للآن لم يفتح رسالتي، قرأ رسالتي ولم يجب عليها، متصل الآن ولم يرد على مكالمتي، لم يفتح الحالة الخاصة بي على الفيس بوك، لم يعلق على منشوري، لم يضغط اعجاب لمنشور لي، كل هذه التفاصيل واكثر نواجهها في تعاملنا مع العالم الرقمي والتي تشكل بمجملها بواعث قلق لنا يعرف بـ(القلق الرقمي)، وهو ما يؤثر على مستوى صحتنا النفسية التي لا تقل شأن ولا اهمية عن الصحة الجسمانية للانسان لكن الغالبية العظمى من الناس لم تدرك هذه الحقيقة.
- كيف يعرف؟
القلق الرقمي هو: “حالة نفسية وفسيولوجية تحدث نتيجة تظافر عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية تجاه شعور غير سارة، يرتبط عادة بعدم الارتياح والخوف والتوتر من الابتعاد أو الانقطاع عن وسائل الاتصال الحديثة الرقمية عموماً، سواء أكانت شبكة الإنترنت، أوالهواتف المحمولة، أو مواقع التواصل الاجتماعي”.
فتعليق كان ينتظر ولم يحدث او رسالة لم تقرأ او تعليق في احدى منصات التواصل الاجتماعي يعبر عن الاعجاب في شخصية مشهورة او متابعة لبيج مثير للجدل كفيل بأن ينهي علاقة زوجين، او يتسبب بابتعاد قريبين من بعضهما نسباً، والمؤسف ان تفسير السلوكيات الانسانية في هذه المنصات ربما لم يكن واقعياً بل جاء بفعل الغيرة والشك بالطرف الاخر للعلاقة، وهذا بحد ذاته مصدراً كبيراً للقلق المجهد.
⭐ القلق الرقمي هو: “حالة نفسية وفسيولوجية تحدث نتيجة تظافر عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية تجاه شعور غير سارة، يرتبط عادة بعدم الارتياح والخوف والتوتر من الابتعاد أو الانقطاع عن وسائل الاتصال الحديثة الرقمية عموماً
هل توجد علاقة بين ساعات الاستخدام ومستوى القلق الرقمي؟
النتائج على الارض تقول ان هناك علاقة بين قلق الانسان وساعات استخدامه لمواصل التواصل الاجتماعي والانترنت بصورة عامة علاقة طردية، فكلما زاد عدد الساعات الاستخدام كلما زادت اضطرابات النوم وآلام الرأس، والدخول في متاهات واحساس بالضياع وضياع الوقت والهدف وقد يتعبه ضياع المصير مالم ينتبه الانسان الى نفسه ويقنن كل استخداماته وبصورة علمية وموضوعية.
- بين الامس واليوم
في السابق كانت اكثر هموم الانسان وارهاصاته تتجلى توفير ما يبقيه على قيد الحياة بقدر من الكرامة ولعل الاكل، والشرب، والملبس، والتعليم وباقي الجزئيات البسيطة الاخرى، لكن اليوم بفعل التغيير الذي حصل ومن ضمنه حلول التكنلوجيا كضيف ثقيل علينا سيما نحن في العراق بسبب تداعيات المشهد السياسي التي لا تخفي على احد، تحولت بوصلة القلق صوب امور اخرى انا اراها ثانوية وتافه وتعبر بوضوح انحدار في اهتمامات الانسان وانشغالاته.
هذا النوع المستجد من القلق ضرب المنظومة الاجتماعية وتفكك عراها الوثيقة فبعد ان كان الناس يجتمعون على احاديث علمية او مجتمعية من وحي بيئتهم ويقضون اوقات طويلة تزيد من صلتهم ببعضهم، اصبحت المجالس شكلية قابعة تحت سيطرة الانترنت، فما إن يحل عليك احدهم ضيفاً حتى يسألك عن رمز الانترنت ليعود الى منطقة الامان التي افتقدها في مسافة الطرق فقط وهذا بحد ذاته قلق متعب ومرهق نفسياً.
⭐ لمعالجة هذا القلق ينغي على الانسان التعامل مع مصادر القلق ومعالجتها بتقليل ساعات الاستخدام واعطاءه وقت محدد
رغم كل القلق الذي يسببه العالم الرقمي للانسان إلا انه يرفض مغادرته لكون اعتاد عليه وبدون يتسبب له قلقاً آخر، في هذا السياق يقول أستاذ علم النفس بجامعة بوسطن والخبير في دراسة المشاعر الإنسانية (ستيفان هوفمان): “إن البعض قد تنتابهم حالة من القلق عند الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، ويشعرون برغبة ملحة في العودة إليها”.
ويضيف هوفمان: “أن وجود مشاعر سلبية على المدى البعيد تجاه الاستخدام الشخصي لوسائل التواصل الاجتماعي، والفشل في التوقف عن التعلق بها قد يعززان مشاعر الاكتئاب، كما أن الأشخاص الذين يشعرون بخيبة أمل بسبب عدم قدرتهم على الاستغناء عن تلك الوسائل يمكن أن تنتابهم مشاعر الحزن والأسى”.
من الاسباب التي تدفع الكثير من الافراد الى التمسك بوسائل التواصل وعدم الابتعاد عن الاذى الذي تتسبب به هو رغبتهم في متابعة كل ماهو جديد في عوالم الرياضة والموضة والاخبار، وكل ما يتعلق بالعالم بالإضافة الى التواصل مع المحيط البشري القريب والبعيد، بينما يرى اخرون انها اصبحت مصدر رزق لهم فعبرها يسوقون لبضاعتهم ويترزقون منها، كل هذه الاسباب تبدو منطقية ومقبولة اذا مورست بالسياق الطبيعي والابتعاد عما يؤدي الى القلق الرقمي الذي غيب الصحة النفسية للكثير من الناس.
- المعالجة:
لمعالجة هذا القلق ينغي على الانسان التعامل مع مصادر القلق ومعالجتها بتقليل ساعات الاستخدام واعطاءه وقت محدد، ومن المهم ادراك ان هذا العالم هو عالم افتراضي وما يجري فيه لا يطابق الحقيقية، كما يجب ان يجد الانسان الاعذار للآخرين حين يتأخر امر ما كما في الحياة بدلاً الذهاب التفسيرات السلبية التي تبقيه يغلي على نار القلق.