رأي

شكراً كورونا

وصل العدد الى أكثر من مليون مصاب بجائحة كورونا، وعشرات ..؟؟

وصل العدد الى أكثر من مليون مصاب بجائحة كورونا، وعشرات الألوف من الوفيات في العالم.
عزيز هنا، وعزيزٌ هناك، شيخ هنا، و امرأة هناك.
العالم دخل رسميا في ركود اقتصادي لم نشهد له مثيل من ذي قبل، الملايين من الناس مهددون بفقد وظائفهم ومصدر رزقهم، والقائمة تطول.

“مَا مِنْ بَلِيَّةٍ إِلَّا وَ لِلَّهِ فِيهَا نِعْمَةٌ تُحِيطُ بِهَا”.( حديث شريف)

وبالرغم من جميع ذلك يبقى هنالك جانب مشرق في هذه الجائحة العالمية، والتي قد توازي أو تفوق كل ما ذكر من مساوئ، ليتحقق بذلك الحديث الشريف حيث قال عليه السلام: “مَا مِنْ بَلِيَّةٍ إِلَّا وَ لِلَّهِ فِيهَا نِعْمَةٌ تُحِيطُ بِهَا”.
فلو غضضنا النظر قليلاً عن وسائل الإعلام وما ينشر فيها من أرقام المصابين والوفيات ومؤشرات الأسواق العالمية الحمراء، سنجد أنّ كورونا كان إنذارا للبشر، ربما أيقض ضمير الملايين من الناس الذين كانوا يعملون كالماكنة من دون التفات الى ما يحدث خلفهم، وأنهم يسيرون بالاتجاه الخطأ!
منذ عقد من الزمن وربما أكثر لم تكن سماء الأرض أكثر إزرقاقا مما هي عليه اليوم نتيجة عدم انبعاث الملايين من الغازات السامّة التي كانت تنبعث في كل يوم من السيارات والمصانع التي تعطلت حول الأرض!
ثقب الأوزون لم يُعهد أن كان بهذه الحالة فهو في أفضل حالاته، ويتعافى الغلاف الواقي للأرض بسبب تحسّن المناخ؛ فقد نجح كورونا في فعل ما لم يمكن للدول الصناعية الكبرى الاتفاق على فعله من تقليل انبعاث هذه الغازات السامّة، وعلى إثرها انسحبت الولايات المتحدة من مؤتمر المناخ، لكنها اليوم تطبق اكثر من قراراته طائعة مرغمة!
إذاً شكرا لكورونا من الطبيعة التي من حولنا، وشكرٌ آخر لكورونا من الأسر والعوائل التي عادت الى صفائها السابق، بعد أن سلبها ذلك انشغال الناس بالدنيا، التي مثلها كماء البحر كلما شرب منه العطشان يزداد ظمأ، فالمليارات الثلاث من البشر الملزمون بلزوم الدار عرفوا أنَّ نمط الحياة يجب أن يتغير، وأنَّ الأسرة ليست عبارة عن المادة فقط وإنّما هي الروح الذي يجب أن ينبعث من الاجتماعات الأسرية والجلوس على موائد مشتركة وتجاذب أطراف الحديث في الأمور الهامّة.
وشكرٌ آخر لكورونا وهذه المرّة من الملائكة، حيث أُغلقت مدن الملاهي والمعاصي، وكما كتبت إحدى أشهر الصحف الأمريكية عند إغلاق مدينة القمار (لاسويغاس): “كورونا يغلق مدينة الذنوب والمعاصي”، فشكراً لكورونا لإغلاق الملايين من الحانات وصالات القمار وغيرها من الملاهي التي كان يصرف البشر فيها المليارات في الوقت الذي كان يجدر بهم صرفها فيما هو أهم لحاضرهم ومستقبلهم.

شكرٌ لكورونا وهذه المرّة من الملائكة، حيث أُغلقت مدن الملاهي والمعاصي، وكما كتبت إحدى أشهر الصحف الأمريكية عند إغلاق مدينة القمار (لاسويغاس): “كورونا يغلق مدينة الذنوب والمعاصي”

كما الشكر موصول لكورونا لأنه أعاد الناس إلى ربهم، ليعرف أصغر مخلوق لله هذا الإنسان المتكبر بأن للأرض خالق، ولها رازق، وعليها مهيمن ومدبّر، ولن تنفعنا ترسانات الأسلحة النووية والبايولوجية في مواجهته.
كلمات الشكر تستمر وتتوالى وهي كثيرة لمن تدّبر عظيم تقدير الله في ابتلائه، حيث يُنزل البلاء على المؤمن والكافر، ليكون البلاء تمحيصٌ للمؤمن ومحقٌ للكافر، كما قال تعالى: {لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.
وكلّما زاد إيمان المؤمن كلما زاد بلاؤه، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “إِنَّ لِلَّهِ عَزَّوَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ عِبَاداً، مَا مِنْ بَلِيَّةٍ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ تَقْتِيرٍ فِي الرِّزْقِ إِلَّا سَاقَ إِلَيْهِمْ، وَلَا عَافِيَةٍ أَوْ سَعَةٍ فِي الرِّزْقِ إِلَّا صَرَفَ عَنْهُمْ، وَلَوْ أَنَّ نُورَ أَحَدِهِمْ قُسِمَ بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ جَمِيعاً لَاكْتَفَوْا بِهِ”.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا