يشهد ويقال وبكل صراحة ووضوح أن بني هاشم الأكارم، وعلى رأسهم أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، وعمَّه العباس لم يُبايعوا المنقلبين، ولم يعترفوا بسلطة قريش رغم كل الإجراءات القمعية والتعسفية والإجرامية بحقهم، والحطب الذي جمَّعوه على بيتهم ليحرقوه عليهم، ولذا كان أول المتصدِّين والثائرين على المنقلبين سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، عليها السلام،، وذلك عندما رأت أن رجال قريش تمادوا على ظلم زوجها وأبناءها وغصبهم حقَّهم الرسالي بالخلافة والقيادة.
📌 امتاز المنهج التربوي عند أهل الرسول، صلى الله عليه وآله، بأنه منهج واقعي ومثالي يستند الى الطبيعة البشرية فلا يبدلها، ولا يعطلها
فخطوط المؤامرة كانت واضحة منذ البداية لذي عينين ولكن القوم عوران، منذ أن طرح الرجل نظريته (حسبنا كتاب الله)، ورفضوا الثقل الثاني (العترة الطاهرة)، وهم لا يرون إلا الخلفاء وأصحاب السلطة لأنهم يؤمنون بـ(الناس على دين ملوكهم)، حتى لو كان فرعون ويقول لهم: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، كما في سيرة النماريد (جمع نمرود)، والفراعين (جمع فرعون)، منذ أقدم العصور، وما هذه الأمة بدعة منهم إذ أنها كانت أشد وأقسى على نبيِّها ورسولها وأهل بيته الأطهار، عليهم السلام،، فقتلوهم تحت كل حجر ومدر ولو أنهم أُمروا بذلك لما زادوا على ما فعلوا.
وقال لهم أمير المؤمنين، عليه السلام، منذ اليوم الأول: “يا معاشر المهاجرين والأنصار، اللَّه اللَّه لا تنسوا عهد نبيّكم إليكم في أمري، ولا تخرجوا سلطان محمّد، صلى اللّه عليه وآله، من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن حقّه ومقامه في الناس”.
فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطّأ الأرض لأبي بكر، وقالت جماعة من الأنصار: “يا أبا الحسن، لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان”.
فقال عليٌّ، عليه السلام: “يا هؤلاء أكنتُ أدع رسول اللَّه مسجّى لا أُواريه وأخرج أُنازع في سلطانه؟ واللَّه ما خفتُ أحداً يسمو له ويُنازعنا أهل البيت فيه، ويستحلّ ما استحللتموه، ولا علمتُ أنّ رسول اللَّه، صلى اللّه عليه وآله، ترك يوم غدير خمّ لأحدٍ حجّة، ولا لقائلٍ مقالاً”.
ولكن مَنْ يسمع، ومَنْ يسمع هل يُطيع، ومَنْ يُطيع هل يستطيع وقد تقاسم القوم التركة، وتعاقدوا وتعاهدوا على الظلم والبغي وكتبوا بينهم كتاباً دفنوه في الكعبة المشرفة في حجة الوداع، ففي رواية عظيمة أن أمير المؤمنين، عليه السلام، قال لهم: “لقد وفيَّتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة: إن قتل الله محمداً أو مات لتزوَّن هذا الأمر عنا أهل البيت.
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها؟
فقال عليه السلام: أنت يا زبير، وأنت يا سلمان، وأنت يا أبا ذر، وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله، صلى الله عليه وآله، يقول ذلك وأنتم تسمعون: إن فلانا وفلانا – حتى عدَّ هؤلاء الخمسة – قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت؟
فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله، صلى الله عليه وآله، يقول ذلك لك: إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي، قلتَ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدتَ عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم، وإن أنتَ لم تجد أعواناً فبايع واحقن دمك، فقال علي، عليه السلام: أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة.
ولهذا روى ابن عبّاس: بعث أبو بكر عمر بن الخطّاب إلى عليّ حين قعد عن بيعته، وقال: ائتني به بأعنف العنف، فلمّا أتاه جرى بينهما كلام فقال عليّ: احلب حلباً لك شطره، واللَّه ما حرصك على إمارته اليوم إلّا ليؤمّرك غداً، وهذا واضح وجلي، وهو الذي حدث فعلاً، ثم أوصلوها إلى شرِّ الخليقة من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن، وصبيان النار المروانية، من الأوزاغ والجبابرة الذين اتخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، وحوَّلوا الحكم إلى ملك عضوض عضَّ الأمة عضَّة كلب ونصب ونهب إلى اليوم لم تخرج منها للأسف الشديد.
- أول ثائرة في هذه الأمة
كانت أول ثائرة في هذه الأمة أعظم امرأة في التاريخ بضعة النبي المصطفى، صلى الله عليه وآله، فاطمة الزهراء، عليها السلام، التي قامت لتُدافع عن حقِّها، وعن حقِّ زوجها وأبنائها بالميراث الرسالي بالخلافة والسلطة والحُكم، لأنها بقية رسول الله فيهم، ووصيته بينهم، وقد سمعوا منه عشرات الأحاديث بحقها وقدسيتها وعظمتها ومكانتها بينهم ولم يخطر على بالِ أحدٌ أنهم بهذه الجرأة والوقاحة والإقدام عليها وعلى بيتها المكرَّم، وحسبت أنها ستصدَّهم عن غيِّهم بنهضتها وقيامها ولكن هيهات أن تفعل ذلك وقد تمكَّن الشيطان منهم، وفرَّخ وعشش في قلوبهم حبه والدنيا الفانية، فجعلوا أول جرائمهم أن تخلصوا منها بقتلها لأنهم سمعوا خليفتهم الحاكم يقول: لا أُكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فأسرعوا بها كما أسرعوا بأبيها ليتوصلوا.
- فاطمة الزهراء، عليها السلام، المسار الحافظ لكرامة المرأة
امتاز المنهج التربوي عند أهل الرسول، صلى الله عليه وآله، بأنه منهج واقعي ومثالي يستند الى الطبيعة البشرية فلايبدلها، ولا يعطلها، فهو نتاج خلجات النفوس والقلوب المتاثرة بالقرآن واخلاق الرسول، وتميز ايضا بتركيزه على دور القيم في التربية، ومنها الإيمان بالله تعالى، والعقاب والثواب، والعلم والحكمة، والاخلاص، والوفاء والصبر، والصدق، والحلم، وسائر صفات الكمال في الشخصية الإسلامية.
📌 تبقى السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، الصرخة التي أرادت ان تقلع الحجر الأساس الذي بني عليه التاريخ يوم السقيفة، وبالتالي أوقف أولادها من اهل بيت النبوة، عليهم السلام، حياتهم لمناصرة المظلومين واحياء الأحكام الإلهية
حث القرآن الكريم المؤمنين وفي مقدمتهم المربين ان يغرسوا قيم الإسلام في نفوس الأجيال اذا أرادوا الخيرلمجتمعهم، لأنها قيم معصومة مصدرها وحي رب العالمين لسيد المرسلين، حيث قال: “إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق”، والزهراء، عليها السلام، والتي عبر الرسول الأكرم بأنها سيدة نساء العالمين، قد شكلت في حياتها سلام الله عليها، اساسا صالحا، وانموذجا فريدا للاقتداء به من قبل النساء المسلمات وحتى الفرد المؤمن، هذه السيدة العظيمة التي عُرف على صغر سنها بأنها ام ابيها وواجهت انواعها عديدة من الآلام والمحن وخصوصا بعد فقد ابيها رسول.
صدقت الرسالة وحفظتها، ودافعت عنها وتجلت مكانتها في زمن أبيها رسول الله، صلى الله عليه وآله، إذ تجاوزت حدود العلاقة الابوية حتى سميت بأم ابيها، وان اموتها تضاف الى الامومة المتعلقة بالرحمة، وهي جزء من إرسال تلك الرسالة فكانت، عليها السلام، كما ارادها السماء مثالا حيا وانموذجا صالحا، وأسوة حسنة يقتدي بها الرجال والنساء، امرأة تماثل فضائلها فضائل ابيها رسول الله، والعترة الطاهرة لأنها امراة ملكوتية روحانية، حقيقة كاملة ونسخة انسانية متكاملة.
اتفقت كتب التفسير والحديث والتاريخ في دراسة الجانب العقائدي المتمثل بسيرتها، عليها السلام، وفي نزول الآيات القرآنية في أهل البيت والسيدة فاطمة، عليهم السلام، كما في قوله ـ تعالى ـ: {اللهُ نُورُ السمواتِ والأرضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمشكَاةٍ فيها مِصباح}، قال الإمام الصادق، عليه السلام، في تفسيرها: “المشكلة فاطمة الزهراء، عليها السلام.
مثلت الزهراء، عليها السلام، موقف الإسلام الصحيح ونظرته تجاه المرأة فموقف الإسلام من المرأة موقف متوازن اعترف لها بكل حقوقها الطبيعية والتشريعية التي منحتها لها السماء كحقها في الحياة، والإنسانية، والكرامة وحقها في الحرية المنضبطة لا الحرية الإباحية التي يروجها الغربيون.
أكدت سيدتنا، عليها السلام، في حياتها على نقطة هامة وهي ان تعتبر المرأة صانعة الأجيال والمربية لهم، فصلاح المرأة صلاح للابناء، وفسادها فسادهم، كما قال الشاعر:
الام مدرسة اذا اعددتها
أعددت شعبا طيب الاعراق
تبقى السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، الصرخة التي أرادت ان تقلع الحجر الأساس الذي بني عليه التاريخ يوم السقيفة، وبالتالي أوقف أولادها من اهل بيت النبوة، عليهم السلام، حياتهم لمناصرة المظلومين واحياء الأحكام الإلهية ولابد من اتباعهم وتجسيد سيرتهم دفاعا عن المحرومين والمستضعفين.
اليوم حينما نطالع صفحات التاريخ الذي عاشه المسلمون ندرك حقيقة واقعية ما استشرفتة السيدة فاطمة، عليها السلام، من مستقبل هذه الأمة الخاطئة وكيف تنبأت بالعواقب التي سوف تحل بالاسلام والمسلمين لانحرافهم عن المسار الحقيقي الذي حدده رسول الله، صلى الله عليه وآله، وقد أنذرتهم بأن مسؤولية غصب الخلافة من أصحابها الشرعيين ستثقل كواهلهم إلى الأبد، وستبقى جباههم مختومة بوصمة العار بسبب خذلانهم، فبعداً لقوم ظلموا أولياء الله الذين يرضى الله لرضاهم ويغضب لغضبهم، لأنها بضعه منه فمن أذاها فقد أذى رسول الله. إذ قال رسول الله: “فاطمة بضعة مني من أذاها فقد اذاني ومن اذاني فقد أذئ الله”.
يمكن القول ان الزهراء، عليها السلام، هي القدوة وهي المثل الاعلى وهي الحل الانساني الأصلح لمشاكل المرأة التي قاستها طوال سنوات البشرية، فلابد ان تكون حاضره في ذهن المرأة المسلمة.