إضاءات تدبریة

المغفرة والأجر العظيم.. لمن؟

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ، وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ، وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ، وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}. (سورة الاحزاب: 35).

يتساءل الكثير: إنني تُبتُ مما صدر مني من الذنوب والمعاصي في سنوات عمري الماضية، ولكنني أريد أن اطمئن وأن أعرف ما إذا كانت تشملني المغفرة من الله أم لا؟ وهل اكسب في الآخرة أجراً على أعمالي الصالحة سابقاً ومن الآن فصاعداً؟

هذا التساؤل يقلق البعض، إذ يرى أنَّ ما صدر منه من المنكرات والسيئات في فترة الجهالة والضلالة امور كبيرة وثقيلة، فهل تشمله المغفرة أم لا؟

في الآية الخامسة والثلاثين (35) من سورة الأحزاب نجد الجواب على ذلك، لنقرأ الآية من فقرتها الأخيرة. يقول الله تعالى في ختام الآية: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}، هنيئاً لهم بالمغفرة والأجر العظيم، ولكن من هم هؤلاء؟ وهل نحن منهم؟ وكيف نكون ممن أعدّ الله لهم المغفرة والاجر العظيم؟

المؤمن أرفع درجة من المسلم، إذ المسلم من أظهر انتماءه للدين لساناً وظاهراً، وهذا تنطبق عليه أحكام الإسلام الظاهرية من حرمة دمه، وماله، وعرضه، أما المؤمن فهو الذي تجذّر الدين في قلبه، وصدَّقت أعمالُه ومواقفُه كل ما يزعمه بلسانه، ولذلك نجد في الكثير من الأحاديث الشريفة فرقاً بين المسلم والمؤمن

تذكر الآية الكريمة مجموعة من الصفات إذا وُجدت في الانسان فهو ممن يغفر الله لهم ويعطيهم أجراً عظيما، ولو جمعنا هذه الصفات المذكورة في الآية الكريمة لاستلهمنا هذه البصيرة: إنَّ من كان في الخط العام في حياته مستقيماً، وكان ملتزماً بالسير على خارطة الطريق التي يرسمها الدين للإنسان، وكان صالحاً ومهتدياً في الامور الأساسية والرئيسية للدين، فإنَّ ما قد يصدر منه من السيئات – والتي لا يخلو منها الانسان غير المعصوم عن الخطأ – فإن الله يغفر له ويؤتيه أجراً عظيما.

أما الصفات الأساسية حسب الآية الكريمة فهي:

1- {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} أن يكون الشخص ـ ذكراً كان أو انثى ـ مسلِّماً أمره الله تعالى، ومعترفا بتوحيد الله ومعلنا طاعته لله تعالى.

2- {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}. المؤمن أرفع درجة من المسلم، إذ المسلم من أظهر انتماءه للدين لساناً وظاهراً، وهذا تنطبق عليه أحكام الإسلام الظاهرية من حرمة دمه، وماله، وعرضه، أما المؤمن فهو الذي تجذّر الدين في قلبه، وصدَّقت أعمالُه ومواقفُه كل ما يزعمه بلسانه، ولذلك نجد في الكثير من الأحاديث الشريفة فرقاً بين المسلم والمؤمن.

 وكنموذج: روي عن رسول الله، صلى الله عليه وآله: “المؤمنُ‌ مَن ائتمَنه المؤمنونَ‌ على أموالِهم وأُمورهِم، والمسلمُ‌ مَن سَلِمَ‌ المسلمونَ‌ مِن لسانِه ويَدِه.

3- {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}. القنوت هو الإقرار بالعبودية والاستمرار والدوام في العمل الصالح.

4- {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ}. الظاهر أن المراد بالصدق هنا، ليس الصدق في الكلام فقط، وإنما الصدق في كل مجالات الحياة: الصدق في الإيمان، الصدق في العلاقات مع الآخرين، الصدق في المعاملة، الصدق في الكلام والموعد، وهكذا في كل مجال من مجالات الحياة.

5- {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ}. الصبر – كما في الأحاديث – يكون بمعنى الاستقامة، والاستمرار في الطاعة، والصبر على ترك المعصية، والصبر بازاء المشاكل والابتلاءات، أي تحمّلها بلا تبرّم وجزع.

6- {َالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ}. لا شك إن الخشوع والذي يعني الخضوع أيضا هو – اولاَ وبالذات – لله تعالى، وأيضاً يكون ضرورياً في كل ما أمر الله به، كخضوع المؤمنين بعضهم لبعض فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض، وكذلك الخشوع والخضوع بين الأرحام، وبين المتعلِّم والمعلِّم، وبين الكبير والصغير، وهكذا…

7- {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ}. أي الذين ينفقون من اموالهم في سبيل الله، سواء الصدقة الواجبة كالزكاة، أو الصدقة المستحبة كالانفاق على الفقراء والمساكين من الأرحام والجيران وغيرهم من عامة الناس.

8- {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ}، هم الذين يرسّخون جذور التقوى في أنفسهم عن طريق الالتزام بالصوم وبما يترتب عليه من التدرب على الكف عن كثير من الامور الحياتية المحلّلة للتمرن على ترك الحرام.

9- {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ}، فهم يصونون انفسهم من السقوط في مستنقع الرذائل الجنسية، ويتمتعون باعلى درجات العفاف.

{وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ}. الظاهر أن المراد بالصدق هنا، ليس الصدق في الكلام فقط، وإنما الصدق في كل مجالات الحياة: الصدق في الإيمان، الصدق في العلاقات مع الآخرين، الصدق في المعاملة، الصدق في الكلام والموعد، وهكذا في كل مجال من مجالات الحياة

10- {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} وليس المراد: الذكر اللساني لله تعالى، فهذا الذكر أحد مصاديق هذه الصفة، بل المراد هو الاعم من ذلك، فالذاكر لله هو الذي يذكر الله وأوامره ونواهيه كلما واجه أمراً ما، فهو لا يقوم بعمل إلا ويذكر أن هذا هو مرضي لله، ولا يترك عملاً إلا وهو يتذكر إنما يترك هذا لأن الله تعالى نهاه عن ذلك، فهو يرى الله حاضرا عنده ومعه في كل زمان ومكان.

وهكذا لو اجتمعت الصفات العشر هذه في الانسان، استحق المغفرة والأجر العظيم من الله تعالى، لأن الله تعالى هو الذي قال ذلك.

وآخر بصيرة نشير اليها ونحن نتدبر في هذه الآية الكريمة، هي أن الصفات ذُكرت بصيغة المذكّر والمؤنّث، وذلك لكي يذكِّرنا الله تعالى بمكانة المرأة، وأنها ليست بشراً من الدرجة الثانية، بل (هي) و(هو) يشكلان وحدة متكاملة، والله تعالى يغفر لها كما يغفر له، ويؤتيها اجراً عظيماً كما يؤتي ذلك له، اذا اجتمعت (فيها) أو (فيه) الصفات المذكورة في الاية. فلا فرق عند الله بين الرجل الصالح والمرأة الصالحة.

عن المؤلف

الشيخ صاحب الصادق

اترك تعليقا