فکر و تنمیة

معاً لكسر القوالب الجاهزة

يبحث الشاب عن زوجة بالمواصفات المتعارف عليها؛ طويلة، جميلة، من عائلة معروفة، وكذلك الفتاة تبحث عن مواصفات معينة.

من بداية الزواج تأتي الزوجة، وفي ذهنها أنها لن تتفق مع أهل الزوج، وتتصرف وفق هذا المعتقد: “بعمرها حَمَا ما حبّت كنّة”! فتجربة بعض النساء في موضوع الفِطام، هو إعادة  لتجارب الآخرين مع أنها أثبتت فشلها.

تجارب الزواج وكيفية التعامل مع الزوج يتوارثها الأجيال بدون تفكير في كونها ذات نتيجة صائبة أم لا.

متى ما سألتَ شاباً، ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟

 أغلب الاجابات تكون: طبيب، طبيبة..، وهكذا نرى أنفسنا، و كثيراً -اذا لم نقل أغلب أفراد المجتمع- ما ندور في نفس المكان، ونتخذ نفس القوالب الجاهزة.

خطر القوالب الجاهزة

لماذا لا نصنع شخصيتنا بأنفسنا؟

لماذا لا نكسر هذه القوالب والتي هي بمثابة القيود لنا، فهي تحد من تطورنا وقدرتنا على النهوض والارتقاء؟

فقد جاء في أصول الكافي عن أهل البيت، عليهم السلام، أن الله، تقدست مشيئته قال : “يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء”. وقال أمير المؤمنين، عليه السلام: “إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة ان الناس كلهم أحرار”.

وجاء في نهج البلاغة: “لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً”.

كل ماورد من الآيات القرآنية والروايات وغيرها تدل على أن الإنسان خُلق حراً، فلماذا يقبل بالقيود؟!، بل العجب أنه أحياناً هو من يقيد نفسه بها

حقيقةً كل ماورد من الآيات القرآنية والروايات وغيرها تدل على أن الإنسان خُلق حراً، فلماذا يقبل بالقيود؟!، بل العجب أنه أحياناً هو من يقيد نفسه بها.

و بالطبع كلامنا هذا لا يتعارض مع كون الانسان خاضع لمشيئة الله وأقداره، فهو مخير بقدرة الله وارداته.

أنواع الحواجز:

١- الموروثات: ما نرثه من الأجيال السابقة، كالأمثال الشعبية: “مد بساطك على قدر رجليك” و “المكتوب مامنه مهروب”.

٢- الأعراف والتقاليد: مثالها: “أنَّ من العيب أن يحضر الأب والأخ زفاف ابنته لأنه بذلك يكون فرحاً بخلاصه منها، و لايصح أن يساعد الزوج زوجته وخاصة أمام الناس في حمل طفله او في أعمال المنزل فذلك يخدش برجولته، أو لابد أن يمشي لوحده في الطريق وهي من تتبعه”.

٣- المعتقدات: كالتشاؤم من مرور طائر ما، أو من يشعر بطنين الاذنين هناك من يتكلم عليه، وغيرها.

كل هذه تمثل قوالباً جاهزة قولبتها الأعراف أو أناس في ظروف معينة، أو أناس متشائمة في الحياة لم تفهم الحياة والدين بالشكل الصحيح، قال ـ تعالى ـ : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}.

كيف أتخلّص من هذه القوالب؟

بداية لابدَّ أن نعرف أن من حقنا التحرر من هذه القيود حتى لا نكون نسخاً عن بعضنا البعض، فهذا يعارض الهدف من خلقتنا وهو التكامل الإنساني والسعي نحو الكمال والنهوض بالمجتمع الإسلامي، وبعد معرفة المشكلة علينا مواجهتها واتخاذ القرار في كسرها، والخطوة التالية؛ البحث عن طُرق التخلص منها ومن ثم التحرر والتفكير في صنع بصمة خاصة يتميز بها عن غيره ويفيد مجتمعه بطريقة مختلفة ومتميزة.

هل كل الأمثال والمعتقدات خاطئة؟

لاننكر أنَّه من الممكن أن يكون بعض الأمثال والمعتقدات صحيحة ومفيدة، ولكن من الممكن أن تكون خاطئة وضارة أيضاً، وبالتالي علينا التمييز بين ما هو صحيح مما هو خاطئ كي نمنع تأثيرها علينا وتأثرنا بها.

لذلك سنسلط الضوء على نماذج من الأمثال الخاطئة ونناقش خطأها وعلى القارئ محاولة نقد مايسمعه في مجتمعه بطريقته الخاصة: “المكتوب مامنه مهروب”، هذا المثل يعزز عقيدة الجبر، بينما الاسلام يقول: “لاجبر ولاتفويض ولكن أمرٌ بين أمرين” والكلام يطول في ذلك.

“حظ اعطيني و بالبحر ارميني”، ومعناه أنه للحظ دور كبير في حياة الانسان، بينما مثل ماذكرنا في مقال سابق أنه ليس هناك شيء اسمه حظ كما هو منتشر بين الناس بينما “لكل امرئ ماسعى”.

“القصاب نصاب والتاجر فاجر”، وهذا المثل يبرر للقصاب وللتاجر أن يكونوا بهذه الصفات اللاأخلاقية، بينما هذه ليست قاعدة ثابتة، وكل انسان يستطيع أن يجاهد نفسه ويحسن أخلاقه مهما كانت مهنته.

“مد بساطك على قدر رجليك”، يعزز فكرة محدودية الانسان وعدم قدرته على توسيع طموحه والرقي بنفسه، بينما يقول أمير البلاغة علي، عليه السلام: “أ تزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر”.

فحدود الانسان كبيرة وواسعة فقط عليه أن يؤمن بها ويعرفها ومن ثم يفعِّلها، فالله  ـ عزوجل ـ أعطاه قدرات كامنة فيه يستطيع تفعيلها وتطويرها بشكل مستمر.

“العين لاتقاوم مخرز”،  تبرر الجبن والضعف وتعزز مبدأ التسلط، وأن القوي بجسده هو الذي ينتصر.

“ألف قولة جبان ولا قولة الله يرحمه”

“الهروب ثلثين المراجل”

كلها أمثال تعزز الخذلان والهروب في مواقف تحتاج للمواجهة والصمود وخاصة في ساحات الحروب الواقعية أو الحروب النفسية.

“مع السوق منسوق”، هذا يعزز المداهنة على غير حق والرضا ومسايسة الظالم، بينما تعلمنا من مدرسة عاشوراء من زينب والحسين، عليهما السلام، عكس ذلك بالضبط .

والكثير من الأمثال والمعتقدات التي قد تجرُّنا إلى أماكن لانرغب بها ولاتوصلنا إلى أهدافنا الحقيقية والفعالة، كالأعمى الذي يقوده شخص ولايدري هل سيصل به أم سيرميه في الوادي، وربما يدخله ناراً أو مستنقعاً.

العقل الجمعي و ارتباطه بالقوالب الجاهزة

لابدَّ لنا أن ننوه إلى موضوع العقل الجمعي، وحذارِ ثم حذارِ من العقل الجمعي!

ولكن؛ ما هو العقل الجمعي؟

هو ظاهرة نفسية يفترِض فيها أفراد المجتمع أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً، وهذا مايسمى بسلوك القطيع.

سطوة أثر الجماعة على الفرد تظهر في قابلية الأفراد للانصياع إلى قرارات معينة بغض النظر عن صوابها من خطئها، وهذا السلوك يدفع الجماعة إلى الانحياز سريعاً دون تفكير إلى أحد الآراء، وقد يتحكم العقل الجمعي بمصير الأفراد، فضلاً عن مصير المجتمعات

فسطوة أثر الجماعة على الفرد تظهر في قابلية الأفراد للانصياع إلى قرارات معينة بغض النظر عن صوابها من خطئها، وهذا السلوك يدفع الجماعة إلى الانحياز سريعاً دون تفكير إلى أحد الآراء، وقد يتحكم العقل الجمعي بمصير الأفراد، فضلاً عن مصير المجتمعات.

وعلينا أن نعلم أنَّ من صفات العقل الإنساني التي أودعها الله فيه هي التمييز والفرز؛ فرز الكلام الصادق عن الكاذب، والضعيف عن القوي، والمنطقي عن غير المنطقي، فهو يقوم بعملية غربلة للكلام، فلا يكون العقل عقلاً ما لم يكن غربالاً يزن كل ما يرد عليه ويغربله فيرمي ما لا ينفع خارجاً ويحتفظ بما ينفع .

ولذا نجد أن آيات كتابنا العزيز، وروايات أهل البيت تؤكد هذا المنحى من التفكير، وإن كان في الأمر صعوبات وتحديات، فالعاقبة حسنة؛ قال  ـ تعالى ـ  في سورة الزمر: {فَبَشِّرْ عِبَاد * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}.

وقال أمير المؤمنين، عليه السلام: “لاتستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله”.(نهج البلاغة).

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا