ثقافة اليأس والاحباط من اصلاح النفس والواقع المحيط باتت عادة مجتمعية، وسمة فردية لدى الكثير من الشباب والجيل الناشيء، وهذه تراكمات للإخفاقات السياسية للحكومات المتعاقبة في بلداننا العربية والإسلامية، لأن من الطبيعي أن تنعكس الخلافات والتغييرات السياسية على حياة الفرد والمجتمع في مختلف الأصعدة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها.
وهذه الثقافة اذا تسلّلت الى النفوس فإنها تُعطّل الطاقات والمواهب على مستوى الفرد والمجتمع، “فلا ينبغي للمؤمن أن يقنط وييأس لأن اليأس من العوامل الرئيسية والخطيرة التي تجمد الطاقات، وتكبل الإنسان عن السعي، لأنه معه لا يرى فائدة من التحرك، فلماذا يسعى نحو السراب؟!”.
ومع كل ما يحيط بنا من مآسي وويلات لا يزال هناك الأمل الكبير بالتغيير الفردي والجماعي وذلك عبر “ثقافة الانتظار” للإمام المهدي المنتظر، عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتي يتميز بها الشيعة الإمامية عن غيرهم.
مع كل ما يحيط بنا من مآسي وويلات لا يزال هناك الأمل الكبير بالتغيير الفردي والجماعي وذلك عبر “ثقافة الانتظار” للإمام المهدي المنتظر، عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتي يتميز بها الشيعة الإمامية عن غيرهم
ولو ألقينا نظرةً الى تاريخ الشيعة لرأيناه تاريخ العطاء والتضحيات الجِسام، وتاريخ تحمل المطاردة والمعاناة، وآلآم السجون والمعتقلات، ومع ذلك كله لم يستسلم الشيعة لليأس والإحباط، رغم قوة الفتك والإرهاب، بل ازدادت عزيمتهم قوةً وإصراراً وثباتا، وكل ذلك يعود الى تلك الطاقة العظيمة التي تشكّل الوقود الصلب للشيعة في مختلف الأزمان والأمصار، إنها ثقافة الإنتظار التي قال عنها، النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج”.
-
الإنتظار الإيجابي بذرة الأمل الأولى
تتشكل كل ثقافة من أفكار وخلفيات وآراء ..، وما السلوك الخارجي إلا انعكاس لثقافة الشخص التي يحملها، ثقافة الإنتظار المهدويّة أيضا لها رؤى وأفكار بلورها الأئمة الطاهرين، عليهم السلام، في حياتهم فكرا وعملاً، لكن ولعدم التسليم المطلق لأئمة أهل البيت، وهروبا من تحمل المسؤولية سعى البعض الى حرف مفاهيم هذه الثقافة العظيمة والتي تعني الإعداد والعمل؛ لا أن يكون انتظاراً سلبيا خالياً من تحمل أي مسؤولية فردية او جماعية.
وبذرة الأمل الأولى تكون بالعمل، لأنه لولا الأمل لما تحرك أي إنسان نحو أي هدف، فالمزارع لولا الأمل المترسخ عنده بأن أشجاره المزروعة ستكون في العام المقبل محملة بالثمار، لما أتعب نفسه وتحمل المعاناة في الصيف والشتاء جراء اهتمامته بتلك الأشجار.
فالمنتظر لابد وأن يكون ذا أمل يستشرف به المستقبل، وهذا الأمل لا يأتي عبر الأماني واحلام اليقظة، ولكن يأتي بالإعداد، والذي من أحد مفرداته التسلح بالعلم والمعرفة والبصيرة العالية، التي تمكّن المنتظِر من معرفة الزمن من حوله، يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس”.
-
المنتظرون من نوع A+*
“هنالك أفراد ـ قلائل جداً ـ يتميزون بكاريزما عالية الجودة بحيث أن منهجهم السلوكي الذي يسيرون عليه في الحياة مترسخ على قيم عظيمة لا يمكن أن تزعزعها هرطقات العصر، فهي غير خاضعة للإغراء مطلقا ـ مهما كانت حجة الاغراء ذكية ـ.
مثل هكذا افراد يملكون (عينا ثالثة) إنهم يرون أدق التفاصيل في كلِّ شيء، فلا يمكن أن تتسلّل الهشاشة الفكرية او الدينية او الاخلاقية إلى صروح شخصياتهم بسهولة.
هؤلاء هم المنتظرون الحقيقون لمجتمع الانتظار الايجابي السليم، قد يخيّل إليك أن وجود هكذا اشخاص لهو ضرب من الخيال! كلا؛ هم ليسوا اشخاصا فضائيين، إنهم موجودون بيننا وربما تعرف أحداً في هذا العالَم يحمل هذه الصفات.
الأمر يكمن في آفاق مداركنا التي صُنعت نتيجة تراكم عدة أفكار وهمية أو خاطئة، جعلتنا ل نطمح للتكامل بهه الروح التي جعلها الله في أحسن تقويم.
أليس أصحاب الإمام، عجل الله تعالى فرجه هم:”ليوث بالنهار رهبان بالليل”، أليسوا هم الذين”كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لوحملوها على الجبال لأزالوها… هم أطوع له من الأمَة لسيدها، كالمصابيح، كأن لقلوبهم القناديل وهم من خشية الله مشفقون، يمشون الى المولى إرسالا، بهم ينصر الله إمام الحق”.
هل يعني هذا أننا لا يمكننا أن نكون منهم؟
هل يعني ذلك السكون عدم الحراك كوا اصحاب الإمام، عجل الله فرجه، من طبقة خاصة جداً لا يمكن الوصول إليها؟
هل يعني أن نجلس مكتوفي الأيدي ننادي بتعجيل الفرج، ولا نأمل ان يكون لنا اي دور فاعل لا في زمن الإنتظار ولا زمن الظهور؟
هذه التساؤلات لا تخرج إلا من صلب الإرادة الضعفية والروح الميتة والرغبة المتجمدة التي لا يمكن أن تكون لإنسان حي يؤمن بقيمة وجوجه ويدرك أهمية ويردك أهمية دوره في هذا العالَم.
الفاعلية هي العنصر الذي يميز هؤلاء الاشخاص ـ المنتظرون ـ في مجتمعاتهم، فتجدهم بوصلة تشير الى التمهيد السليم، فالواحد منهم لا يغادر مكانا يكون فيه إلا وقد ترك خلفه بصمة تذكر
السؤال الحقيقي الذي لا بد أن نطرحه على انفسنا، هو كيف نكون مثلهم ومنهم؟ على مبدأ: صوّب هدفك نحو القمر، فإن لم تصبه فأنت بين النجوم”.
ما الذي يميز هذه المجموعة (+A) من الاشخاص عن غيرهم؟ وللإجابة عن ذلك، نقول: أنهم يمتلكون الآتي:
- مخزون معرفي قيّم: فهم ينهلون المعرفة من كل روافدها، وهم في تعطش دائم للمعرفة كما أنه لا يخدعهم السراب المعرفي، فلا تخدهم الأوهام والخرفات التي تواجههم في رحلتهم في البحث عن المعرفة، فتراهم يتحرّون الحقيقة في كل تفاصيلها.
- الرؤية الفكرية الواضحة: فنتيجة المعرفة التي بذلوا جهداً في الحصول عليها بدقة ومن مصادرها الموثوقة هو تكوّن (الرؤية)، ويمكن أن نعرفها بأنها مصنع الاهداف، وإذا كانت المعرفة سليمة فالرؤية ستكون سليمة حتما، وبالتالي ستُتنج أهدافا سليمة.
- السلوك المتزن: لابد أن تتحول هذه المعرفة والرؤية الفكرية الى اسلوب حياة، وإلا ما الغاية من اختزانها دون تطبيق واقعي وتأثير عملي في النفس والمحيط، والسلوك المتزن يحتاج الى دعم مستمر من الجانب الديني والأخلاقي للفرد لتثبيت بقاءه على الاستقامة دون إنحراف عن الصواب والهدف المنشود.
- الفاعلية: وهي العنصر الذي يميز هؤلاء الاشخاص في مجتمعاتهم، فتجدهم بوصلة تشير الى التمهيد السليم، فالواحد منهم لا يغادر مكانا يكون فيه إلا وقد ترك خلفه بصمة تذكر، فيبقى صدى صوته يملأ المكان الذي كان فيه، فهم كالعطر الأصيل الذي لا تزول فعاليته بمجرد تخالطه مع رياح بسيطة بل يجعلون منها براقا ينقل حقيقة أهدافهم النبيلة الى العالم.
- القيادة والقدوة: إنهم يستلهمون روح القيادة في خطواتهم من القدوة، ذلك الشخص الذي يسند مبادئهم وأهدافهم بحقيقته، وقدوتهم العظمى في مسيرة التمهيد هذه، هم قادة الأمة وحكمائها العظام، محمد وآل محمد، صلوات الله عليهم، فهم القدوة التي لا يشوب حقيقتها شيء، فهم سادة الأهداف النبيلة، وصانعوا احلام هذه الأمة، وبناة حضارتها العظيمة، فهم العلماء الصالحون، والعباد المخلصون”.
إن مع ما تعيشه الأمة الاسلامية من مآسي وويلات وحروب، فهي بحاجة الى جرعات كبيرة من الأمل لتخرج قليلا من واقعها المرير، وإن أنجع ثقافة لبث الأمل في روح الأمة هي “ثقافة الإنتظار المهدويّة”، فكل منتظِر هو بمثابة شمعة تضيء ما حولها، وعلى هذا الأساس فإن كل واحد يجب أن يكون منتظراً ايجابيا من موقعه، واذا تحمل كل واحد منّا مسؤوليته فسنصبح شموعا كثيرة تنير الطريق الى الظهور المقدّس.
——————–
- هذا الرمز يستخدم غالبا للإشارة الى الأشياء المتميزة، فهو يستخدم في الكثير من المدارس والجامعات حول العالم للإشارة الى علامة الامتياز في اجتياز الاختبارات الأكاديمية.
——————–
المصادر:
- المرجع المدرسي؛ من هدى القرآن، ج10، ص: 275.
- 101 لبنة في بناء مجتمع انتظار سليم؛ د. أمين عدنان السفير.