رأي

كربلاء المقدسة وأبنائها الأبرار

كالأم الحنون؛ تخصص جزءاً من أموالها لكفالة الايتام والمحتاجين، فهي تنثر من حنان الأمومة على يتيم او أكثر لسدّ حاجته من تكاليف المعيشة والدراسة والعلاج، وتوفير الاستقرار النفسي لهم.

📌الدولة التي تعد كربلاء إحدى مدنها المتميزة بطابعها الديني والتاريخي والثقافي، تقع عليها مسؤولية مضاعفة في تغطية احتياجاتها، بل واغنائها بالامكانيات والقدرات للتنمية المستدامة والتطور المستمر

إنها مدينة كربلاء المقدسة؛ بدأ مشوارها العاطفي مع المحبين والمؤمنين من غابر الزمان، وقد أحسن وأبدع المؤرخون في تدوين تاريخ وفود الأهالي الى حيث مرقد الامام الحسين، عليه السلام، وبداية بناء هذه المدينة بشوارعها وأسواقها ومراكزها العلمية والتجارية والصحية منذ مئات السنين بفضل ظروف سياسية واجتماعية متظافرة، فكانت محط أنظار المؤمنين والمحبين لأهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، من كل أنحاء العالم الاسلامي، وبعد التشرّف بالزيارة والتزود المعنوي، ثم التوجه الى المشاريع التجارية، صار التوجه الى الإقامة الدائمية في هذه المدينة، ورغم المحاولات البائسة لتأطير كربلاء في حدود قومية او عرقية لاقتطاعها من الخارطة الاسلامية، بقيت كربلاء المقدسة الأم التي تحضتن جميع ابنائها مختلف مستوياتهم واشكالهم.

ولكن!

لهذا الأم الحنون (كربلاء المقدسة) استحقاقها من الدولة والمجتمع في آن، فالدولة التي تعد كربلاء إحدى مدنها المتميزة بطابعها الديني والتاريخي والثقافي، تقع عليها مسؤولية مضاعفة في تغطية احتياجاتها، بل واغنائها بالامكانيات والقدرات للتنمية المستدامة والتطور المستمر، كما هي المدن التاريخية في العالم مثل؛ روما، وباريس، ولندن، مع الفارق في العمق التاريخي والحضاري الأكثر لدى كربلاء، كما أن على المجتمع في كربلاء المقدسة واجبات ايضاً في الحفاظ على قدسية هذه المدينة وهويتها، بل والالتفات دائماً الى اسباب ظهور شيء اسمه مدينة كربلاء على ارض العراق.

وعندما نذكر “القدسية” لا نقصد بعض التصرفات والسلوكيات في الشارع، مثل؛ تبرّج هذه الفتاة أو تلك المرأة، او مظاهر العنف والطغيان لدى بعض الرجال، وإلا فإن هذا السلوك البشري موجود في كل مكان وزمان، إنما المقصود العلل والمسببات، فالفوضى في القيم والسلوك نابع من فوضى القوانين والتقاليد المتبعة في البلد، ثم الالتزام بالقوانين والتقاليد، فالتطبيقات العملية على الارض هي الاختبار الثقافي الاول والاخير، وهذا يعود الى جدّية مؤسسات الدولة في قوانينها والاهتمام بها، كما يعود الى مؤسسات المجتمع؛ بدءاً من الأسرة وما تلقنه لأبنائها وأفرادها، ثم المحيط التعليمي وما يغذيه من افكار وثقافات، والى الشارع العام حيث النشاط التجاري الساعي أبداً وراء الربح والمنفعة.

 فإذا نلاحظ بعض ما يخالف هوية وانتماء هذه المدينة، فإن السبب فيه ليس في شخص الانسان المخالف، والذي ربما يكون في بعض الاحيان عفوياً وعن عدم دراية وعلم بالامور، وإنما في القاعدة التي ساعدت على ظهور هذه المخالفات.

فالدستور يكفل حق الموطن بالعيش في أي منطقة يشاء من بلده، في الوقت نفسه يجب على هذا الدستور إضافة فقرة أخرى تجعل كربلاء المقدسة مدينة استثنائية دون أي مدينة اخرى بالعراق من حيث البنية التحتية والخدمات والإدارة، وإلا ليس من المعقول أن يزدحم في هذه  المدينة حوالي ثلاثة ملايين مواطن من مختلف المحافظات، ثم نقرأ في القوائم على طاولة مجلس الوزراء بأن كربلاء يعيش فيها مليون وربع المليون مواطن فقط!

هذه الكثافة السكانية غير المسبوقة في سائر مدن العراق، بل حتى في غير العراق بالقياس الى الخدمات الموجودة في هذه المدينة، مع الإهمال المتعمد لهوية هذه المدينة من الدولة والمجتمع على حدٍ سواء، هو الذي يسبب الفوضى في السلوك والأخلاق وحتى في القوانين، لأن قدسية المدينة تتقاطع فقرة قانونية أخرى في الدستور تبيح للمواطن التصرف بما يحلو له وفق “النظام الديمقراطي”.

إن مدينة كربلاء المقدسة، ليس بامكانها ضمّ ثلاثة ملايين، بل وعشرة ملايين ايضاً بشرط توفرها على القوانين الملزمة لخصوصيتها وهويتها، وليعش الجميع بسلام وأمان، مع مختلف الانشطة التجارية والعلمية، بل هذا يحولها الى مدينة عالمية ربما تنافس في جاذبيتها جميع مدن العالم ذات البعد التاريخي والحضاري.

📌 إن مدينة كربلاء المقدسة، ليس بامكانها ضمّ ثلاثة ملايين، بل وعشرة ملايين ايضاً بشرط توفرها على القوانين الملزمة لخصوصيتها وهويتها

لابد أن يعي الجميع أن كربلاء المقدسة التي يتحدث عنها الجميع بأنها مدينة كل العراقيين، فانها مدينة كل المسلمين، وليس فقط الشيعة ومحبي أهل البيت، ولها نظرة خاصة في عيون العالم كله، فعندما يكون المقيمون فيها أبرار لها فانهم يكونون جديرين باحترام العالم وليس فقط العراقيين، كما هو حال أهالي المدن التاريخية ذات الجاذبية السياحية والتجارية في العالم، فانهم يحرصون أن تكون مدينتهم خالية من الأزمات والمنغّصات ما استطاعوا الى ذلك سبيلا، ولتكون واجهة جميلة في كل شيء.

والعراقيون المعرفون بطيب أصلهم، وشدّة حبهم للإمام الحسين، عليه السلام، لابد وأن يفوقوا سكان أي مدينة عالمية اخرى في الحرص على سلامة هذه المدينة من الانحرافات والظواهر الشاذة وغير الحضارية.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا