لم يكد الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، ينتهي من خطبته المباركة حول شهر رمضان المبارك إلا وانبرى الإمام علي، عليه السلام، وسأله: ما هو أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال، صلى الله عليه وآله: «الورع عن محارم الله»؛ ثم بكى. فقال: يَا رسولَ اللهِ؛ ما يبُكيكَ؟ فقال: «يَا علي؛ أبكي لما يُستَحَلُ منكَ في هذا الشهرِ كأنّي بِكَ وأنتَ تُصلّي لربِّكَ وَقَدْ انبعثَ أشقى الأوَّلينَ والآخرينَ شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمود فضربَكَ ضربةً على قرنِكَ فخضبَ منها لحيتَك…».
نعم؛ ليس من السهل أن تفقد الأمة إماماً وخليفةً وقائداً مثل أمير المؤمنين، عليه السلام، بعد الرسول، صلى الله عليه و آله.
إنها فاجعة عظمى ورزية كبرى. فلا غرابة – أبداَ – أن ينادي سيد الملائكة جبرئيل، عليه السلام، بين السماء والأرض: «تهدمت والله أركان الهدى، وانفصمت والله العروة الوثقى؛ قتل إبن عم المصطفى، قتل علي المرتضى، قتله أشقى الأشقياء».
فـ «الهدى» – الذي جاء به القرآن الكريم بنص قوله تعالى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} في حال كونه {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ} سنخ {الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} الذي يفرق بين الحق والباطل – هذا «الهدى» تهدمت أركانه في فجر اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك من العام 40 للهجرة، عندما أنزل «أشقى الأشقياء، عبد الرحمن بن ملجم المرادي، عليه لعنة الله» سيفه المسموم على رأس الإمام، عليه السلام، و أرداه مضرجاً بدمائه في محراب مسجد الكوفة المعظم.
و«العروة الوثقى» – التي يجب أن تكون «وثقى» على طول الخط ضماناً لصلاح الأمة وفلاحها، والتي لا يحظى بالتمسك بها إلا من كفر بالطاغوت وآمن بالله بنص قوله تعالى:
{فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا} – هذه «العروة الوثقى» انفصمت في فجر ذلك اليوم.
ولعل نداء جبرئيل، عليه السلام، كان يعني – في ما يعني – دفع الأمة إلى الانخراط تحت قيادة الإمام والخليفة من بعده، وهو الإمام الحسن، عليه السلام، والأئمة من بعده وحتى خاتمهم الإمام المهدي المنتظر، عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ لئلا تذهب بها الأهواء إلى الأحزاب والتيارات لقيادتها.
وإذا ربطنا عمل الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، وهو البكاء على مصاب الإمام علي، عليه السلام، حتى قبل وقوعه، بمطلع الخطبة الشريفة وهو: «أيها الناس …»؛ سيتضح لنا جلياًّ كأنه، صلى الله عليه وآله، طلَبَ من الناس – كل الناس ولا المسلمين فحسب – أن يبكوا على هذا المصاب الجلل الذي يحل في هذا الشهر المبارك.
فسلام عليك يا أول مظلوم في الإسلام، المقتول في شهر الصيام.
إبكوا لفقد المظلوم
لم يكد الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، ينتهي من خطبته المباركة حول شهر رمضان المبارك إلا وانبرى الإمام علي، عليه السلام، وسأله: ما هو أفضل …