فکر و تنمیة

العِراقُ تَارِيخٌ عَرِيقٌ ومُستَقبَلٌ مُشرِقٌ

 

  • مقدمة مستقبلية

كثيرة هي الدراسات المستقبلية في هذه الأيام، ولكنها قليلة عن العراق الجريح، وإن وجدت فهي غائمة، أو غامضة، أو مشوَّهة، وذلك لأن حاضر العراق كماضيه تماماً منه بدأت الحضارة وإليه ستعود وفي أحضانه ستنتهي وتُدفن، رغم كل قوى الشر التي تُحاول ألا ينهض العراق من كبوته، ولا أن يتعافى من جراحه، وذلك لأن شفاء العراق يُخيفهم ويقضُّ مضاجعهم في أوكارهم.

فالعراق صاحب الحدائق المعلقة في بابل منذ لم يكن في العالم يومها إلا البداوة ولا يسمعون شيء عن الحضارة، وحمورابي ومسلاته وقوانينه التي جاءت في عصر يفتقر فيه المجتمع الإنساني إلى أبسط مقومات الحماية إلا بالقوة ولا حياة للضعيف إلا أن يكون عبداً للقوي، فشريعة الغاب كانت هي الحاكمة إلا في العراق الحضاري.

فالحضارة ونشوئها كان في أحضان وربوع العراق، ومن أعجب العجب في عصر الحضارة الرقمية أن يطمح إلى تدمير العراق بحجة بنائه أخس وأذل بني البشر الذين يحقدون على العراق لا لشيء إلا لتاريخه وعراقته وحضارته وهم أبناء أولئك الذين جاؤوا إلى بابل سبايا أذلاء خاسئين.

فهناك حقد تاريخي عجيب على أرض بابل وشجرها وحجرها عدا عن بشرها، ذاك الحقد الذي لا يمكن فهمه إلا إذا قرأنا تاريخ الأديان السابقة، والأمم الماضية، وكتب السماء التي شوهوها وكتبوها بدم الأبرياء لتلائم أنفسهم المتعطشة للدماء، وأهواءهم الشريرة الجائعة إلى لحوم الأشلاء من بني البشر باسم (رب الجنود) الذي يُقدِّس سفك الدِّماء ويُعلم جنوده كل أنواع الجريمة وكأنهم ليسوا بشراً بل قطعان من الوحوش الكاثرة كما هو محشو في التوراة والتلمود، وبروتوكولات حكماء صهيون الذين كتبوا تلك البوتوكولات وراحوا يُخططون إلى تنفيذها بكل دقة حتى وإن اقتضى ذلك قيام حربين عالميتين في أقل من نصف قرن دمرت البلاد وقتلت ملايين العباد.

 

  • العراق عملاق مرعب

على العراقيين أن يرجعوا ويقرؤوا تاريخ العراق القديم، ليعرفوا سبب هذا الحقد الدَّفين ومن أين منبعه ولماذا العراق دون غيره يجب أن يُدمَّر ولا تقوم له قائمة، ولن يجدوا تفسيراً مقبولاً إلا إذا قرؤوا التوراة والتلمود وكتب اليهود الصهاينة بالخصوص وذلك لأنها تطفح بالنار والدَّمار تجاه العراق الحبيب، وعند ذلك سيعرف العراقيون الكرام أنهم مستهدفون في كل شيء لديهم، بشراً، وأرضاً، وسماء، وماء، وشجراً، وحجراً وكل ما في العراق مستهدف ومستباح لأولئك الغرباء.

فالعراق عملاق مرعب، كالتنين الأحمر الصيني بالنسبة لأدعياء الحضارة الرقمية، فلا تستصغروا من شأنكم واعرفوا مكانكم ومكانتكم في الخارطة التاريخية حتى تعلموا أنكم بيضة القبان فيها، وأنتم القبان ولسان الميزان أيضاً للحضارة في مستقبل الأيام، ومستقبلكم الذي يعد بأن يكون عاصمة دولة الحق والعدل العالمية بقيادة الإمام الحجة بن الحسن المهدي المنتظر، عجل الله تعالى فرجه، فعاصمته الكوفة وبيته في مسجد السهلة كما تعرفون.

فالحقد العالمي اليوم والحرب الكونية عليكم منبعها في تاريخكم العريق، ومصبِّها في المستقبل الحضاري المشرق، حيث يتحقق حلم الإنسان في بناء حضارة القيم والعدالة والفضائل الإنسانية، التي قال عنها أهل العصمة والطهارة، عليهم السلام: “لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملا الأرض عدلاً وقسطاً وكما ملئت ظلماً وجوراً“. (بحار الأنوار: ج 51 ص81).

 

الحقد تاريخي على بابل والعراق لأنه مكان الانتصار الأول على أشرار الأرض، وهم على دراية تامة بكتابهم الذي يضع التاريخ أمامهم ليأخذوا منه الأفكار ويرسموا الخطط في حركتهم في الحاضر ونحو المستقبل

 

فمثل هذه الرواية والتي تُعدُّ بالآلاف في كتبنا منذ أقدم العصور وكُتب فيها موسوعات حديثية روائية أو علمية وبحثية، فهل تظنون أنهم لم يقرؤوها، أو لم يطَّلعوا عليها، فهذا وهمٌ وقعت فيه الأمة الإسلامية وإلا لماذا صنعوا لنا قطعان الوهابية المجرمة أليس ليُشوِّهوا كل تاريخنا الإسلامية، ويُكذِّبوا كل صحيح، ويُنكروا كل متواتر، ويحذفوا كل فضيلة لأهل البيت الأطهار، عليه السلام، فهؤلاء جزء لا يتجزأ من الحرب على العراق وأهله الكرام لأنهم حَمَلةُ المشروع الإلهي في الأرض، وأرضهم الطيبة حاملة عاصمة المشروع، وهي أرض الأنبياء والأولياء عليهم السلام.

فالحقد تاريخي على بابل والعراق لأنه مكان الانتصار الأول على أشرار الأرض، وهم على دراية تامة بكتابهم الذي يضع التاريخ أمامهم ليأخذوا منه الأفكار ويرسموا الخطط في حركتهم في الحاضر ونحو المستقبل، وقد ورد فيه: “يا اَبنةَ بابلَ الصَّائِرةَ إلى الخرابِ، هَنيئًا لِمَنْ يُعاقِبُكِ على ما فعَلْتِهِ بنا.. هَنيئًا لِمَنْ يُمسِكُ أطفالَكِ ويَضرِبُ بِهمِ الصَّخرةَ“. (مزمور:137: 8-9).

قالت دائرة المعارف البريطانية: “حتى القرن التاسع عشر كانت كل المعلومات التي عندنا عن بابل وأشور مستقاة من الكتاب المقدس، ومن عدد قليل من كُتّاب اليونان، ولـم تتضح لنا تواريخ بابل وأشور إلا بعد اكتشاف الآثار والكتابات القديمة لهما، وفك رموز الخط المسماري الذي كانوا يكتبون به وقتها”.

 

  • فوبيا بابل في التاريخ والواقع 

ولذا نلاحظ أن فوبيا بابل والعراق بالنسبة لهم تحوَّل إلى هوس لتحقيق النبوءة في العقلية الصهيونية وهو الذي يتحكم في فكرهم وثقافتهم في قراءة الأحداث التاريخية وإسقاط النبوآت التوراتية عليها، وقد تأثر بهذا الهوس المسيحية البروتستانتية التي انطلقت في نظرتها للحياة والكون والتاريخ من خلال الفكر الديني الصهيوني التلمودي.

 

  • نبوءة إشعيا التوراتية

فالدارس للتاريخ القديم والباحث في العهد القديم يجد أن النبوءات على بابل جاءت معظمها على لسان “إشعيا”، ومن ثم “إرميا”، أما “إشعيا” الذي يتنبأ لليهود بالخلاص من السبي البابلي ويُعطي بشارة لهم ببدء حياة جديدة بكل مضامينها وصورها، إلا أن هذا السفر “أشعيا” تراه يطفح بالحقد على بابل وأرضها وشعبها، فهو يصوِّر اللحظات التي يتم فيها إسقاط بابل، فيقول: “وحيٌ على بابلَ: كالزَّوابعِ تَجتاحُ الصَّحراءَ يجيءُ الخرابُ مِنْ أرضٍ مُخيفةٍ! رأيتُ رُؤْيا قاسيةً: النَّاهِبُ يَنهَبُ والمُدمِّرُ يُدمِّرُ. إصعَدي لِلهُجومِ يا عيلامُ. حاصِري المُدُنَ يا مادَايُ. ضَعي حدُا لكُلِّ نُواحِ. إمتَلأَت خاصِرَتايَ وجعًا وأخذَني مِثلُ مَخاضِ التي تَلِدُ، وما عُدتُ أسمَعُ مِنْ شِدَّةِ الأسى، ولا أرى مِنْ شِدَّةِ الفزَعِ. وتَحيَّرَ قلبي وهزَّني الخوفُ. واَنتَظَرتُ مَجيءَ المساءِ ليُخفِّفَ عنِّي، فحمَلَ إليَ الرُّعبَ” (إشعيا: 21: 1-5).

فوفق هذه النبوءة لإشعيا فالخراب الذي يلحق ببابل سوف يأتي من أرض مخيفة، وقوة كُبرى مهيمنة ومسيطرة ولا تخاف الله في إبادة البشر وتدمير الحجر كما فعلوا في اليابان، وحربهم عنيفة كالزوابع العاتية التي تجتاح الصحراء، ويترافق معها القتل والنهب والتدمير لكل ما في العراق، حتى تتدمر حضارة بابل وما فيها، فهل إشعيا يتحدَّث عن غزو العراق وتدميره، أم أن الغزاة يُنفِّذون ما جاء في نبوءة إشعيا حرفياً كما رأينا بأم العين من بداية القرن الرقمي هذا؟

أوليس ذلك إلا من أجل صنيعة بني صهيون على أرض فلسطين، أو كما يقول الرَّب على لسان “إشعيا: “لأجلِكُم سأُرسِلُ إلى بابِلَ مَنْ يُحطِّمُ مَغاليقَ أبوابِها ويجعَلُ ترنيمَ شعبِها نُواحًا. أنا الرّبُّ قُدُّوسُكُم، خالِقُ إِسرائيلَ ومَلِكُكُم“. (إشعيا:43: 14-15)

 

  • نبوءة إرميا التوراتية

أما نبوءة “إرميا” فهي أشد منها وأظهر للحقد والغيظ والرغبة المكبوتة في النيل منها ومن أهلها بكافة الطرق والوسائل والأساليب التي يتفنن فيها ربهم (يهوه؛ رب الجنود) فنبوءة “إرميا” تقول: وقالَ الرّبُّ لِبابِلَ وسُكَّانِها على لِسانِ إرميا النَّبيِّ: “أخبِروا في الأمَمِ. ونادوا واَرفَعوا الرَّايةَ. وأعلِنوا، لا تكتُموا. قولوا: أُخذَت بابِلُ. اَنهَزَمَ بيلُ واَنسَحَقَ مَردوكُ اَنهَزَمَت أوثانُها واَنسَحَقَت أصنامُها!. فَمِنَ الشِّمالِ طَلَعَت علَيها أُمَّةٌ جعَلَت أرضَها مُقفِرَةً لا ساكِنَ فيها. هرَبَ مِنْها البشَرُ والبَهائِمُ ونَزَحوا جميعًا..”

ثم؛ “أُهرُبوا مِنْ وسَطِ بابِلَ، ومِنْ أرضِ البابِليِّينَ اَخرُجوا. سيروا كالكِباشِ قُدَّامَ القطيعِ.. ها أنا أُحَرِّضُ وأُصعِدُ على بابِلَ حَشْدًا مِنْ أُمَمِ عظيمةٍ تَجيءُ مِنْ أرضِ الشِّمالِ. يَصطَفُّونَ علَيها ومِنْ هُناكَ تُؤخذُ. هُم كصَيَّادٍ ماهِرٍ، سِهامُهُم لا تخطِئْ.. فتَسلُبُ أرضَ البابِليِّينَ ويَشبَعُ سالِبوها“. (فهم جياع وفقراء فأكلوا العراق فشبعوا وسرقوه فاغتنوا من خيراته وتركوه يباباً.

ثم؛ “إصطَفُّوا على بابِلَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ يا رُماةَ السِّهامِ. إرموا علَيها. خطِئَت إلى الرّبِّ فلا تُوَفِّروا السِّهامَ.. إهتِفوا هُتافَ الحربِ حَولَها، فتَستَسلِمَ وتَنهارَ أُسُسُها وتَنهَدِمَ أسوارُها. لذلِكَ هوَ اَنتِقامُ الرّبِّ. فاَنتَقِموا مِنها، وكما فعَلَت بِالآخرينَ إفعَلوا بِها.. أَبيدوا الزَّارِعَ مِنْ بابِلَ والحاصِدَ وقتَ الحصادِ، فيَهرُبَ كُلُّ واحِدٍ مِنْ وجهِ السَّيفِ ويَرجعَ إلى شعبِهِ وأرضِهِ“.

ثم؛ “إصعَدوا إلى أرضِ مراثايمَ (منطقة تقع عند مصب دجلة والفرات؛ البصرة)، وإلى سُكَّانِ فَقودَ (قسم من منطقة مراثايم). إتبَعوهُم واَقتُلوهُم واَفعَلوا كُلَ ما أمَرتُكُم بهِ.. صوتُ قِتالٍ في الأرضِ وخرابٌ عظيمٌ.. كَيفَ اَنكَسَرَت وتحَطَّمَت بابِلُ، مِطرَقَةُ الأرضِ كُلِّها، وصارَت مَثارَ رُعْبِ الأُمَمِ“.

وفي النهاية والنتيجة: “نُصِبَ لَكِ يا بابِل فَخ، فعَلِقْتِ وما شَعَرْتِ. إنفَضَحَ أمرُكِ واَنغَلَبتِ لأنَّكِ تَحَدَّيتِ الرّبَّ.. فتَحَ الرّبُّ خزائِنَ أسلِحَتِهِ وأخرَج آلاتِ غضَبِهِ، لأنَّ لَه مُهِمَّةً في أرضِ البابِليِّينَ. إنقَضُّوا علَيها مِنْ كُلِّ جانِبٍ واَفتَحوا أهراءَها وكَوِّموا قَمحَها وأَبيدوها ولا تكُنْ لها بَقيَّةٌ.. أفنوا جميعَ ثيرانِها وأنزِلوها لِلذَّبْحِ. ويلٌ لِسُكَّانِ بابِلَ! حانَ يومُ عِقابِها“. (إرميا: 50: 21-27)

فهو فخٌّ نصب لكم، وهذا عقاب أنزلوه على أرض العراق وشعبه باسم الطاغية الذي سلَّطوه هم عليه ومدُّوه بالسلاح والقوة حتى تغطرس بما يملكه من ثروات تفوق حجمه، فعاش نوعاً من الفرعنة المصرية، أو النمردة البابلية، ولذا كان يستحق القتل، وبلاده التدمير، فجمعوا أقوى الدول وأحاطوا به من كل جانب، ودمَّروه دون أن يجد مساعدة من أحد، كما في نصِّ إرميا: “أنا عدوك أيها الباغي. جاء يوم عقابك. سيعثر الباغي ويسقط ولا أحد يقيمه، وأشعل ناراً في مدنه فتأكل كل ما حوله“. (إرميا: 50: 31-32).

 

  • إعادة التوازن للعراق

فإذا عرفنا ذلك فيجب أن نعرف أن الخطر كامن هنا في بني صهيون وكل مَنْ يتحالف معهم من أعراب نجد حيث نبغ قرن الشيطان، فصنعوا لنا هذا الدِّين لتكفير الأمة الإسلامية قاطبة وضربها ببعضها بحروب بينية على أسس طائفية زائفة، أو إثنينية باطلة، أو قومية زائلة، فالمهم لهم أن تُقسَّم العراق على أساس ذلك وتبقى في نزاع دائم فيما بينها لتبقى ضعيفة وتحت السيطرة الصهيونية ولن يسمحوا لأي جزء منه بالبناء الحضاري لأن التوراة يأمرهم أن يبقوها مدمرة وشعبها مهجَّراً في كل أصقاع الأرض لأنهم إذا اجتمعوا سيدمرون الصهاينة كما يتصورون.

فالعراق اليوم بحاجة لإعادة التوازن له، والثقة به، وذلك بالوعي التاريخي لدوره الحضاري في المنطقة والعالم، وبصيرة نافذة بالمخططات التي يُعدُّها الأعداء له من أجل بقائه مدمراً منهكاً يبحث أهله الكرام عن لقمة العيش ولا يحصلوا عليها إلا بشق الأنفس، وإلا لماذا يجوع أهلنا في العراق فهل العراق بحاجة إلى طعام وهو بلد الرافدين والسواد الذي يفيض خيراً وعسلاً؟

فالعراق الجريح لسان الميزان للتوازن والاستقرار والأمن في المنطقة كلها، يجب أن يتوازن.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا