فکر و تنمیة

شهر رمضان وعلم النفس الاجتماعي

الحديث عن علم النفس حديث لا أمد له، لعظم هذه النفس البشرية التي اوجدها الله، بل جعل ـ تعالى ـ الاستدلال على عظمته هي بالتأمل في الآفاق وفي النفس.

علم النفس شغل الكثير من بني الإنسان، فكانت هنالك نظريات تطفح بها الكتب التي تفسر هذهِ النفس البشرية بجميع أبعادها وتجارب علمية كثيرة، لتصل إلى فهم النفس وتفسيرها وضبطها والتحكم بها وتوالت المدارس التي تفسر النفس كل من فهمها.

هنالك ما يسمى بعلم النفس الاجتماعي وفيه الكثير من النظريات، ولكن اليوم أحببت أن أختار نظرية لعالم نفس أمريكي إسمه هربرت تلومر يقول فيها: “إن الإنسان يتفاعل مع الأشياء حوله على أساس معانيها، وإن هذهِ المعاني تتشكل من خلال التفاعل الاجتماعي”

كيف؟

مثلاً العصا عبارة عن مادة خشبية طويلة، ولكن هذهِ العصا لها معنى لكل واحد منا، فالمسن يرى هذه العصا أداةً يستند إليها ويتقوى بها في مشيه لذلك يحبها، أما الطالب في المرحلة الابتدائية يرى لهذه العصا معنى آخر، فهو يراها أداه للعقاب في المدرسة فيراها بعين الخوف لأنها ارتبطت بمعنى العقاب.

 

لماذا لا نرى شهر رمضان المبارك كما أراد لي رسول الله، صلى الله عليه وآله في خطبة استقبال شهر رمضان حين قال: “هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله عزوجل وجعلتم من أهل كرامة الله؟

 

كذلك الظلام لكل واحد له معنى للظلام، فنحن نرى الظلام مخيف لأنه ارتبط معناه لدينا بالاشباح والأمور المخيفة والمرعبة، لاسيما بتأثرنا بأفلام الرعب، ولكن آخرون يرون الظلام مجلبة للطمأنينة والهدوء، كما كان نبينا الأكرم محمد، صلى الله عليه وآله في غار حراء

وكذلك الموت فالموت أصبح ذات معنى لدينا فهناك من يرى الموت أمر مخيف موحش مفجع مريب، وهنالك من يراه مؤنس مريح كما قال أمير المؤمنين علي، عليه السلام: “والله لإبن ابي طالب آنس بالموت من الطفل بمحالب أمه”.

 

  • شهر رمضان المبارك 

هو كذلك عبارة عن شهر من ثلاثين يوماً في خصائصه المادية الفيزيقية، فهو يتكون من ليل ونهار وتارة أجواء صحوة وتارة أمطار، ولكن معنى هذا الشهر يختلف عند كل واحد منا؛ هنالك من يراه شهر النوم والسهرة ولعب الدومينو والسولييتر، والمسلسلات والولائم والشيء القليل من القرآن الكريم والدعاء والعبادات.

وهناك من يراه بشكل آخر وهو عبارة عن شهر له حرمته، وله مهابته، وله موقعه العظيم، و خصائصه، وله عظيم المنزلة عند الله تعالى، وله موقع استثنائي يجب أن يتم التعامل معه بإستثنائية.

كيف أتى هذا التباين بين الناس في فهم شهر رمضان؟

جاء من خلال الوعي الذي يتلقاه الإنسان من واقعه في التعامل مع الحياة من حوله، فأنا قد أرى شهر رمضان أجمل لأن القناة الفلانية قالت لي رمضانك معنا أجمل، فأنساق وراء هذهِ الدعاية وتكون لدي هذا المفهوم حول شهر رمضان.

وأنا قد أرى شهر رمضان أجمل لأن من حولي يقولون ما رمضان إلا بتضييع الوقت ليلا، في النكت والضحك والسمر على الملهيات

أنا قد أرى شهر رمضان كتلك الهيأة التي عشت عليها حياتي الماضية، واستمرت إلى الآن من عادات وتقاليد، لم تفسح المجال للجانب العبادي أن يكون أساسا فيها بل هو في موضع هامشي . ولكن أنا قد أرى شهر رمضان المبارك كما أراد لي الله تعالى بحيث أن جعل الصيام مقروناً بالتقوى، وكل الحالات أعلاه لا تحقق لي التقوى.

 

هنالك من يرى شهر رمضان؛ شهر النوم والسهرة ولعب الدومينو والسولييتر، والمسلسلات والولائم والشيء القليل من القرآن الكريم والدعاء والعبادات

 

أرى شهر رمضان كما أراد الله لي بحيث أن قرن الله هذا الشهر بنزول القرآن الكريم، الذي جعله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فأراد أن اقترن بكتابه في هذا الشهر الفضيل.

أرى شهر رمضان المبارك كما أراد لي رسول الله، صلى الله عليه وآله في خطبة استقبال شهر رمضان حين قال: “هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله عزوجل وجعلتم من أهل كرامة الله”.

فأنا هنا سأكون أكثر التزاما وانضباطاً في شهر رمضان المبارك لأن هذا الشهر ارتبط لدي بمعنى عظيم جداً حدده الله لي ورسوله صلى الله عليه وآله وكذلك أهل بيته

فنرى الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، يقول: “ولا يكون يوم صومك كيوم إفطارك”، بمعنى أن وقار الصوم لابد أن يكون ماثلاً عليك، وأن يكون برنامجك النفسي والاجتماعي والشخصي قائم على أدبيات، ومسارات تناسب عظمة هذا الشهر العظيم.

ولذلك نجد أن الإمام زين العابدين، عليه السلام، يقول في دعاء وداع شهر رمضان المبارك: “السلام عليك ياشهر رمضان ماكان اطولك على قلوب المجرمين وأهيبك في صدور المؤمنين السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيام السلام عليك من كل شهر هو من كل أمر سلام”.

عن المؤلف

أمين عبد الملك المتوكل / اليمن

اترك تعليقا