كلمات قد تميت امة! وأخرى تحييها..
نعم؛ لو اتبع الناس الحِكم لاهتدوا وازادهم الله هدى، أما لو استمعوا الى الشعارات الفارغة فلا ريب أن حياتهم ستكون نكداً..
ولعل هذا هو السبب في ضرورة أن يقود الأمة أعلمها، كما قال النبي صلى الله عليه وآله: “مَنْ أَمَّ قَوْماً وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ إِلَى السَّفَالِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة”1 ، فالعالم لا ينطق إلا بحكمة، أما غيره فقد يكون بليغاً ويمكنه أن يلقي اليك الكلمة المنمقة، فتظن أنها الحكمة، إلا أن أمرك لا يكون بإتباعها إلا إلى السفال.
ونحن نعيش ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، تلك العالمة غير المعلمة، تلك المحدثة العليمة، والتي للأسف الشديد لا نزال نظلمها في علموها وحكمها بالرغم من كل الذي كتب، إلا أن كلماتها تحيي الأمم فلو أن الأمة الإسلامية أخذت بكلمة واحدة من كلماتها لتغير حالها كثيراً إلا أنهم وللأسف الشديد تركوا هذه الحكم وتشبثوا ببعض القشور التي وجودها هنا وهناك.
والذي أثارني في ذلك هي كلمة نشرها طالب علم في موقعه على التويتر لبعض من يسمون بالحكماء، وهي كلمة تشبه الحكمة إلا أنها في الحقيقة نقمة، لكن هذا المسكين بدل أن يرجع إلى كلمات الصديقة الطاهرة والأئمة عليهم السلام ليجد الحكمة صار يلهث وراء هذه الكلمات الفارغة.
اما الحكمة الفاطمية والتي اعتقد أنها تعالج العديد من المشاكل التي نعاني منها هي ما ذكرته الصديقة الطاهرة عليها السلام لولدها الإمام الحسن المجتبى في القصة المعروفة.
-
الجار ثم الدار
في الحديث عن علي بن الحسين زين العابدين عن فاطمة الصغرى عن الإمام الحسين ع عن أخيه الحسن قال: “رَأَيْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ ع قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ جُمُعَتِهَا فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً سَاجِدَةً حَتَّى اتَّضَحَ عَمُودُ الصُّبْحِ وَ سَمِعْتُهَا تَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ وَ تُسَمِّيهِمْ وَ تُكْثِرُ الدُّعَاءَ لَهُمْ وَ لَا تَدْعُو لِنَفْسِهَا بِشَيْءٍ فَقُلْتُ لَهَا يَا أُمَّاهْ لِمَ لَا تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ الْجَارَ ثُمَّ الدَّار”2 .
ثقافة “الجار ثم الدار” ثقافة حياة، أن نقدم الآخرين على أنفسنا، أن يكون العطاء مقدما على الأخذ، أن يكون المال العام مقدماً على المال الخاص، وبتعبير آخر: أن تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وهذا ما يجب أن نتعلمه من الزهراء عليها السلام
قبل بيان مفاد ما ذكرته عليها السلام ومن حكمة عظيمة، لابأس من إلفات النظر إلى نكتة لطيفة وهي أنها عليها السلام أحيت ليلة الجمعة الى الصباح بالعبادة كما هي عادتها عليها السلام، لكن ما بال الحسن الزكي وهو آنذاك طفل صغير ربما لم يكبر الثلاث سنوات أو اربع، ما باله يسمعها وهي تدعوا للمؤمنين والمؤمنات؟
نعم؛ إنه برنامج فاطمة لتربية أبنائها فلم تكن تدعهم يناموا في أوقات العبادة بل تكون هي القدوة لهم، وقد ورد في هذا المعنى أنها عليها السلام كانت تداوي الأطفال بالجوع في ليالي القدر ليحيوا تلك الليالي.
-
ثقافة العطاء لا الأخذ
مما اشتهر في بعض الأمثلة عند الشعوب أن الضوء الذي يمكنك الاستفادة منه في دارك فهو محرم على المسجد!
وهذه الثقافة هي التي ادت بالكثير من مجتمعاتنا الى الانهيار، أي ثقافة محورية الذات، ففي العطاء، لا يتصدق على الغير إلا بما لا ينتفع به.
وفي العلاقات الاجتماعية، تجدها متمثلة أيضاً حيث يقيم العلاقة على أساس النفع الذاتي، فلا داعي للعلاقة إذا كانت لا تنفعه في شيء.
وفي صعيد الحياة العامة، تجد أن ما يهتم به هو ما كان داخلا في عتبة داره أما خارج ذلك فلا يهمه، فتجده يهتم جداً بالمال الخاص به، أما الأموال العامة فلا داعي للإهتمام بها، وهكذا نجد أن هذه الثقافة الهدامة التي تعكس أسوء أنواع الأنانية وحب الذات هي سبب الكثير من البلاء الذي نعانيه.
أما ثقافة “الجار ثم الدار” فهي على العكس تماماً إنها ثقافة حياة، أن نقدم الآخرين على أنفسنا، أن يكون العطاء مقدما على الأخذ، أن يكون المال العام مقدماً على المال الخاص، وبتعبير آخر: أن تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
هذه هي الحكمة التي لو طبقتها أمة فإنها ستسود وإلا فلا يكون أمرهم إلا إلى السفال.
—————-
1. تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان)، ج3، ص: 56.
2. علل الشرائع، ج1، ص: 182.