يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان والفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير”.
التهيّب يعني التخوف من الناس، او التخوف من الفشل، والحياء هو الخجل من النفس، قد يمتنع إنسان عن عمل رفيع خوفا من كلام الناس، أو خوفا من أن يفشل، وقد يمتنع بسبب داخلي، لانه يستحي او لانه يخجل، هذا التهيّب في صورته المركزة يأتي في صورة الطاغوت، أما الحياء يأتي في صورة الجبت.
📌الهيبة مقرونة دائما بخيبة أمل، ذلك الذي يخاف من الفشل ولا يقدم على أي عمل يستعجل الفشل الذي منه هرب
كثيرون لا يعملون ما يجب عليهم؛ لا ينتهزون الفرصة خوفا من عامل خارجي، وبعضهم لا يفعل ذلك خوفا من عامل داخلي، أو بسبب الجهل، أو للإيمان بالخرافات والاساطير.
الهيبة مقرونة دائما بخيبة أمل، ذلك الذي يخاف من الفشل ولا يقدم على أي عمل يستعجل الفشل الذي منه هرب، وذلك الذي يستحي من الناس فلا يتحمل مسؤولية كبيرة في المجتمع يُحرم من أي نتيجة في الواقع.
على مستوى الأفراد أو الجماعات لابد من شجاعة الاقدام، حينما تخاف جماعة من الاقدام على عمل كبير، فإن هذه الجماعة سوف يخيب املها، أو حينما تستحي جماعة من رفع راية معينة في المجتمع، فإن هذه الجماعة ستُحرم تلك الراية.
إن الناجحين في الحياة يتمتعون بصفة الشجاعة، سواء في مواجهة أنفسهم أم مواجهة الآخرين:
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ
فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي
ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ
يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
إذا كانت الهيبة مقرونة بالخيبة، والحياء بالحرمان، فما ربط ذلك بالفرص؟
الفرصة لحظة؛ فمَن أقدم نجح، ومن تهيّب أو انتابه الخجل أصابه الفشل، لنفرض أن هناك فرصة لمشروع كبير في المجتمع، وهناك ثلاثة أشخاص فقط، فأحدهم تهيب الناس، والآخر استحى منهم، فيبقى الشخص الثالث هو الذي يقدم، فيحقق الانجاز الذي هرب منه الآخرين.
الناجحون هم اسرع الناس في تصيّد الفرص بينما حياة الفاشلين مليئة بالفرص الضائعة.
قد تكون الهيبة من ذات الفشل؛ يخاف أن يفشل فلا يُقدم، فيقال له يجب أن تصبح كاتبا مرموقا، فيخاف من كتابة مقال أن يفشل في كتابته فيترك الكتابة، وبهذا استعجل الفشل الذي كان قد هرب منه.
أو قد يقال لشخص آخر: أقدم وألقِ محاضرةً، لكنه يخاف ويتهيبها خوفا من أن يفشل، فيترك الإلقاء.
يقال في علم النفس: هناك إرادة نجاح، وهناك إرادة فشل. الفاشل ليس هو الذي تأتيه عوائق طبيعية في المجتمع فيفشل بسببها، إنما هو ذلك الشخص الذي يريد أن يفشل، عنده إرادة الفشل. الله ـ تعالى ـ يزيل أي عائق أمام كل إنسان يريد ان ينجح.
من لا يتحيّن الفرص ويقفز عليها حينما تأتيه لابد أن يفشل، لان الفرص لا تنتظر من يستغلها، وهي تأتي على الجميع، كما المطر ينزل على الأرض جميعها، فإذا كانت ـ الارض ـ مستعدةً أنبتتْ نخلا وزيتونا ورمانا، وإن لم تكن مستعدة تتحول مياه الأمطار الى ملح، وكذلك هي الفرص في الحياة، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود”.
أراد جحا ان يقفز على حماره ولم يستطع ان يحافظ على توازنه وسقط في الطرف الثاني من الحمار، التفت يمنةً ويسرة، فلم يرَ أحداً يسخر منه ويضحك عليه، فقال: ما خسرنا شيئا، سابقا كنا في ذاك الطرف من الحمار الآن اصحبنا في الطرف الثاني.
بعض الافراد تأتيه الفرصة لكنه يتعامل معها أقلّ مما تعامل جحا مع حماره، لذا يجب تصيّد الفرصة، فإن حدث فشل، لم يخسر شيئا فهو في موقعه السابق، فإذا أتتك وظيفة، أو مسؤولية معينة، لا ترفض ذلك بالقول: انا أصغر من ذلك العمل. بل تصيد الفرصة وأقدم.
📌 عوامل الخوف الواقعية قليلة، وما يجب أن يخاف منه الانسان هو الله ـ عز وجل ـ أما أي شيء آخر لا يستحق الخوف، بما في ذلك الموت، وهل فوق الموت من شيء؟!
يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: لا تقل فلانا أولى بفعل الخير مني فإن يكون والله كذلك”.
هل تفكّر أن القادة في التاريخ كان يمتلكون أربع عيون، وأربعة آذان، واربع أرجل؟! كانت ميزتهم أنهم يفكرون أنهم بمستوى المسؤولية، هذه هي ميزتهم، أنهم لا يضيعون فرصة القيادة، وفرصة المسؤولية.
بعض الاشخاص يتعجب من شخص كان عاديا واصبح الأخير في يوم من الايام رئيسا للبلاد! فلماذا العجب اذا كان قد استغل الفرصة وقاد البلاد؟
عوامل الخوف الواقعية قليلة، وما يجب أن يخاف منه الانسان هو الله ـ عز وجل ـ أما أي شيء آخر لا يستحق الخوف، بما في ذلك الموت، وهل فوق الموت من شيء؟!
فأي خوف من أي شيء آخر ـ غير الله ـ هوتهيّب، وهو ما أشار اليه أمير المؤمنين، عليه السلام، وهذا هو خوف مزيف يصنعه الانسان لنفسه، وهو غير موجود واقعا، فالذي يخاف من الظلام ـ وهو واقع غير مخيف ـ يتهيب من الاشياء باعتباره لا يراها، فهو يصنع لنفسه خيالات تخيفه.
- مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي (حفظه الله).