ثقافة رسالية

معالم الشخصية الإيمانية (1) الدين مفتاح معرفة الحقائق

سنبدأ في هذه السلسلة من المقالات الثقافية، وهذا المقال باكورتها، ببيان الشخصية الإسلامية، الإيمانية الرسالية، في البدء لابد من بيان بصيرتين أساسيتين:

البصرة الأولى: إذا دخلت مدينة وأردت ان تعرف طبيعتها، فإنك تأخذ خريطة شاملة عن تلك المدينة؛ أين بدء المدينة واين نهايتها، الشوراع الرئيسية فيها، والطرق المؤدية الى المدينة، الاحياء السكنية..، وبعد أن تعرف المدينة بهذه الطريقة، فإنك إذا دخلتها فلن تضيع فيها وستعرف كيف تتحرك فيها، لان الخريطة العامة للمدينة عندك وقد اطلعت عليها.

نحن إذا أردنا معرفة الدِين لابد أن نعرف خريطته، او بتعبير آخر معرفة حقائق الدين بصورة إجمالية؛ ماهو الدين؟ وما هي مسؤوليتنا تجاه؟

وإذا عرفنا الدين مجملا ثم دخلنا في التفاصيل فإن المعرفة الاولية تكون الطريق الى المعرفة التفصيلة، لان الاجمال يعطي فرصة للنظر الى الأحداث بشمولية.

⭐ إذا أردنا أن نعرف الدِين بحقيقته لابد أن نعرف أسماء الله الحسنى؛ وذلك من خلال معرفة حكمة الله، وعلمه، ورحمته، ومعرفة الصفات الحسنى

البصيرة الثانية: ما هو الدِين، حينما خلق هذا الخلق أحسن خلقه، واجرى فيه انظمة موجودة في كل مكان، ومختلف العلوم الموجودة في الأرض؛ كالكيمياء، والفيزياء، وعلم الذرة وغيرها، هذه العلوم تكشف لنا عن بعض الانظمة الحاكمة في الخلق؛ فلو ان عالم فيزياء ذهب الى المريخ، فإن علمه ينفعه في المريخ، لان نظام الخليقة واحد، وكذا إذا ذهب لأي مجرة أخرى في هذا الكون، فمثلا المركبة التي يصنعها الانسان في الأرض، وتعمل بالقوانين الفيزيائية والرياضية الكيماوية الأرض، يمكنها أيضا ان تذهب الى المريخ لتأتي بالتربة من هناك وتعود مما يعني أن القانون واحد، فإله الأرض هو إله السماء.

لعل هذه البصيرة يُعبر عنها في القرآن الكريم بكلمة “الحق”، فربنا يقول: { خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ}، فمن النملة الصغيرة الى المجرة الكبيرة، جميعها يضع لقانون واحد، وهو الحق.

  • كيف نعرف الأنظمة الحاكمة في الكون؟

يقول ـ تعالى ـ: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، الاسماء الحسنى؛ اسماء الله تعالى، الجبار، الرحيم، القدير، الغفور، القادر، المجيب، المنان..، هذه الاسماء وسيلتنا الى معرفة النظام الحاكم في خلق الله ـ تعالى ـ.

حين يوصل الإنسان الى حالة اليأس لموقف معين تأتي الرحمة الإلهية لتمده بالأمل، فالله هو ارحم الراحمين، فالانسان حين يعرف رحمة الله فإنه نظرته الى الحياة تتبدل، لذلك يقول ـ تعالى ـ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، فما يحدث إنما بأمر الله، قالت السيدة زينب، عليها السلام: “ما رأيت إلا جميلا”، بعد كل المصائب التي تعرضت لها؛ من قتل الإمام الحسين، عليه السلام، الى حرق الخيام، والسبي.

إذا أردنا أن نعرف الدِين بحقيقته لابد أن نعرف أسماء الله الحسنى؛ وذلك من خلال معرفة حكمة الله، وعلمه، ورحمته، ومعرفة الصفات الحسنى، هذه الاسماء والصفات تنعكس على احكام الدين، فالله ارحم الراحمين فمثلا من رحمته: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}، فالله ـ تعالى ـ رحيم بعباده، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: ن أبي عبد الله، عليه السلام قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة”، وهذه تعبيرعن بعض اسماء الله، وهي الرحمة.

⭐ من اسماء الله الحكيم؛ فنجد ـ مثلا ـ بعض الاحكام الشرعية وضعت بحكمة ودقة عالية لتتناسب وطبيعة الإنسان

من اسماء الله الحكيم؛ فنجد ـ مثلا ـ بعض الاحكام الشرعية وضعت بحكمة ودقة عالية لتتناسب وطبيعة الإنسان؛ فصلاة الصبح ركعتين، والظهر أربع..، كل هذه وضع لحكم لا نعلمها لكن بلا شك هناك حكمة إلهية.

لذلك نجد في القرآن الكريم بعد أن يذكر حكما، او قصة تاريخية..، يبيّن ـ تعالى ـ اسما من اسمائه الحسنى، وعلى المؤمن المتدبر أن يتلفت لذلك، فيحاول أن يعرف علاقة اسم الله في آخر الآية مع موضوع الآية.

مفتاح معرفة الدين؛ معرفة الله، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام، في أول خطبة في نهج البلاغة: “أول الدين معرفته”، فإذا عرف الانسان اللهَ، عرف كل شيء، وتلك المعرفة تكون بأسمائه الحسنى، وسننه الحاكمة في الكون، ومعرفة الله لا تقتصر على معرفة الدين فقط، بل هي مفتاح لمعرفة حقائق الدنيا.

المؤمن متوسم؛ يعني أنه لديه معرفة بالمستقبل، ويعرف الناس {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}، لانه ينظر بنورالله، ولديه تجلٍ لاسماء الله في قلبه، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “ما اضمر ابن آدم شيء إلا ظهر على قسمات وجهه”، فالانسان إذا أضمر شيئا فإنه يظهره على لسانه.


  • مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا