مناسبات

الانتظار الايجابي

قال الامام الصادق عليه السلام :  “المنتظِر لأمرنا كالمتشحِّط بدمهِ في سبيل الله”

وجاء في رواية أخرى، عن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم:  “أفضلُ جهادِ أمتي انتظار الفرج”

نتحدث بإستمرار عن الفرج، ونلحُّ بالدعاء بتعجيل فرج الإمام الحجة بن الحسن، عليه السلام، وندعو بـ “اللهمَّ عجل لوليك الفرج”.

لكنَّ هناك أسئلة كثيرة تراودنا، تُرى ماالمطلوب منا كمنتظرين؟

ماذا يقصد بالانتظار؟

وهل للإنتظار أنواع  بل كيف يكون الانتظار؟

هل نحن من ينتظر القائم أم هو من ينتظرنا؟

نلاحظ أنَّ هناك فكرةٌ سادت بكثرة في المجتمع، نشأت من فهم خاطئ للأحاديث والروايات، وهي أنه لابدَّ أن نملأ نحن الأرض بالظلم والجور، فيقتل الأخ أخاه،ونقيم الحروب، ونظلم..، لنحقق الأسباب ونعجل بالظهور، هل هذه هي فكرة الانتظار؟

وهل يعْقِل هذه الفكرة عاقل؟

⭐ لا ينبغي أن تيأس الشعوب والأُمم من الفرج في أيّ وقتٍ من الأوقات، فينبغي انتظار الفرج في جميع مراحل الحياة الفردية والاجتماعية، مع عدم السماح لليأس أن يسيطر على القلوب والأرواح

إنَّ معنى النص أن الإمام، عليه السلام، إذا ظهر يملأ الأرض عدلاً، ويكافح الظلم والفساد في المجتمع، حتى يطهِّر المجتمع البشري منه كما امتلأ بالظلم والفساد من قبل .

وإن معنى جملة “تُملأ الأرض ظلماً وجوراً”، أن يكثر الظلم والجور حتى يضج الناس منه، ويفقد الظلم غطاءه الإعلامي الذي يخرجه للناس حسناً، فيبرز للناس في صورته الحقيقية، وتفشل هذه الأنظمة في تحقيق ما تعد الناس به من خير، ويبدأ الناس بعد هذا الإحباط الواسع بالبحث عن النظام الإلهي الذي ينقذهم من هذه الإحباطات، وعن القائد الرباني الذي يأخذ بأيديهم إلى الله تعالى .

  • معنى الفرج:

الفرج لغوياً معناه الشقُّ والفتح، واصطلاحياً يُعنى به أنَه لايوجد طريق مسدودة في مسيرة الإنسان وحياة البشر لايمكن أن يفتح، لذلك فعلى الانسان أن لا ييأس ويحبط، ويجلس ساكناً لاحول له ولاقوة، بل عليه أن يُعدَّ نفسه على الصعيد الشخصي، والله عزوجل أنزل للإنسان أحكاماً في القرآن وفسرها أئمتنا من خلال الروايات، ليسير بها ويعمل، ولتدلَّه على الطريق الصحيح بعد أن زوَّده بالعقل والقوة والقدرة، وأرسل إليه الأنبياء والرسل ومن بعدهم الأئمة الأطهار، وفي زمن الغيبة خطَّ لهم خطَّ التقليد والاجتهاد للأخذ بيده على طريق الله والحق، وأمَّا على صعيد المجتمع، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وأمرنا ـ عزوجل ـ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

  •  أنواع الانتظار:

1ـ الانتظار السلبي :

ربما يعتقد البعض أن انتظار الامام الحجة، عجل الله فرجه، يكون بالجلوس وذرف الدموع، وأن نضع يداً فوق يد ونبقى منتظرين حتّى يحدث أمرٌ ما، يقول الإمام علي، عليه السلام: “الأماني غرور الحمقى”. فالأحمق هو الوحيد الذي ينتظر الانتصار من دون تعب، و هو الوحيد الذي ينتظر المال من دون تعب، وينتظر المجد من دون تعب، وينتظر القوة من دون تعب ومن دون سعي، وهذا أمر لا يمكن.

2ـ الانتظار الايجابي ومعانيه العملية :

لا ينبغي أن تيأس الشعوب والأُمم من الفرج في أيّ وقتٍ من الأوقات، فينبغي انتظار الفرج في جميع مراحل الحياة الفردية والاجتماعية، مع عدم السماح لليأس أن يسيطر على القلوب والأرواح، فلابدَّ من الاعتقاد بالفرج وأنَّه سيتحقق، ولكنَّه مشروط بكونه انتظاراً حقيقياً واقعياً، أساسه العمل والسعي والتحرّك  .

لذلك لا يمكن أن يقبل منّا الله الانتظار بمعنى الاتّكال والتواكل، قال تعالى : {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، ومن الذي سينصره الله،فأجاب الله ـ تعالى ـ بقوله : {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ}

الانتظار عملٌ وتهيّؤٌ وباعثٌ على الاندفاع والحماس في القلب والباطن، وهو نشاطٌ وتحرّكٌ وتجدّدٌ في كلّ المجالات، وهذا هو في الواقع تفسير هذه الآيات القرآنية الكريمة {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.

وقوله تعالى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

معنى الانتظار الايجابي أن نلتزم العدل خطاً وسلوكاً وحركة، فنحوّل كلّ طاقاتنا وإمكاناتنا إلى مشروع عمليّ في الحياة، يطبّق مفاهيم الإسلام وقيمه الأصيلة .

الانتظار يعني أنّه لا بدّ من مجيء يدٍ قادرةٍ مقتدرةٍ ملكوتيّةٍ إلهيّةٍ، تستعين بهؤلاء النّاس الذين أعدُّوا أنفسهم من أجل القضاء على سيطرة الظلم، ومن أجل غلبة الحقّ وحاكمية العدل في حياة البشريّة ورفع راية التوحيد، وهنا تجعل البشر عباداً حقيقيين لله. يجب الإعداد لهذا الأمر، فكلّ إقدامٍ على طريق استقرار العدالة يمثّل خطوةً نحو ذلك الهدف الأسمى. الانتظار يعني هذه الأمور،  الانتظار حركةٌ وليس سكوناً، فالانتظار ليس إهمالاً وقعوداً إلى أن تصلح الأمور بنفسها، الانتظار حركةٌ واستعدادٌ بشكل مستمر وعلى جميع الأصعدة .

الإنتظار ثقافة ومفهوم حضاري يدخل في تكوين عقليتنا وأسلوب تفكيرنا ومنهج حياتنا ورؤيتنا إلى المستقبل، وبشكل فاعل ومؤثر، وله تأثير في رسم الخط السياسي الذي نرسمه لحاضرنا ومستقبلنا،

وللإنتظار عمق حضاري في حياتنا يقرب من ألف وتسعين سنة، لأن الغيبة الصغرى انتهت سنة 923 هـ، وقد مرَّ على هذا التاريخ ألف وثلاث وتسعون سنة تقريباً، وخلال هذا التاريخ دخلت هذه المسألة في صياغة عقليتنا السياسية والحركية بشكل مؤثر، ولو قمنا نظرياً بعملية تجريد لتاريخنا السياسي والحركي عن عامل (الإنتظار) لكان لهذا التاريخ الطويل شأن آخر، والذي يقرأ (دعاء الندبة) الذي يدأب عليه المؤمنون أيام الجمعة يعرف عمق هذه المسألة ونفوذها في نفوس المؤمنين وعقليتهم ومنهجهم في التفكير والحركة.

⭐  إنَّ للإعتقاد بظهور الامام الحجة، عجل الله فرجه، قيمة موضوعية وله أثره الايجابي الفعال في مسيرة الانسان الرسالية

ولذلك فالإنتظار الايجابي يمنح الإنسان بالإضافة إلى الأمل والمقاومة الحركة، والحركة تخصُّ هذا النحو من الإنتظار، فإن الإنسان إذا عرف أن نجاته وخلاصه يتوقفان على حركته وعمله وجهده سوف يبذل لخلاصه ونجاته في عمله من الجهد والحركة ما لا قبل له به من قبل .

  • أثر انتظار الامام الحجة في مسيرتنا الرسالية:

 إنَّ للإعتقاد بظهور الامام الحجة، عجل الله فرجه، قيمة موضوعية وله أثره الايجابي الفعال في مسيرة الانسان الرسالية، لأنها تنفي عنده التشاؤم واليأس وتعطيه الصبر والثبات في الشدائد،بل تشعره بالقوة والأمل،وبحتمية الانتصار الاسلامي، ويعطيه شعور بالرفض لكل ظلم، ومن أيِّ جهة يكون .

وهذا تفسير لكثير من الأحداث على مرِّ الزمان، مع كثير من الشخصيات الاسلامية التي استمدت قوتها وعزمها وارادتها من عقيدة الانتظار .

ولقد تحرّك أئمّتنا جميعاً في هذا الخطّ، من أجل أن تسيطر الحاكميّة الإلهيّة وحاكميّة القانون الإلهيّ على المجتمعات فقد بذلت الكثير من الجهود والجهاد والآلام والمحن والسجون والنفي والاستشهاد المليء بالثمار والعطاء. وأخيراً؛ نحن لا نحتاج إلى عدد من الشعارات ومجرد كلمات لنعبّر عن حبّنا للمهدي، عجل الله فرجه، بل الأساس هو فهم حركة الإمام المهدي ورسالته وأهدافه الّتي هي أهداف الإسلام السامية، والتي هي أهداف كلّ الأديان التي جاءت من أجل صوغ إنسان كامل يرتقي بدوره ومسؤوليّاته في حركة دائبة كادحة نحو الله تعالى.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا