خلق الله -سبحانه وتعالى- الناس سواسية من حيث نعمة العقل، و سائر القدرات والامكانيات في الحياة، وحاشا لله أن يميز الياباني على الصومالي، او الامريكي على العراقي، وهذا خلاف عدل الخالق، لكنه سبحانه وتعالى وهب الجميع عقلاً كاملاً، إنما هذا التمايز بين الناس في كيفية استغلال العقل، و توجيهه فيما يضمن لهم النجاح والفلاح.
ومن هذا المنطلق فان الله سبحانه وتعالى خلق فرص النجاح للكل، وانما يتبقَ على الانسان أن يسعى ويجهد نفسه للوصول الى الفلاح، ولا يتصور أحد أن النجاح يأتي على طبق من ذهب، او انه يأتي في الوقت الذي يختاره الانسان، فقد أبت سنّة الله في الحياة إلا ان يكون كل شيء بسبب، وبالقانون الالهي الذي رسمه الله، وهذا ما يؤكده الإمام علي، عليه السلام بقوله :”لا أجر إلا بمشقة“.
وفي مجتمعاتنا العربية تزداد ظاهرة التذمر خصوصا عند فئة الشباب، فترى الشاب يترك دراسته الاعدادية أو الثانوية، وحتى أن البعض يشارف على التخرج من الجامعة، لكنه يغادرها، متذرعا بأنه “لا وظائف”، وانه تعب من الدراسة، و “الى متى يدرس ويتعلم بدون أي نتيجة تذكر”؟! حسب زعمه.
صحيح أن الوضع الراهن لا يعطي الفرد حافزا على النجاح، لكن هذا ليس شيئاً حتمياً للفشل، فاذا كانت الحكومة مثلا، لا توفر الوظائف فهل عليَّ أن اترك مقاعد الدراسة؟!
ومن هنا فإن القاء اللومِ والمسؤولية على البيئة والمحيط؛ من العائلة، و مرورا بالمدرسة، والاستاذ، والى آخر القائمة، ليس إلا تبريرا، يريد صاحبه الهروبَ به من تحمل أية مسؤولية، ومن ثمّ القاء تبعات فشله على الآخرين.
لكن اذا التفت الانسان الى نفسه، يجد أن الله –تعالى- قد منحه الكثير من النعم ما لم يمنحها لغيره، فلماذا هو فشل، فيما الآخر نجح، و وصل الى مبتغاه، ومن هذه النعم هي نعمة الفرص، والتي تمثل مطيّة النجاح والفلاح، سواء على المتسوى الدنيوي او الاخروي.
الناجحون في أي مجتمع يكونون ابناء لحظتهم، فهم لا يسوّفوا، بل يعملوا بما يروه مناسبا، بعيداً عن الظروف المحطية به
و التسويف الذي اصبح لصيقا بالبعض، كالتصاق ظله به، باتت من ابزر السمات لدى الكثير، ولذا عندما تسأله: متى تعمل؟ يقول: عندما تتهيأ الظروف!
فما هي الظروف التي يريد تهيأتها؟
هذا هو حال الفاشلين؛ “سوف اعمل”، “سوف أدرس”، وهكذا تسويفات مستمرة، ولا تبرح “سوف” من السنتهم.
لكن في المقابل ترى الناجحين في اي مجتمع يكونون ابناء لحظتهم، فهم لا يسوّفوا، بل يعملون بما يروه مناسبا، بعيداً عن الظروف المحطية به، فاذا كان الجو الاجتماعي والسياسي مشحوناً بالتوتر كأن تكون هنالك تظاهرات واحتجاجات في الشوارع، او قطع للطرقات، او إغلاق للمدارس والجامعات، فانهم لا يتوقفوا عن مسيرة التعليم، بل يجدوا البديل، كالمطالعة، وكتابة البحوث والمقالات، فهم لا ينتظرون انتهاء الازمة حتى تتاح لهم الفرصة للعمل، ومَن يدري؛ ربما تأتي أزمة أشد من الازمة الراهنة.
إن النجاح ليس مكتوباً للياباني، و غير مكتوبٍ للعربي أو الافريقي، فاذا أعمل الانسان عقله بالتفكير الجاد، يسجد أن الفرصة لا زالت أمامه لينجح كما نجح غيره، فما دام الانسان موجودا ويتنفس يعني أن الفرصة لا زالت موجودة للنجاح، سواء في الامور المادية، او المعنوية، فالابواب لم تغلق، يقول أحد العلماء: “ما دام فيك نفس فإن بامكانك أن تنجز”.