها، وترثي، وتندب مع كل نادبة، فتشاركت مع الإمام زين العابدين عليه السلام،والسيدة أم البنين عليه السلام،البكاء والحزن على فتيان الصباح الشهداء من آل محمد، صلى الله عليه وآله، الذي تجزَّروا على بطاح كربلاء.

يقول سماحة السيد المجاهد: “أراد بنو أمية أن يمنعوا وصول صوت الحسين عليه السلام،إلى الناس فقضوا عليه، لكن زينب عليه السلام، حملت صوته ورايته، وقامت بثورة في مواجهة إمبراطورية الشر بني أمية وكانت حاضرة في كل حوادث كربلاء، وكانت تقوم بتمريض كل مريض، وتواسي كل محتضر، وتبكي على كل شهيد.

فمنذ البداية كانت زينب عليه السلام،هي نفسها لم تتغيَّر ولم تتبدَّل؛ هي البطلة، وهي المجاهدة، وهي المقاومة، وهي صوت الحسين عليه السلام،ورسالته، وهي كلمة الحق أمام سلطان جائر، وهي الدمعة الناطقة التي لا تتوقف، وهي الكلمة الثائرة التي لا تهدأ”. (ص: 523)

  ثم ليصل إلى النتيجة التي تحدَّث عنها أحد السادة الأجلاء حيث قال:

لولا زينب لم تكن كربلاء كربلاء.. ولا عاشوراء عاشوراء..

ولا حق أهل البيت عليه السلام،عند الناس حقاً.. ولا باطل أعدائهم باطلاً.

ولا حسين حسيناً.. ولا يزيد يزيداً.. ولا الإيمان إيماناً ولا النفاق نفاقاً..

 ولاختلط الحابل بالنابل ولم يتميَّز المؤمنون عن المنافقين، ولضيَّع الناس طريق الحق إلى ابد الآبدين..” (ص: 528).

نعم؛ إن من أروع ما خططه الإمام الحسين عليه السلام،في نهضته وثورته على بني أمية، هو حمله معه عقيلة بني هاشم السيدة زينب الكبرى عليه السلام،وسائر مخدرات الوحي والرسالة من بنات النبوة إلى كربلاء المأساة ليحملوا الرسالة ويرفعوا الراية في الأمة وينقلوها للأجيال بطريقة محزنة ومشجية ولولا وجودهن لذهبت تلك النهضة ولطواها الزمن وبلعتها العصور والأيام كما بلعت صحراء كربلاء تلك الأجساد المضرَّجة بالدماء، ولعفى عليها الدهر، ولكن وجود السيدة زينب عليه السلام،وقيامتها المباركة حفظت تلك النهضة، ورفعت راية تلك الرسالة، وقام هذا الدِّين العظيم. الكتاب رائع ومفجع في آن وهو غني بالمصادر وليت جميع الأخوة يستفيدوا من معينه الثري

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا