{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}.
بعد ان انقضى شهر رمضان، وتهيأت الأمة وتعبأت، تجلت روح الأخوة، والمحبة، ومن تلجيات هذه الرحمة الالهية هذا العام الانتفاضة الفسلطينية في مواجهة العدوان الاسرائيلي على القدس الشريف، هذه الانتفاضة دلت على ان المسلمين لا يزالون يؤمنون بما أنزل الله، ولا يزالون على العهد مع ربهم، ولا تزال تلك الأمة التي قال الله عنها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} هي خير امة، لا تزال بخير.
صحيح؛ ان الانتفاضة كانت من فلسطين ومن غزة، ضد العربدة الاسرائيلية التي حدثت في المسجد الاقصى، والمساجد الشريفة، إلا ان هذه الروح تتجلى في موقع، وفي النهاية تبشر بالحضارة الاسلامية الواعدة، ونحن نأمل ان تكون هذه الحضارة المستقبل الافضل للبشرية.
من سمات الحضارة الاسلامية أن الروح الكبرى التي في هذه الحضارة هي روح تستوعب الجانب المادي والمعنوي للإنسان، فالاسلام ليس هو الدين الذي يقول: “ما لله لله، وما لقيصر لقصير”، ولا يقول ـ أيضا ـ : “نحن نعيش في ظرف والعالًم يعيش ظرفا آخر”
عاشت البشرية ولا تزال في أزمات متلاحقة، منذ ان انسحر الالتفاف حول الرسالات الالهية، ولكن نجد اليوم ان الحالة التي حصلت في العالم، زعزعت ثقة الناس بالحضارة الموجودة، فمن جهوة فشل الادارة في العالم في مواجهة فايروس كورونا، وما تسبب ذلك في فرض أمور قاسية على الناس، وانحسار الاقتصاد وما اشبه هذا أولا.
ثانيا: ظهور الفساد العريض في الارض بسبب الحضارة المادية، التي انسلخت من القيم، منها فساد البيئة الذي يهدد العالم بأخطار كبيرة لا نعرف مداها، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ}، وقال ـ سبحانه وتعالى ـ ايضا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
هذه الازمات المتلاحقة بالاضافة الطبقية التي لم تعد خاصة بمجتمع ما، بل اصبحت سمة عامة للبشرية جمعاء، بينما تعيش دول في ارقى درجات العيش، والبعض هناك يملك المليارات، في المقابل هناك فقراء في الارض، وهناك جوع، وهناك مشاكل كبيرة تخل بالاقتصاد.
اليوم العالم يعيش في فراغ، ويبحث عن حضارة؛ فما هي تلك الحضارة التي يبحث عنها؟
الحضارة الاسلامية هي التي يبحث عنها العالم، و(الاسلامية) لا يعني انها خاصة بالمسلمين دون غيرهم، بل هي حضارة إلهية، وروح الرسالات الإلهية كلها، يمكن ان تعود الى البشرية، ليعود الناس الى الله، ويعود البشر الى الاخلاق الانسانية، والوجدان، والضمير، ويعود البشر الى انسانيتهم، ليكتشفوا ان الله لم يخلقهم لكي يعذبهم في الارض، ويتسلط عليهم الطغاة، فيعيشوا الأَمَرّين، فالله ـ تعالى ـ خلقهم ليرحمهم، فلماذا يعيشوا الازمات المتلاحقة؟
والاسلام هو الرسالة الاخيرة، التي تهيمن على سائر الرسالات، وفي سورة الاحزاب، بيّن الله ـ تعالى ـ انه بعث نبيه محمد، صلى الله عليه وآله، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}، فالنبي ليس داعيا الى ذاته، والى العرب من دون العجم، وليس الى هذه الارض دون الاخرى، فهو داعي الى الله خالق الجميع. ويصف الله ـ تعالى ـ نبيه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
من سمات الحضارة الاسلامية أن الروح الكبرى التي في هذه الحضارة هي روح تستوعب الجانب المادي والمعنوي للإنسان، فالاسلام ليس هو الدين الذي يقول: “ما لله لله ، وما لقيصر لقصير”، ولا يقول ـ أيضا ـ : “نحن نعيش في ظرف والعالًم يعيش ظرفا آخر”.
دين الاسلام يقول: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، ويرى ـ الاسلام ـ أن الحج، والصوم، والصلاة، وبقية العبادات، على الرغم من أن جوهرها عبادة، وتقرّب الى الله، إلا انها مرتبطة بالحياة المادية، يقول ـ تعالى ـ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ}، ويقول الله ـ تعالى ـ في موطن آخر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. فالصلاة لا تمنع الانتشار في الارض، والابتغاء من رحمته، والتي تتجلى بنعمه في الأرض؛ كذكك الحج لا يمنع ذلك.
الدين الاسلامي هو الذي يجعل الروحانيات ـ الصلاة، والصيام والحج ـ في خدمة قرب الانسان الى الله من جهة، وفي خدمة الإنسانية من جهة أخرى، ففي عيد الفطر المبارك، يدفع المسلمون زكاة الفطرة، مما يعني جعل بقية الناس الفقراء حظ في العيد
الدين الاسلامي هو الذي يجعل الروحانيات ـ الصلاة، والصيام والحج ـ في خدمة قرب الانسان الى الله من جهة، وفي خدمة الإنسانية من جهة أخرى، ففي عيد الفطر المبارك، يدفع المسلمون زكاة الفطرة، مما يعني جعل بقية الناس الفقراء حظ في العيد.
الحضارة الاسلامية هي التي تنطلق من قاعدة رصينة من الايمان والتقوى، ولكن من جهة أخرى تعمّر الارض وتستوعبها، يقول الله ـ تعالى ـ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ، في الدنيا يشترك فيها الجميع. وفي الواقع هذا له ميزتان؛ الأولى: الانطلاق في عمارة الارض من أجل الله تعالى؛ الثانية: هذه الحضارة لا تنحرف من خطها، بمعنى أن الحصول على المال، والتقدم الحضاري، يجب ان لا يكون على حساب القيم، وعلى حساب الانسانية، وعلى مجموعات من البشر. وهذه هي الحضارة المطلوبة للارض اليوم، والمسلمون اليوم بدأوا يعودون الى هذا الوعي.
- العراق
الواقع الذي نعيشه في العراق بحاجة الى أن لا ننسى منطلقاتنا الدينية، ونحن نعيش الاجواء السياسية، فالسياسة يجب ان نخصعها للدين، وليس العكس، ويجب ـ للسياسة ـ أن تخدم القيم المثلى، ولذلك على السياسيين ان يعيدوا خططهم المرة بعد الاخرى، حسب معيارية القيم المثلى، التي آمنوا بها وضحوا من أجلها.
ونحن أيضا ـ في العراق ـ بحاجة الى عزم وطني من أجل مواجهة التحديات، والتحديات التي تواجه الشعب العراقي كبيرة؛ وأبرزها هي اللحاق بركب الحضارة، وردم الفجوات التي حدثت في البلد بسبب الظروف السابقة، وهذا لا تقوم به جهة، او جهتين، أو بعض الاحزاب، ولذا يجب ان يكون هناك عزم وطني شامل، يشترك فيه الجميع، ويجب ان لا تكون الانتخابات القادمة سببا للتفرقة بين الاحزاب عن بعضها، والناس عن بعضهم، إنما بتوحيد الجهود لمواجهة التحديات في العراق.
——————————-
- محاضرة للسيد المرجع المدرسي القيت في يوم 13/5/2021 مـ