مناسبات

الإمام علي شهيد العدالة الإنسانية

  • مقدمة حُكمية

العدالة في الحكم؛ هو ما أمر الله به الحُكام على الأمم والشعوب، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48).

وكذلك أمر نبيه داوود عندما صار ملكاً بالحكم بالحق والعدل:{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. (ص: 26)، وذلك لأنه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44)، و{الظَّالِمُونَ}. (المائدة: 45)، و{الْفَاسِقُونَ}.(المائدة: 47).

فأصل الحُكم في هذه الحياة أن يكون بالعدل بين الجميع، وعلى أساس القسط يُبنى وتعمر المجتمعات الحضارية، لأن الظلم والجور من أكبر وأعظم معاول الهدم للحضارة الإنسانية، وعلى هذا الأساس كان العدل من أصول الدين بحسب الطرح الإسلامي والقرآني.

فالحُكم بين الناس ـ على مستوى الأمة، أو على مستوى القضاء ـ يجب أن يكون بالعدل لتستقيم الأمور في الأمة وتكون كما أمر الله تعالى، وكل حُكم ما لم يستند إلى كتاب الله وشريعته المقدسة هو حكم طاغوت، لأنه مهما حاول الحاكم أن يحكم بالعدل فإنه سيُبتلى بالكثير من موارد الظلم، لا سيما في الطبقات الفقيرة، والمسحوقة من رعيَّته، وأما الذي يُريد أن يحكم بالعدل فيجب أن يعرف أصول الحكم، وفروعه، وأحكامه حتى يصدق عليه الحكم بالعدل، لأن النوايا لا تكفي في هذه الحياة، كما ينسبون لبعض الحكام ويصفونهم بالعدل وإنك لتعجب كل العجب كيف يصفونهم بذلك، ويَنقلون عن أعدلهم عندهم أكثر من مئة وخمسين مرة قوله: “لولا علي لهلك عمر“، و”لا أبقاني الله في قوم لست فيهم يا أبا الحسن“، و”معضلة وليس لها أبو الحسن“، وغيرها من الأقوال التي تُعبِّر عن حقيقة وواقع الرجل فهو كصاحبه الذي قال: “أقيلوني بيعتي لست بخيركم وعلي فيكم“.

 

  • الإمام علي عليه السلام صوت العدالة الإنسانية

هكذا كتب الأديب اللبناني جورج جرداق هذا السفر الرائع، والراقي جداً، وقد سبق الآخرين حتى من شيعة أمير المؤمنين، عليه السلام حين نظر إلى علي، بعيون الإنسانية، وانطلق بفكره وأدبه ليسبح في بحور علي بحرية وأريحية، رافضاً التعصب، والتحجر، وكل أنواع القيود التي تفرض الحدود والقيود على الفكر والأدب، فجاء بأمر عجباً حيث رأى وسمع، وأسمع صوت علي العادل في حياة الإنسانية المعذبة، حيث درسها فلم يجد إلا تلك الصرخة الإنسانية التي انطلقت من الحنجرة العذبة من الإمام علي، عليه السلام، الذي خنقته الجاهلية، وكتمته القرشية، وخافته الأموية وكل السلطات الدنيوية لكي لا يسمع الناس صوته فتثور عليهم لتُسقطهم عن عروشهم وتبقر لهم كروشهم.

 

التاريخ منصف فلم يترك صغيرة ولا كبيرة أخفاها الأغبياء والأشقياء إلا ويُظهرها إلى الملأ، فكم حاولت صبيان أمية المجرمة، أن يُحاربوا ويسبوا ويُخفوا فضل وفضائل أمير المؤمنين، عليه السلام، ويدفنوا ذكره الشريف..

 

ولكن التاريخ منصف ولا يترك صغيرة ولا كبيرة أخفاها الأغبياء والأشقياء إلا ويُظهرها إلى الملأ، فكم حاولت صبيان أمية المجرمة، أن يُحاربوا ويسبوا ويُخفوا فضل وفضائل أمير المؤمنين، عليه السلام، ويدفنوا ذكره الشريف، ومنعوا الناس حتى أن يُسموا باسمه، فكان كعود الطيب الذي لا يزيده الحرق إلا انتشاراً لطيبه ورائحته العطرة، علماً أن الإمام علي، عليه السلام، ليس عود الطيب ـ كلا وحاشا ـ بل هو الطيب ذاته، والشرف نفسه، والعظمة كلها، فهو أبو التراب كله، وأبو هذه الأمة الناكرة لجميله الساعية لدفنه ثم قتله فكان شهيد العدالة فيها.

 

  • شهادات خالدة

نعم؛ لقد هيَّأ الله سبحانه وتعالى بعد أربعة عشر قرناً من الزمن شخص مسيحي قرأ سيرة ومسيرة الإمام علي، عليه السلام، وكلماته، وخطبه، وأدبه ففتن به أيما افتتان، وأحبه من صميم قلبهن وعشقه عشق الإنسان للإنسانية، فسمع ذلك الصوت المكبوت، والممنوع، والمبحوح من عمق التاريخ وهو يصرخ بوجوب العدالة في هذه الحياة، فكتب عنه ذلك الكتاب الرائع فعلاً، لأنه سمع الصوت بقلبه وعرف الشخصية العلوية بعظمتها، وعرف بأنها تمثِّل صوت الله الحق، وكلماته بصدق في دنيا البشرية حيث تُنادي بالأخوة الإنسانية، فهم “صنفان إما أخ لك في الدِّين، أو نظير لك في الخلق“، ولا ثالث منهم، فالعدالة صوت الله في خلقه والقسط منهجه فيهم، وكل ذلك لن تجده إلا بصوت أمير المؤمنين وسيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام.

ولهذا أعجب الأكابر من هذه الأمة كتابه، وأدبه، وأثنوا على دأبه في بيان الصوت الإنساني، والعدالة المطلوبة، والتي أمر الله بها ليستقيم الخلق، ويبنوا حضارتهم في دنياهم، فالكثير من علمائنا الأعلام ومراجعنا الكرام أثنوا على ذلك الأديب الأريب وعمله الخالد برفع صوت العدالة.

 

  • سماحة السيد الحكيم في النجف الأشرف  

فهذا سماحة المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم (رحمه الله) كتب للمؤلف يقول: “لقد أعجبني هذا الكتاب كثيراً، وأعجبني من جوانب كثيرة، وأهم هذه الجوانب وأدقها في نظري جانب العدل والإنصاف؛ فإنه الجانب الذي يطغى على جميع جوانب الكتاب، وما يدريني، فلعل مؤلفه تأثر بصوت العدالة الإنسانية حين دراسته للإمام علي، عليه السلام، فطغى عليه هذا الروح الإنساني السامي”.

ويضيف سماحته قائلاً: “وإني أُكبر منكم هذا المجهود وأنصح للجميع أن يدرسوا هذا الكتاب على ضوء العقل، والفطرة، ليسمعوا الحقيقة من (صوت العدالة الإنسانية) ويتأثروا بروحه”.

 

  • سماحة السيد البروجردي قم المقدسة

كان ذلك في نجف الكوفة وجوار صاحب الصوت العادل، وضريحه النوراني أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، والحوزة العلمية التي تربَّعت في جواره الطاهر، وأما في الجناح الآخر للحوزة المباركة في قم المقدسة، حيث يصف أحد أعلامها صدى صوت العدالة فيها، حيث كتب السيد موسى آل بحر العلوم الطباطبائي إلى الأديب جورج جرداق، يقول: تشرَّفتُ بزيارة مولانا آية الله البروجردي في قم بإيران، وأول ما سألني عن (صوت العدالة الإنسانية) ورأيت من إعجابه الشديد به ما لم أرَ مثله بكتاب آخر من قبل، وقد أمرني أن أُعرب لك عن مدى إعجابه وتقديره لاستنتاجك الصحيح من تاريخ الإمام وذكر حالاته، أضف إلى ذلك جمال الأسلوب وبديع الفن وحسن الوقع، وكان بودِّه أن يبعث إليكم برسالة بيده الشريفة، لولا ارتعاشها”.

 

  • الأديب ميخائيل نعيمة

وأما أهل الفن والأدب من أبناء اللغة والأدب العربي فقد كتب الأديب ميخائيل نعيمة لصديقه جورج جرداق، يقول: “من حقك أن تعتزَّ بهذا الأثر الأدبي القيِّم، وأن القارئ لا يستطيع أن يمرَّ بفصوله من غير أن يحسَّ ثورة في نفسه ضد النظم الفاسدة التي حمل عليها عليٌّ حملات شعواء والتي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، وحسبك ثواباً على كتابك أن تُطلقه صرخة ضد الظلم وشهادة للعدالة”.

نعم؛ إنها صرخة الحق والعدل بوجه الباطل والظلم الذي شاع في هذه الدنيا عامَّةً والأمة خاصة ولذا لا يُخفي الأديب ميخائيل نعيمة إعجابه الكبير بهذا الأثر الأدبي الراقي، والصوت السماوي العالي، حين كتب رسالة ثانية يقول فيها: “هناك عظام يثيرون إعجابك لا أكثر، وعظام يثيرون إعجابك وإجلالك؛ أما الذين يستأثرون بمحبتك فوق استئثارهم بإعجابك وإجلالك فأولئك هم العظام العظام، وأنت تشعر في حضرتهم بأنك تريد أن تأتمنهم على قلبك، وعقلك، وروحك، وجميع ما هو عزيز، ومقدس في حياتك، إنهم يكشفون لك من نفوسهم مناهل لكل ظمأ في نفسك، ويبسطون من الزاد أشهاه لما جاع في وجدانك، ويقيمون المنارات للعتمات في طريقك، والأهم من ذلك أنهم لا يقولون عكس ما يفعلون، ولا يفعلون نقيض ما يقولون”، وكان يقصد بهذا الكلام أمير البلاغة، وسيد الكلام، وأمير الأمة، وإمام الأنام الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام.

فالإمام علي، عليه السلام، هو حقاً، وصدقاً صوت العدالة في الإنسانية، ولذا كان شهيد عدالته في أمة يقودها أذنابها الذين ما عرفوا معنى للإنسانية.

السلام على صوت الحق والعدل في دنيا الإنسانية أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا