من الأمور الظاهرة للعيان في واقعنا اليوم، تكالب الشباب العراقيين على فرصة التعيين في الدوائر الرسمية التي تعود للدولة، أو في الوظائف التي تكون عائديتها للدولة، والأسباب واضحة ومعروفة حتى للشباب أنفسهم، ومع هذا هم يلهثون ويبحثون عن التعيين في الدوائر الرسمية، رغم أن القطاع الخاص والرزق المفتوح موارده أكثر وأوسع.
لماذا يفضل معظم الشباب التعيين في الدوائر الرسمية، مع أن الراتب أو الأجر الشهري محدود؟
ليس هذا فحسب فهناك مساوئ أخرى تلحقها الوظيفة الرسمية بالشباب، ومن هم أعمار مختلفة، في مقدمة هذه المساوئ؛ إنها تغلق أمامه فرص الابتكار، وتطوير نفسه ومهاراته، وفتح آفاق واسعة لمضاعفة موارده المالية والخبروية.
الشباب حين يبدأ حياته العملية بوظيفة رسمية، سوف يتكئ على ما تمنحه إياه هذه الوظيفة من راتب شهري محدود ومحدد سلفا، كذلك سوف يؤدي عمله الوظيفي بطريقة آلية رتيبة، حيث يخرج للدوام في ساعة محددة ويقضي في الدوام ساعات محددة أيضا، ثم يعود إلى محل سكناه لينام أو يهدر وقته في أمور لا فائدة فيها، كونه ضَمِن الراتب الشهري، و بإمكانه أن يسدد إيجار البيت ومبلغ الكهرباء والماء والإنترنيت والمولدة، ويبقى له مبلغ معروف للطعام والاحتياجات الأخرى وينتهي الأمر، أي أنه يصبح مغلق الآمال والتطلعات في مجال العمل، على الرغم من أن أعظم ما يجعل حياة الإنسان جيدة ومهمة هو العمل.
الغريب حقا هذا الإصرار العجيب لمعظم الشباب على التعيين في دوائر الدولة، مع أن الفرص الكبيرة توجد دائما خارج “الرزق أو المورد الحكومي المحدود”، فالآفاق الواسعة كما يقول أهلنا القدماء والحاضرون، توجد “في الرزق الممدود وليس في الرزق المحدود”، وهذا يعني أهمية أن لا يغلق الشباب على نفسه دائرة التوظيف الحكومي، والتوجه إلى العمل بجدية ومثابرة في فرص القطاع الخاص المختلفة.
⭐ الغريب حقا هذا الإصرار العجيب لمعظم الشباب على التعيين في دوائر الدولة، مع أن الفرص الكبيرة توجد دائما خارج “الرزق أو المورد الحكومي المحدود”، فالآفاق الواسعة كما يقول أهلنا القدماء والحاضرون، توجد “في الرزق الممدود وليس في الرزق المحدود”
لكن ما يشكون منه الشباب -وهذه حقيقة موجودة في الواقع- ضعف القطاع الخاص في العراق، وانحسار الفرص أمام الشباب في هذا القطاع الذي يجب أن يكون حيويا، وفاعلا، ونشيطا، لأن القطاع العام أو قطاع الدولة لا يمكن أن يعوَّل عليه في بناء اقتصاد متين، فقد درسنا في علم الاقتصاد المثالب الكبيرة التي تلقي بظلالها على الاقتصاد بسبب سيطرة الدولة والحكومة عليه، وكل الاقتصادات الناجحة هي المفتوحة على آفاق القطاع الخاص بقوة.
ماذا يفعل الشباب في هذه الحالة كي يتخلصوا من عبء الدولة، ومن خطر الراتب المحدّد، ومن حالة الخوف من المستقبل، حيث يتجه الشباب نحو وظائف الدولة على أمل الراتب التقاعدي الذي يضمن له ولعائلته موردا في المستقبل، وهذا من حق الإنسان، ولكن إذا حصل على عمل جيد و واسع الآفاق ومتعدد وواسع الموارد، فإنه يستطيع أن يعوض “الفلاسين” التي يحصل عليها من الراتب التقاعدي.
ما المطلوب من الشباب لكي يتخلصوا من ضغط الوظيفة الرسمية عليهم؟ ومن هاجس الضمان المستقبلي لهم ولعوائلهم، مع أن الضمان يجب أن توفره الدولة الجيدة لكل مواطن ينتمي إليها ومن كل المراحل العمرية؟
هناك أمور مهمة يجب أن يفكر فيها الشباب وأنا منهم، وحاولت أن أضع ما أفكر فيه تحت واقع التجربة الفعلية، في الحقيقة لقد بذلت جهودا كبيرة لكي أعثر على وظيفة رسمية، مع معرفتي أن ما أقوم به هو الخطأ بعينه، ولكن ذكرت سابقا لماذا يتجه الشباب نحو الوظائف في الدولة، فبسبب المصاريف المتصاعدة حاولت العثور على التوظيف الرسمي لكنني لم أفلح، فاتجهتُ صوب البحث عن عمل في القطاع الخاص يتناسب مع مؤهلاتي. وأحمد الله حمدا كثيرا وكبيرا لأنني حصلت على فرصة العمل في القطاع الخاص، ولكن هذه الفرصة لم تكن بانتظاري، بل أنا الذي بحثت عنها، وطورتُ نفسي في عملي وتجاربي، ومن فضل الله انفتحت أمامي أبواب واسعة، وأستطيع القول إن الله تعالى يعطي الإنسان بقدر سعيه وإخلاصه، لهذا أدعو الشباب من أقراني في العمر والتجربة، أن لا يبقوا محبوسين في دائرة التوظيف الحكومي، وأن يتحركوا في ألف طريق وطريق لكي يعثروا على فرصتهم العملية المفتوحة الآفاق والرزق، فإن الله –تعالى- يقف مع المخلص والجاد والساعي بصدق ومثابرة لتحصيل رزقه وتنوعيه وتطويره، والله تعالى خير الرازقين.