يبدو أن لا مناص من السفر الى جزر القمر في أيام شهر رمضان المبارك، علماً اننا لن نكون مضطرين للإفطار رغم ان الارخبيل يبعد عنّا آلاف الكيلومترات والقابع في المحيط الهندي في الجزء الشرقي من القارة الافريفية، فالرحلة أثيرية، أي اننا نتوجه بقلوبنا الى هذا البلد الاسلامي والعربي والمنسي أيضاً، وتسليط الضوء على سر قدرة الجماهير هناك على التمييز بين السياسي النزيه والسياسي المراوغ ذي النزعة الديكتاتورية، فقد خرج الرجال والنساء في تظاهرات حاشدة مؤيدة للرئيس الأسبق أحمد عبد الله سامبي، ومنددة بالرئيس الحالي غزالي عثمان الساعي لولاية أخرى في الحكم على رغم الدستور، وهذا ما يفيدنا في العراق وبعض البلاد المأزومة في الشرق الاوسط رجاء النجاة مما نحن فيه.
الشعب القمري، ليس له تاريخ طويل في النضال السياسي، ولا يمتلك ثروات معدنية وموارد مالية وفيرة، وعدد سكانه يتراوح بين ستمائة الى ثمانمائة ألف نسمة، وقد حصلوا على استقلالهم من الاستعمار الفرنسي عام 1975، ولو انه لم يحصّل شيئاً من طابعه العربي وانتمائه الى الاسلام منذ قرون، بيد أن الرائي للحشود الجماهيرية في شوارع العاصمة موروني يخيل اليه ان ثمة تجربة سياسية غنية جعلت الجماهير تحمل رؤية واضحة و دراية كاملة لما تطلب وما يجري حولها.
انها توالي وبإصرار رئيسها الاسبق الذي تصفه وسائل الاعلام بانه أول رئيس جمهورية منتخب تشهده البلاد منذ استقلالها، ليس لانه عالم دين وخريج حوزة علمية، بل لاخلاصه وصدقه وحرصه على شعبه ووطنه، وهذا ما جعله يحقق النجاح في باكورة مشواره السياسي من خلال تأسيس حزب الجبهة الوطنية للعدالة، ثم انتخابه نائباً في البرلمان عام 1996، وبعد عشر سنوات يحوز ثقة جماهيره عام 2006 ويصبح رئيساً لجمهورية جزر القمر.
وفي فترة ولايته دعا العرب والمسلمين للإسهام في تطوير بلاده اقتصادياً، فاتحاً لهم ابواب الاستثمار والعمل في بلاده على قاعدة «فد واستفد» كما جاء في حديث صحفي له مع احدى الفضائيات العربية، وأكد في نفس المقابلة أن لا استجابة من هذه الدول على طلبه، إلا من بعض الدول منها ايران.
شخصية سياسية بهذه المواصفات، ليس كثيراً على الرمزية القيادية، ومن الطبيعي ان تثور الجماهير القمرية لمجرد إصدار أوامر من الرئيس عثمان غزالي بحضر إقامة الأماسي الرمضانية التي تتضمن محاضرات ثقافية يلقيها الرئيس سامبي، ثم إصدار قرار آخر بالإقامة الجبرية، وهو لون منمّق من الاعتقال في ديكتاتوريات العصر الحديث.
ما يجري في جزر القمر، تحقيق التوازن الصعب في الأدوار بين الجماهير والشريحة الواعية بحيث تضيق الفجوة بين الجانبين، ولا يبقى مجالٌ للّوم وإلقاء المسؤولية على الآخر، ولماذا لم تتحرك الجماهير…؟ او لماذا لم يضحّ النخبة المثقفة وعلماء الدين ويتحملوا مسؤولياتهم في محاربة الفساد والفاسدين؟
لكن؛ يبقى السؤال عن كيفية نجاح هذه المعادلة على ارض الواقع؟
ثم هل خَبِر السيد أحمد سامبي نفوس الشعب القمري ومحّص نواياهم ومقاصدهم قبل ان يقدم على أي شيء من مشروعه النهضوي والتنموي؟ بالمقابل؛ هل اتفق الشعب القمري مع هذا القائد، على أن يبادر بتحمل المسؤولية حتى يلتحق به ويتضامن معه؟
القضية بكل بساطة؛ في رغبة الانسان بالعيش حراً كريماً، ثم عزمه واستعداده خوض التحديات لتحقيق هذا الطموح، وهذا ديدن الشعوب الناهضة والمتقدمة في العالم، سواءً تلك التي نهضت وثارت ضد الجهل والاستبداد في اوربا والغرب في القرون الماضية، او التي ثارت في الظلم والديكتاتورية والاستعباد في العالم الثالث.