عيون جائعة لرؤية ابن، وقلب عطش للصبر، و آخر يبحث عن مأوى، تروي قصص الفاجعة، وتنشد أغاني الوطن حسرة، “موطني.. موطني” ما كان موطني؟ موطني عطشٌ للرحمة.
الثورات لا تنبع إلا من السكوت على الظلم لفترة غير معقولة، وعناء مستمر يفقد الإنسان الشعور بمواطنته وحقوقه التي تكفلها له الدولة، فإن الناس منهم الغنيّ ومنهم الفقير ليسوا متساوين، لكن حتما متساوون بالعدالة والقانون الذي يظلل الجميع، فحين ينعدم القانون وتصبح في بلدتك كأسير لا يرى من السماء الا ضوءاً باهتا، ومن الهواء لا يتنفس الا هواءً مسموماً يعيق مسرى الحياة.
واكثر ما يؤثر انعدام القانون واللاعدالة واللامساواة على الشباب فتضيع طاقاتهم في أوج اشراقها، وتتلاشى تلك الطاقة لتصبح بؤساً، وجحيما، و أفكاراً لا تتعدى ”كيف ينتهي يومي”؟، وان انتهى اليوم “كيف سينتهي غدا”؟ انها حقيقة يعيشها الناس البسطاء، الذين لا تظللهم رحمة الأرض، فلزموا الصمت ونظروا لرحمة السماء، بينما يتعدى هذا الوصف ويسرق من العمر الشباب، وهذا ما لا يعوض، فيصبح الانسان وليس لديه ما يخسره، فهو في حرب لا تنتهي ولا يعلم ذنبه ولا ينفع ان يستسلم أو يهاجم، فان كل صرخاته وقوته في فضاء، هنا تبدأ الثورات في نيرانها الهادئة حتى تتعالى النار ولا يمكن ايقافها.
فالثورة صوت عالٍ: “كفى ظلما”، صوتٌ ناطق: “أريد حياة”، “أريد وطن”، فالوطن يضمن الحياة والكرامة ويضمن الكثير من متطلبات الحياة، وهذا ما لا يجده الشاب او الطالب وكل انسان في ظل وطني.
ومن هنا نجد ان الطلبة يعلنون الاضراب ولا يهمهم ان خسروا سنة دراسية، ببساطة ان الخريج لا يجد لشهادته وزناً ويبقى بمصير مجهول يفقد من عمره سنين عديدة، فمنهم من خسر عشر سنوات، ومنهم اكثر، لا يجد فرصة عمل تغنيه عن مد يد العون أو الاتكال على غيره، حتى شهادة الماجستير لا توزن في بلده، فمنهم من عمل بالمجان، ومنهم من عمل بما لا يتناسب مع شهادته. وبعضهم لا زال يبحث عن فرصة بينما يستنزف عمره بلا قوة او حيلة.
فالانسان يسعى لتسخير امكانياته في سبيل بناء الحضارة، وليس في تضييعها في البحث عن عمل او مكان آخر.
وهذا الفارق الذي يشكل ايدي عاملة بغير اماكنها، فحتما من يرى هذا الظلم وهذا المجهول، فالطالب يعلم يقينا ان مصيره وتعبه يواجه مستقبل مظلم، يكون لسان حاله: “افقد سنة افضل مما افقد 10 او 15 او اكثر من العمر”.
وهكذا نجد ان اساس المشكلة هي وضع الانسان المناسب في المكان غير المناسب، فاصبحنا نفزع من الوطن لا نحتمي به.
إن الوعود دائما مجرد مخدرات لا تقتل الفساد، ولا تسفر عن التغيير الإيجابي، ونجد العجز قد تمكن من النظام حتى النخاع لدرجة انه استخدم السلاح لمواجهة من يطالب بحقه، وهذا لن يرتقي لان يصبح أباً لوطن ليحمي الانسان.
ان معظم الاخطاء تستمر لانه لا يوجد من يقف بوجه المخطئ، ويعترض عليه، و يؤشر على خطأه ليصححه، فيتمادى المخطئ ولا ينظر لاخطائه على انها خطأ، فيتلوث فكره ليصبح غيمة سوداء لا تمطر إلا سوءاً وشرا، فمن الضروري الاتحاد والمطالبة بالحق والاشاره للمخطئ بخطأه ليستقيم او يتخلى عن مكانه لانه لا يليق به.
ان الكراسي طالما غدرت باصحابها، والاموال دفعت اصحابها للقبور بذل، بينما عاش الشهيد بمجده ليروي حكاياه ويخلد التأريخ بنهره النقي.
فالارض تخبرنا: لا تخشوا عليه انه بين طبقاتي، هذا الشهيد لا تخشوا ضياعه لم يعد يعاني من حياته البائسة انه هنا بأمان، لا يهدده خطر سوى خوفه وقلقه عليكم الاحياء اخوته في الانسانية.
نريد وطناً يطعمنا الأمان، والطمأنينة، يمنحنا حقوقنا، رجل ينطق بفعل لا بكلام ليملأ الفضاءات فقط، نريد من يخشى السماء لا نريد مصاص دماء.
نريد من يخشى السماء لا مصاص دماء
عيون جائعة لرؤية ابن، وقلب عطش للصبر، و آخر يبحث عن مأوى، تروي قصص الفاجعة، وتنشد أغاني الوطن حسرة، “موطني.. موطني” ما كان موطني؟ موطني …