فکر و تنمیة

معضلات الانتقال للعمل الإلكتروني

يوجد ارتباط وثيق في عصرنا الحالي، بين سوق العمل من جهة، وبين الرقمنة أو العالم الرقمي من جهة أخرى، وهنا في هذا المقال أحاول أن أبيّن المصاعب التي يواجهها الشباب، وهم يعيشون في عالم أصبحت التكنولوجيا والإلكترونيات والخوارزميات تتحكم في نشاطاته المختلفة، فكلنا نعرف بأن العالم الواقعي لم يعد كافيا وحده كي نعيش ونتطور، بل هناك عالم آخر أصبح في موازاة العالم الواقعي، وهو العالم الافتراضي أو الرقمي وبعضهم يسمونه بالعالم الإلكتروني أو التكنولوجي لأنه محكوم بالأدوات والأساليب الإلكترونية.

ما هي المصاعب التي تواجه الشباب في العالم الرقمي؟

 وهل ثمة حاجة فعلية كي يتعلم الشباب مهارات العمل الإلكتروني؟

لا شك أن شبابنا اليوم هم بحاجة إلى أن يتقنوا العمل على الأجهزة الإلكترونية كافة، لأنها تشكّل الركن المهم من العمل في السوق، أو في معظم المهن المتاحة، من هنا يعرف الشباب اليوم أن حركة العمل والإنتاج باتت رهن التكنولوجيا والانترنيت، فليس هناك مجال عمل لا يحتاج إلى الإلكترونيات في مواصلة عمله إلا ما ندر، فمثلا أبسط المحال التجارية صار يستخدم الحاسبات في معالجة التسوق والقضايا الحسابية، بالإضافة إلى ناحية الترويج والتسويق الإلكتروني، وهذا يعني أن على أي شاب يريد الفوز بفرصة عمل أن يتقن العمل على الأجهزة الإلكترونية المختلفة.

⭐ لا شك أن شبابنا اليوم هم بحاجة إلى أن يتقنوا العمل على الأجهزة الإلكترونية كافة، لأنها تشكّل الركن المهم من العمل في السوق، أو في معظم المهن المتاحة

هذه الحاجة باتت من الشروط المفروغ منها، فأينما يذهب الشاب للحصول على فرصة عمل، فإن السؤال الأول الذي يتم توجيهه له، هل تستطيع العمل على الحاسبة، وما هي مهاراتك في هذا الجانب، ناهيك عن اللغات التي يتقنها، وأساليب العمل المتطورة والمهارات التي يمتاز بها، وهذه الأمور كلها تحتاج إلى معرفة وإتقان مسبق من الشاب.

السؤال هنا: لماذا لم تقم الدولة بتوفير المعاهد والمراكز المجانية للشباب، والتي تقدم لهم المعونة والمشورة والخبرات الإلكترونية والمهارات التي تسمح لهم بالدخول في العمل (الرقمي)؟ كذلك لماذا لم ينشط القطاع الخاص في توفير مثل هذه المعاهد، مع العلم هناك مراكز تعود لبعض الأشخاص، أو لبعض الشركات الخاصة، ولكنها تقدم الخبرات المطلوبة للشباب مقابل أثمان عالية جدا لا يستطيع الشاب توفيرها.

فإذا كان الشاب يدخل مجال العمل لأول مرة، ويحتاج إلى المهارات والخبرات الإلكترونية والتكنولوجية، من أين يأتي بالأموال والتكاليف التي تطلبها معاهد ومراكز التطوير التابعة للأفراد أو للشركات الخاصة، لهذا نلاحظ أن معظم خريجي الكليات العلمية والإنسانية على حد سواء، بعد أن ينتهوا من رحلة الدراسة الطويلة والمتعبة، فإنهم لا يحصلون على الخبرات والمهارات التي تساعدهم على دخول العمل.

لذلك نلاحظ أن معظمهم يعتمد على قدراته الذاتية، فيسعى ويحاول الحصول على الخبرات والمهارات – وخصوصا ما يتعلق بالإلكترونيات أو العالم الرقمي – من خلال جهوده ومساعيه الفردية أوز الشخصية، وهذا هو الحل الأمثل في وضع كوضع العراق، أو في ظل الاهمال الذي يتعرض له الشباب، خاصة ما يعانيه الخريجون الجدد من إهمال بعد سنوات التخرج.

ففي نهاية السنة الدراسية تخرّج الجامعات العراقية بمختلف تخصصاتها، عشرات الآلاف من الطلبة، وفي كل المجالات، لكن هذا الكم من الخريجين يجدون أنفسهم أمام فراغ شاسع وواسع من البطالة والضياع، والغريب حقا أن الدولة وحتى القطاع الخاص لا يعبأ بهم، لهذا نلاحظ من أكبر المصاعب التي تواجه الشباب هي مرحلة ما بعد التخرج، وكيف يعثر على فرصة عمل في ظل الإهمال الحكومي والخاص وفي ظل انعدام الخبرات والمهارات.

⭐ الحل الذاتي: وهو منوط بالشاب نفسه، فهو عليه أن يتحرك ذاتيا، وأن يطور مهاراته وخبراته بكل السبل الممكنة، وأن لا يظل جامدا ساكنا في مكانه بانتظار من يطرق عليه الباب كي يمنحه فرصة العمل

هذا الوضع العصيب والمؤسف، يجعل الشاب يعتمد على نفسه بشكل كلي للحصول على المهارات، من خلال مساعيه وبحثه وعلاقاته مع أقرانه أو مع بعض الجهات التي يمكن أن تقدم له ما يفيده في هذا المجال، ولكن الأعداد الكبيرة للخريجين نتيجة التراكم السنوي لهم، يجعل من فرص العمل شحيحة جدا.

ما هي آفاق الحلول الممكنة في ظل الواقع الراهن؟

هناك ثلاثة أنواع من الحلول هي:

الحل الرسمي: وهو يعتمد على الجهد الحكومي وما يمكن أن تقدمه للشباب عموما والخريجين خصوصا، من حيث التدريب في مراكز مهارات وخبرات متخصصة، بالإضافة إلى توفير فرص عمل، خصوصا ما يسمى بالمشاريع الصغيرة التي يمكن للشاب أن يديرها بعد أن يكتسب مهارات إدارية جيدة.

الحل بالقطاع الخاص: وهذا يتطلب الشعور بالمسؤولية تجاه الخريجين وغيرهم من الشباب، فالأثرياء وأصحاب المشاريع الاستثمارية الخاصة، عليهم التفكير في هؤلاء الشباب من وجهة وطنية وإنسانية، صحيح يبحث القطاع الخاص عن الأرباح، لكن يمكن الاستثمار بالشباب أيضا، لذا فالأثرياء عليهم أن يتحملوا جزءا من المسؤولية لتطوير الشباب.

الحل الذاتي: وهو منوط بالشاب نفسه، فهو عليه أن يتحرك ذاتيا، وأن يطور مهاراته وخبراته بكل السبل الممكنة، وأن لا يظل جامدا ساكنا في مكانه بانتظار من يطرق عليه الباب كي يمنحه فرصة العمل، الرزق يجب أن تبحث عنه أنت أولا، ولا يصح التقاعس أو التراخي تجاه هذا الهدف الجوهري.

في الختام، هناك تداخل واضح بين العالم الرقمي وبين طبيعة المهن المعاصرة، فقد دخلت الرقمنة في مجالات الحياة كافة، لاسيما أن العراق يعيش حاليا مرحلة الانتقال الواسع من التعامل القديم في تشغيل الانتاج بمختلف أنواعه، إلى التعامل الإلكتروني الحديث، وهو ما يفرض على الشباب التصدي بنجاح لمهمة الانتقال ومواكبة ما يجري في عالم اليوم. 

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا