أسوة حسنة

الإمَامُ الجَوَادُ أُسوَةُ الشَّبَابِ

المشهور أن شهادة الإمام محمد الجواد، عليه السلام،  في آخر ذي القعدة 220ه في بغداد

المقدمة

نحن نعيش في معترك حضاري مأزوم فعلاً لا سيما على مستوى الأمة الإسلامية والهوية والوجود أيضاً، وذلك لشدة الحرب وشراسة الحملة التي يقودها الطغيان والاستكبار العالمي ومحور الشيطان الأكبر ضد هذا الأمة التي نُكبت مرتين، في هذا الزمن الأغبر:

  • نكبت من خارجها بعدو قوي جداً وإمبراطورية تملك أقوى ترسانة في التاريخ البشري.
  • وابتليت من داخلها بحكام تسلَّطوا عليها بالقوة والظلم والقهر من قبل عدوها الخارجي، وهم الذين يسمونهم حكاماً وملوكاً وسلاطين، فجثموا على صدور الأمة وراحوا يذبحونها بأيديها.

فما أحوجنا في هذا العصر إلى بلورة قيادة حكيمة مؤمنة تقيَّة نقيَّة صالحة تكون لنا وليس علينا ولخدمة الأمة وليس لخدمة إمبراطورية الشر، ولتحقيق مصالحنا وليس تحقيق المصالح الصهيونية العالمية، والوهابية المجرمة، وهذا ما منَّ الله به علينا في نظام (المرجعية) المباركة التي هي الإبداع الذي حفظ هذه الأمة من الذوبان، وأن تتحول كالنصرانية وغيرها.

القيادة الصالحة للأمة

الحقائق والوقائع، تقول: إنه لا بدَّ لكل أمة وشعب وحتى أسرة من قيادة، فالقائد كالرأس المفكِّر والمدبِّر، والمدير، والوزير، والرئيس الناجح لأمته، وكلما صلح القائد صلحت الأمة وإذا فسد فسدت وذهبت هيبتها وانتظر لها السقوط، ولذا كانت النظرية الإسلامية الواقعية تأمر باختيار الأتقى والأنقى والأورع والأشجع ليكون إماماً لها، والإمام يجب أن يكون معصوماً أي أنه يُمثِّل النموذج الأرفع والأروع من بني البشر، فهو كالنبي ولكن لا يأتيه ملاك الوحي.

كما أن صغر السن لا يؤثر في منصب الإمامة، كذلك في السعي للوصول إلى أرقى المناصب العلمية والعملية في هذه الأمة المنكوبة في هذا العصر المأزوم

فالنموذج الإسلامي الأفضل هو الذي حدَّدته الآية الكريمة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.(الحجرات: 13)، فالتفاضل بالتقوى وليس بالأقوى، وبالأصلح وليس بالأغنى، فأمر الله وبلَّغ رسوله الكريم، صلى الله عليه وآله، ذلك وبيَّنه في يوم 18 ذي الحجة في منطقة غدير خم، حيث أكمل الله الدِّين وأتمَّ النعمة بالولاية، وتنصيب الأمير على الأمة الإسلامية وأمرهم بالبيعة له فبايعوا له جميعاً.

معجزة الإمامة

 بما أن الولاية والإمامة منصب رباني كالنبوة والرسالة فلا بدَّ لها من معجزات وكرامات تتحقق على أيدي الأئمة الأطهار، عليه السلام، وكما أن في الأنبياء الكرام، عليه السلام، مَنْ آتاه الله الحكم صبياً، ونطق بالمهد كالسيد المسيح وابن خالته يحيى بن زكريا، عليهم السلام، كان في أئمتنا العظام معاجز كالإمام التاسع من أئمة المسلمين محمد الجواد، عليه السلام، الذي تركه والده الإمام الرضا، عليه السلام، عملياً وعمره أربع سنوات تنفيذاً لأمر ومكيدة المأمون العباسي بولاية العهد، فالنصوص التاريخية البسيطة والخجولة تُظهر أن الإمام الرضا، عليه السلام، تعامل مع ولده الوحيد بأنه الولي والوصي من قَبل أن يُغادر المدينة المنورة ويتركه فيها حيث أوصاه بكل وصاياه واستودعه إرث النبوة والولاية ونصب على نفسه مأتماً، وأوصى الجميع بطاعته وحذَّرهم من مخالفته.

فالإمام محمد الجواد، عليه السلام، تسلم مكان والده وكرسيَّه في العلم والتعليم والفتوى في مدينة جدِّه رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهي قِبلة العلماء، وطلبة العلوم الدِّينية والدنيوية، فسدَّ مكان والده الرِّضا، عليه السلام، الذي كان يُلقب (بعالم آل محمد) في عصره، لأنه جلس في المسجد النبوي الشريف وراح يُعلم ويُفتي ولمَّا يبلغ العشرين إلى أن استدعاه المأمون إلى خراسان وهو فوق الخمسين، عليه السلام، .

وهنا لك أن تسأل مع كل الناس والعلماء والأعلام والمؤرخين والباحثين، وأهل العلم والفضل في هذه الأمة المرحومة لا سيما وأنها كنت تعيش في عصرها العلمي الذهبي في عصر المأمون الذي كان أخبث وأعلم الخلفاء على الإطلاق، مَنْ عسى أن يكون علَّم ذاك الفتى وهو في الرابعة من عمره؟

ومَنْ الذي فقَّهه في الدِّين، وعلَّمه كل الأصول والفروع، والآداب، والأخلاقيات، وأنواع البرهان والمحاججات الفكرية والعلمية في أدقِّ العلوم، وفي محضر الخليفة عبد الله المأمون وكل ملأه ورجال دولته ووزرائه وبني العباس وأعيان قريش، وعلماء المسلمين كيحيى بن أكثم قاضي القضاة ويفوز عليهم ويقطعهم جميعاً ويُجيب على أسئلتهم ولا يستطيعون الإجابة على سؤاله؟

أليس هذا كله معجزة بحدِّ ذاتها؟ فمَنْ يستطيع أن يقف في ذلك المجلس المهيب، وهو فتى لم يبلغ الحلم ولم يعلِّمه أحد من العالمين، ولم يكن معه أحد من أهله الكرام بل كان بين أعدى أعدائه، وحسَّاده، من العباسيين لا سيما قاتل والده العظيم الإمام الرضا، عليه السلام،  الحاكم المأمون.

الإمام الجواد، عليه السلام، أسوة

  وهنا نسجل كلمة لعل البعض يرى فيها نوعاً من الغلو في إمامنا التاسع، إلا أنها عين الحقيقة التي يجب أن نُصرِّح بها وليسمعها أهل العالم: إن الإمام محمد الجواد، عليه السلام، الذي قاد الأمة الإسلامية في عصر الظلم العباسي، لعقدين من الزمن، وأثبت جدارته بكل المقاييس، جدير بأن تجعله الأمة الإسلامية بل الإنسانية رمزاً، وقدوة، وأسوة للشباب في كل عصر ومصر، فهو فخر الإنسانية ورمز عزتنا وفخرنا وقدوة الشباب لدينا.    

 وجميل ما يقوله أحد الأساتذة الأفاضل هنا: “وهذه رسالة إلى مجتمعاتنا على طول الخط بضرورة الاهتمام بشريحة الشباب، والأشبال في تنمية مواهبهم، وقدراتهم الذهنية، كما يهتمون بقدراتهم البدنية وظاهرهم الجميل”، فهذا حقهم علينا، وعلى المجتمع الإسلامي لصناعة أجيال راقية تأتمُّ بهذا الإمام الهمام العظيم التاسع من أئمة المسلمين الإمام محمد الجواد، عليه السلام،.

 فاستلام الإمام الجواد، عليه السلام، منصب الولاية والإمامة، في تلك السن المبكرة هي أكبر هدية للشباب لما يمثله من المثل والقدوة الدافعة لهم ليكونوا قادة وسادة في مستقبل أيامهم، ليقودوا هذه الأمة إلى عزتها وكرامتها ويُعيدوا لها شرفها وسؤددها في قادم الأيام بإذن الله تعالى.

وكما أن صغر السن لا يؤثر في منصب الإمامة، كذلك في السعي للوصول إلى أرقى المناصب العلمية والعملية في هذه الأمة المنكوبة في هذا العصر المأزوم، الذي تكالبت عليها الأمم جميعاً لتكسرها وتسحق شبابها تحت بريق الحضارة الرقمية التافهة، التي تعملقت في المادة وأهملت الروح والمعنوية القيمة والفضيلة فصارت خاوية على عروشها كما نراها.

القائد يواجه الأحزاب

نحن في مواجهة حضارية ومعركة مصيرية علينا، وها هي قوى الظلم والظلام تُحاصرنا، من كل ناحية كما حاصرت الأحزاب رسول الله، صلى الله عليه آله، في المدينة المنورة، فتخندق المسلمون بقيادته الربانية المظفرة، وانتصر بضربة من يد القائد المظفر أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام،  لعمرو بن عبد ود العامري، الذي كانت ضربته تعادل عمل الثقلين الإنس والجن إلى يوم القيامة.

استلام الإمام الجواد، عليه السلام، منصب الولاية والإمامة، في تلك السن المبكرة هي أكبر هدية للشباب لما يمثله من المثل والقدوة الدافعة لهم ليكونوا قادة وسادة في مستقبل أيامهم

  وكذلك واجه الإمام الشاب محمد الجواد، عليه السلام، كل بني العباس عندما حزَّبوا عليه رجالهم وعلماءهم ليثنوا عبد الله المأمون عن تزويجه، بأم الفضل ابنته، فقال لهم: “وَأَمَّا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَدِ اِخْتَرْتُهُ لِتَبْرِيزِهِ عَلَى كَافَّةِ أَهْلِ اَلْفَضْلِ فِي اَلْعِلْمِ، وَاَلْفَضْلِ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ، وَاَلْأُعْجُوبَةِ فِيهِ بِذَلِكَ.

 فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا اَلْفَتَى وَإِنْ رَاقَكَ مِنْهُ هَدْيُهُ فَإِنَّهُ صَبِيٌّ لاَ مَعْرِفَةَ لَهُ، وَلاَ فِقْهَ فَأَمْهِلْهُ لِيَتَأَدَّبَ ثُمَّ اِصْنَعْ مَا تَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

فَقَالَ لَهُمْ: وَيْحَكُمْ إِنِّي أَعْرَفُ بِهَذَا اَلْفَتَى مِنْكُمْ وَإِنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ عِلْمُهُمْ مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى، وَمَوَادِّهِ وَإِلْهَامِهِ لَمْ يَزَلْ آبَاؤُهُ أَغْنِيَاءَ فِي عِلْمِ اَلدِّينِ وَاَلْأَدَبِ عَنِ اَلرَّعَايَا اَلنَّاقِصَةِ عَنْ حَدِّ اَلْكَمَالِ”. 

فجمعوا له الجموع من العلماء والفقهاء وأصحاب النِّحل والآراء، فأفحمهم جميعاً وألقم كل منهم حجته وأقعده على حدِّه فمَنْ الذي صنع من ذاك الفتى الأروع تلك الشخصية العلمية الرائعة؟ إنه فتى الولاية ومعجزة الإمامة الربانية الذين زقهم الله العلم زقاً فكانوا صناعة ربانية بامتياز، والناس من صناعتهم، ألا يجدر بنا شيباً وشباناً أن نقتدي بهذا الإمام العظيم، عليه السلام،  في صناعة أنفسنا، وصياغة شخصياتنا على هديه فنسعد في الدنيا والآخرة بالاقتداء والتأسي به في مواجهتنا الحضارية مع كل هؤلاء الأعداء، وهذه الأحزاب الذين تجمَّعوا من كل بقاع الأرض وشياطينها وجاؤوا ليطفؤوا نور الولاية والإمامة في العراق الجريح أرض الدولة المهدوية المباركة؟

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا