أسوة حسنة

مرحلة الإمام الصادق.. تجديد للفكر الاسلامي وتأصيله

اتسعت حياة الإمام الصادق، عليه السلام، لتشمل مرحلتين من الحكم هما نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، وظهر، عليه السلام، في فترة هي من أصعب وادق الفترات التاريخية، ٨٣ ـ ١٤٨هجرية، وثار في أيامه عمه زيد بن علي بن الحسين، عليهم السلام، سنة ١٢١هـ.

📌 تمتع الإمام الصادق، عليه السلام، بحرية نسبية استثمرها في تدريس مختلف جوانب المعرفة الإسلامية

كما شاهد بداية الدعوة العباسية وظهور جماعة تدعو لآل العباس وتخرج الخلافة من اولاد علي إلى اولاد العباس .

 وبعد أن بدأت فصائل العباسين تتحرك باسم اهل البيت، عليهم السلام، وتدعو إلى الرضا من آل محمد، صلى الله عليه وآله، وخلافة ذرية فاطمة بنت رسول الله، انسحب الإمام الصادق، عليه السلام، من المواجهة المكشوفة، ولم تنطلِ عليه الشعارات التي كان يستخدمها بنو العباس للوصول إلى الحكم  بعد سقوط بني أمية الذين ازداد ظلمهم وعتوهم وارهابهم  وتعاظمت نقمة الامة عليهم.

 عاصر الإمام الصادق، عليه السلام، ابي العباس السفاح، وشطراً من حكم المنصور، بما يقرب من عشر سنوات، انصرف خلالها عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء الأمة علميا وفكريا وعقاىديا واخلاقا، بناءً يضمن سلامة الخط الإسلامي الأصيل على المدى البعيد على الرغم من استمرار الانحرافات السياسية والفكرية في اوساط المجتمع الإسلامي، نتيجة انفتاحه على ثقافات الأمم الأخرى من عادات وتقاليد وعلوم.

  • الامام الصادق عليه السلام وتراثه الفكري

 تمتع الإمام الصادق، عليه السلام، بحرية نسبية استثمرها في تدريس مختلف جوانب المعرفة الإسلامية، ولو درسنا تراثه الفكري فإننا نجد فيه عمق الفلسفة الحجة القاطعة في مسائل العقيدة، ومن شؤون الحياة او طريقة معالجتها للقضايا السياسية التي تنسجم مع معطيات المرحلة.

كان الإمام الصادق، عليه السلام، وهو سادس أئمة اهل البيت، عليهم السلام، استاذ ائمة المذاهب كلها في كل شي لاسيما الفقه، التفسير، الكلام، العربية، وكان، عليه السلام، قمة من القمم الانسانية ومفخرة من مفاخر المسلمين عبر العصور، و كان لهذا الإمام العظيم أدوار مختلفة في حياة الأمة الإسلامية والمسلمين بشكل عام.

  • دوره عليه السلام في تربية الشيعة

 كان، عليه السلام، صاحب المدرسة العلمية الكبرى التي لم يشهد التاريخ الإسلامي مثيلا لها، فقد ضمت بين جنباتها اكثر من أربعة آلاف طالب وتلميذ كلٌ يقول: حدثني جعفر بن محمد الصادق”، فأي عظمة وتربية كانت تاتلف كل هذا الكم الهائل من الطلاب والتلا ميذ من مختلف المشارب والمآرب، ويجب أن ينته إلى قاعده تربوية هي غاية في الأهمية وهي على المربي ان يكون متربياً، ليؤثّر في طلابه وتلاميذه، وإذا لم يكن كذلك فلا يتصدى للتربية لأنه سيفشل، فمن أراد أن يربي الأجيال عليه إن يربي نفسه ليكون قدوة لهم في سلوكه وادبه، واخلاقه وعلمه وفضله وكل شيء فيه.

 ذكر الشيخ المفيد: “ونقل الناس عن الامام الصادق، عليه السلام، من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان”. (الإرشاد، ج٢، ص١٧٩).

 هكذا كان الإمام الصادق، عليه السلام، الذي تربى في حجر ابيه باقر علوم الأنبياء والمرسلين، ومن قبله في حجر جده زين العباد الإمام  السجاد، عليه السلام، وأنعم  بهما، وأكرم من تمامين تربيا على جدهما النبي، صلى الله عليه وآله، وتخلقا بأخلاق القرآن الكريم ايضا.

  •  التعامل التربوي في مجال العلم والتعلم

 اكد الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، على هذه الخطوة التي تقرن العلم والعمل بالأخلاق، لان القاعدة المتينة لتربية المجتمع هي قاعدة الأخلاق والفضائل.

📌 كان، عليه السلام، يجري على تربية أصحابه تربية إسلامية لان لاسلام يمثل الصورة الثقافية، والصورة الواقعية للحجة

 هكذا فعل الإمام الصادق، عليه السلام، بالمدرسة العلمية لاسيما اولئك الكبار  الذين كان يميزهم الإمام، عليه السلام، كحمران بن أعين، ومحمد بن مسلم، وابان بن تغلب ومن كبار التابعين وأصحاب الائمة السجاد والباقر والصادق عليهم السلام.

يروى ان الإمام الباقر، أوصى ولده الامام الصادق، عليهما السلام عندما حضرته الوفاة بأصحابه حيث قال له: “ياجعفر أوصيك باصحابي خيرا.

ربى الإمام لصادق، عليه السلام، أصحابه وشيعته ليكونوا منارات علمية تضي دروب الأجيال عبر العصور والدهور، وهكذا ادبهم بأدبه حتى كانوا مفخرة من مفاخر المسلمين في كل عصورهم ودهورهم إلى اليوم بحمد الله وفضله.

 مَن يدرس الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، يتعجب من تلك الطريقة التربوية الراقية جدا لطلابه وتلاميذه لاسيما النجباء منهم، ليعدهم كقادة وموجهين ومبلغين عنه وعن ابائه الأطهار دين الله ورسالة رب العالمين، وهكذا صنع منهم الإمام الصادق، قدوات  راقية مازلنا نقتدي بهم إلى الآن وناخذ منهم  وعنهم العلم، والادب والاخلاق والفضائل.

 كان، عليه السلام، يجري على تربية أصحابه تربية إسلامية لان لاسلام يمثل الصورة الثقافية، والصورة الواقعية للحجة، لذلك كان الإمام الصادق، عليه السلام، حريصا وشديدا على الاهتمام بالأسئلة والاجوبة.

  • الإمام الصادق عليه السلام وتراثه المعرفي

 أدرك الإمام الصادق، عليه السلام، ان العلم  والمعرفة أنجح وسيلة ليكشف الانسان ذاته، وما يحيط به من الموجودات لمعرفتها والسيطرة عليها، وخصوصا انه قد ورث هذه الصفات عن ابيه الباقر، عليه السلام، الذي تبحر في العلوم حتى لقب الباقر، لانه بقر العلم بقرا، اي شقه شقا وأظهره إظهارا، قدم للإنسانية مدرسة متكاملة راسخة علمية، و متكاملة من  جميع الجوانب، وكانت مدرسته متفتحة أمام الملحدين والزنادقة.

 كان، عليه السلام، قوياً في حجته هادئاً في أسلوبه الانساني، ويرى ان الإسلام هو خط الله الوحيد  في الحياة لا يلغي الاخر، والتزمت مدرسته بالمنهج  العلمي والعطاء، كان يقول: “اطلبوا العلم فأنه السبب بينكم وبين الله” .

 واخيرا؛ يمكن القول إن مرحلة الإمام الصادق، عليه السلام، مرحلة تجديد الفكر الإسلامي وتاصيله، وعلى هذا الأساس يعلن رايه بوجوب الإمامة لأن الإقناع بالدليل والحجة هو ماميز  مدرسة الإمام الصادق، عليه السلام، العلمية.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا