عادةً تكون حفلات التكريم وتقديم الجوائز والهدايا مبعث سرور وارتياح نفسي لاصحابها، وثمة اسباب وراء هذا الشعور، أهمها؛ التوصل الى نتائج ملموسة للانجاز؛ أيّ إنجاز كان، سواءً تمثل في تفوق علمي، او إبداع أدبي، أو مبادرة خيرية وانسانية، حتى وإن كان المحتفى به، انساناً يتسامى على الشهرة والمقابل المادي، ويرجو الأجر المعنوي عند الله –تعالى- فان التكريم يترك أثره الطيب على النفس الانسانية، لاسيما اذا كان هذا التكريم يرمي الى حثّ الآخرين على تكرار التجارب الناجحة للعطاء والابداع.
طبعاً؛ “الامثال تُضرب ولا تقاس”، والفرحة التي تغمر قلب الانسان المؤمن في أول ليلة عيد الفطر السعيد، لا تُقارن أبداً بأية فرحة أخرى يجربها من يستلم جائزة على جهد بذله في اعمال مختلفة، كون الجائزة هنا عظيمة، لعمل عظيم قام به الانسان خلال أيام شهر رمضان المبارك.
ففي هذا الشهر الفضيل لا يُمسك الصائم عن الطعام والشراب وحسب، بل “تصوم جوارحه”، ولعل هذا أصعب بكثير من النوع الأول والظاهري من الصوم، فمن الصعب على البعض التوقف عن الخوض في خصوصيات أخاه المؤمن، أو ان يضع فلتراً شديداً على سمعه من الحديث الباطل، او حتى ما لا يحلّ النظر اليه، فالحياة التي نعيشها مليئة بالمطبّات والمنزلقات لاسباب لسنا بوارد الخوض فيها، وربما القارئ اللبيب يقرأ ما وراء السطور، بوجود تقنية الاتصال المجاني حول العالم، لذا فان الجهد المبذول يعد استثنائياً، وجائزته لن تكون عادية، لانه على مائدة غير عادية ايضاً؛ انها المائدة السماوية العظمى التي تزخر بالغفران والعفو والرحمة.
-
هل العيد يوم واحد؟!
اذا راجعنا الحديث المروي عن أمير المؤمنين، عليه السلام، حول عيد الفطر السعيد، نجد أنه يعد العيد مناسبة للتذكير بمعان ودلالات عميقة في سلوك الانسان طيلة أيام السنة، يقول، عليه السلام: “إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد”.
ولعل هذا الحديث يفسّر لنا حديثاً آخر للنبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: “للصائم فرحتان، فرحة عند الافطار وفرحة عند لقاء ربه”. فهل الفرحة لأجل تمتع الفم بالشراب البارد والطعام اللذيذ على مائدة الافطار، او حتى في صبيحة يوم العيد؟
لا يماري ذو لبّ وبصيرة في أن الفرحة لها ابعاداً في النفس والروح، فهي فرحة لبلوغ مراتب السمو والتكامل خلال أيام الشهر الفضيل، لاسيما اذا شعر الانسان بتغيير في نفسه ينعكس على سلوكه وتعامله مع الناس، وايضاً علاقته بالسماء، فالتقوى التي تعلمها في شهر رمضان المبارك، لها مدخلية في تعامله مع أهله واصدقائه واقربائه، فيتعلم كيفية غضّ البصر عن محارم الله، وان يحفظ لسانه وسمعه عما لا يحل، وما من شأنه انتهاك حرمات الآخرين. وكذلك الحال في خصال حميدة اخرى، مثل؛ العطاء والتكافل والتعاون وغيرها.
وبذلك نكون قد استنسخنا أعياداً متكررة طيلة أيام السنة، نكون فيها مسرورين مطمئني النفس، غير قلقين من شيء، طبعاً؛ القضية نسبية، تعتمد على مدى النجاح في تحقيق هذا الاطمئنان النفسي بالورع عن محارم الله طيلة أيام السنة، كما علمنا ذلك رسول الله، في خطبته الشهيرة في استقبال شهر رمضان المبارك.
-
الحياة مثل الجدار!
السؤال هنا؛ كيف نستطيع ان نجعل سائر أيام السنة أعياداً نحتفل بها ونفرح فيها؟
سماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي يجيب على هذا السؤال في كتابه: “أحاديث رمضانية” بالقول: “إن الحياة مثلها مثل الجدار، يعيد الكرة كلما ألقيت عليه وبنفس القوة والانفعال، والذين يحيطون بنا من أهلينا أو من نعاشرهم في حياتنا، اذا ما ألقينا اليهم بالمودة والمحبة والبُشر والرحمة والإحسان، أعادوا كل ذلك علينا بما يماثله، وربما يزيد عليه، فعند ذلك تصبح حياتنا كلها خير وبركة، أما الذين نبث اليهم الافكار السلبية والعصبيات، وسوء الظن، والكلمات النابية، فاننا يجب أن نتوقع منهم رد الفعل المشابه لفعلنا”.
ولعل من يسأل: فما بال البعض يرد الإحسان بالاساءة او الجفاء؟
بكل بساطة؛ فان صفات المؤمن الحقيقي هي التي تستوعب هذا النوع من التعامل، ومن المعروف أن الناس أصناف ومستويات في الوعي والتربية والثقافة وايضاً في الايمان، ويكون المؤمن الواعي والمتبصر بحقائق الحياة، يقف على طليعتهم متمسكاً بقيمه الدينية والاخلاقية، لا تهزه الكلمات والنظرات والمواقف مهما قست، من صفاته التطلع الى البعيد، والنظر الى عواقب الأمور، ولا تهمه الظواهر وعواجل الأمور، إنما النتائج هي ذات العبرة والمهمة لديه. وهكذا نوع من التعامل هو المحترم من قبل الناس، و ذو تأثير عليهم، ولو بعد حين، وهذا هو السر في خلود الكثير من الناس في الذاكرة وفي القلوب، في حياتهم وبعد مماتهم، حيث الذكر الطيب والترحّم عليهم.