إضاءات تدبریة

دور الصلاة في تقوية الإرادة

يقول الله ـ تعالى ـ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.

هل سمعت بقصة الأعرابي الذي يحث الخطى في صحراء قاحلة، والضمأ يكاد يفجّر كبده، يأتي ويصل الى عين ماء رقراقة، طيب شرابها، وحين يمد يده الى الماء، فإن كل جسمه يباشر برودة ذلك الماء وهو يشرب منه، ويرتاح إليه.

كذلك؛ هو المؤمن حينما يقوم لربّه في الصلاة، من صحراء الحياة القاحلة، والتي تزدحم فيها المصالح، والعصبيات، فهو يرتاح ويبث همومه حين يقوم للصلاة؛ فنبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، يتهيأ للصلاة، وينتظر وقتها، وحين يأتي وقتها، يقول رسول الله لبلال: ارحنا بها يا بلال.

فهي ـ الصلاة ـ كانت قرّة عين النبي، صلى الله عليه وآله، وكان ينتظرها لحظة لحظة، وحتّى المؤمن عند اشتباك السيوف والرماح وعند حافة الآخرة، وحتى عندما يكون الحديث عن الموت فتخور إرادته ويضعف يقف للصلاة في المعركة!

الإمام الحسين، عليه السلام، في أعظم يوم ـ يوم عاشوراء ـ، وفي لحظة حرجة، حيث الحرب حامية وقف، عليه السلام، يصلي جماعةً وليس وحده، وكان هناك من اصحابه من عرّض نفسه للسهام دفاعا عنهم وهم يصلون، فلما وقع على الأرض؛ قال: أَوَفيتُ يا ابن رسول الله؟

فقال له الإمام الحسين، عليه السلام: وأنت أمامي في الجنة.

الله ـ سبحانه وتعالى ـ حكيم ويعلم ما توسوس به نفس الإنسان، وما يمر به من أزمات أسريّة؛ كالطلاق ـ مثلا ـ، والصراعات التي ربما لها آثار اخرى، يأتي قوله ـ تعالى ـ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}، فهو لم يقل “أقم الصلاة” بل {حَافِظُوا}، ولمن أراد أن يعرف معنى الحفظ عليه قراءة سورة يوسف كيف أن إخوة يوسف قالوا لأبيهم: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، ومعناها ـ ولو أنهم كذبوا ـ أن يحفظوه في تلك الصحراء المليئة بالذئاب، وأن يولوا الإهتمام الزائد به.

فالخطاب في الآية الكريمة أن على المؤمن أن يحافظ على كل الصلوات، وليس صلاة دون أخرى، ولكن هناك تأكيد {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}، لعل المراد بها ما جاء في سورة الجمعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}. حينما يجلس الانسان المؤمن في متجره، وهو مشغول في خضم البيع، ثم يؤذن المؤذن: قد قامت الصلاة، فإنه بعد هذا النداء يترك كل شيء، ويسعى بكل قوّة الى الصلاة، وهذه هي الصلاة الوسطى.

 جاء في كتاب الكافي عن الباقر و الصادق عليهما السلام: أن الصلاة الوسطى هي الظهر”. لماذا؟

الاعتبار يدل على ذلك؛ فالصلاة نسميها بوقتها، صلاة الصبح، الظهر، والعصر..، فحين نقول الصلاة الوسطى، يعني الوقت الأوسط، فأوسط الأوقات عند الانسان الذي يستيقظ صباحا هو الظهر الذي يكون وسط النهار.

والصلاة الوسطى صعبة لدى الكثير من الناس، لأن المرء في تلك الساعات يخوض معترك الحياة، فهو متعب ومرهق بسبب ظروف الحياة.

{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فالصلاة يجب أن تكون عن قيام، وأن يتخللها الخشوع والخضوع، وهما نمطان؛ خشوع ظاهري، وهو النعت الذي وصف به الله المؤمنين عند الصلاة، أما القنوت الحقيقي فهو الطاعة، ولذا جاء في بعض الروايات أن القنوت في هذه الآية هو الطاعة، فحين يقوم الانسان خاشعا قانتا، وخاضعا لله وقلبه مطيع لله، ليس فقط في الصلاة، وإنما ـ من الصلاة ـ يتخذ القوّة حتى يطيع الله في بقية شؤون الحياة.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا