لكون الانسان اجتماعياً في طبيعته فهو بحاجة اساسية الى تكوين العلاقات والتأسيس لها، ولا اعتقد ان احد بمقدوره الاعتزال في صومعته وان وجد مثل هذا النوع فهو ليس سوياً بالتأكيد وللقاعدة شواذ، فالحياة تسير وفق مبدأ (الكل يحتاج الى الكل)، شريطة ان تكون الحاجة متبادلة بين طرفي العلاقة ومن دون الاعتماد الكامل لأحد على أحد او استغلاله.
في وقعنا الآني كل شيء تغير حتى باتت العلاقات الاجتماعية القائمة على الانسانية والاحترام من دون مصلحة أشبه بالغائبة، بعد أن طغت المصلحة على الحياة وجمالياتها وقيمها التي تربينا عليها في ازمنة سابقة، ترى ما الذي حول العلاقات الانسانية الطيبة الى علاقات مصالح؟
وهل للتعقيد الحاصل في جميع تفصيلات الحياة علاقة بتغير شكل العلاقات الاجتماعية؟ وماهي نتائج وانعكاسات علاقات المصلحة على المجتمع؟
في دائرة معارفي الصغيرة لاحظت أن احدهم يختفي اصدقاؤه بين الحين والآخر ليحل محلهم اصدقاء آخرون، وكأنك ترى محطة قطار يدخلها اناس ويخرج منها آخرون، في البداية كنت اظن ان الناس يغيبون بسبب انشغالاتهم لكني صدمت ان الشخص المعني ينهي العلاقات مع الاصدقاء كما يسميهم عندما يشعر انهم لا يقدمون له فائدة مادية، او معنوية، او انهم لم يدعوه الى ولائم او يسهلوا له بعض الامور التي تتعلق بوظائفهم او اماكن عملهم.
📌 هناك من يرتبط بصداقات مصالح مع العديد من الأشخاص ممن يستفيد منهم في تسهيل أموره، فيجامل الآخر ويدعي صداقته وهذا النمط في التعامل أصبح هو السائد حيث باتت العلاقات محكومة بالمصالح فقط
نعم؛ سيدي القارئ الكريم لا تستغرب مما تقرأ فهناك من يرتبط بصداقات مصالح مع العديد من الأشخاص ممن يستفيد منهم في تسهيل أموره، فيجامل الآخر ويدعي صداقته وهذا النمط في التعامل أصبح هو السائد حيث باتت العلاقات محكومة بالمصالح فقط، ولكل علاقة مدة صلاحية تنتهي بعدها العلاقة بعد ان تصبح فاسدة، وبذا يكون التعامل مع البشر وكأنه أيّة سلعة جامدة ليس فيها روح ولا مشاعر ولا أي شيء يدل على الروح الانسانية.
اقولها وفي القلب غصة اننا اليوم اصبحنا نعيش في زمن اغلب الناس فيه تعقد صداقات لمصلحة وتنهيها حين تنتهي هذه المصلحة، وهذا ليس سوء ظن بالناس او سيطرة للسوداوية على افكارنا كما يقول البعض، انما هذا هو الواقع المر فكثير كانت تربطني بهم علاقة مصلحة انتهت بمجرد انتهاء الدراسة، اذ ان الكثير من اصدقائي لم يحاولوا مراسلتي على احدى منصات التواصل الاجتماعي التي لا يمر يوماً دون ان نتصفحها لساعات عديدة.
- ماهي سلبيات العلاقات المصلحية؟
من السلبيات التي تنتج من العلاقات المصلحية انها تؤدي انعدام الثقة والشك بين الافراد كما الجماعات، وهو ما يهدد العلاقات الاجتماعية بعدم الانعقاد اصلاً او بالانهيار بعد كشف الدافع من وراء العلاقات، كما إن هذه العلاقات تهيئ بيئة متصدعة حاضنة للصراع وقد تصبح بيئة محفزة تسمح لدخول الأعداء والمغرضين، من أجل زيادة الفجوة بين الطرفين بعد غياب الثقة وحلول الشك حتى وان كانت النوايا سليمة.
📌 من واجب المؤسسات التربوية بدءاً من البيت والمدرسة وكل المؤسسات الاخرى ان تهيئ الطفل للتعامل مع اقرانه وفق مبدأ الحاجة الانسانية المشروعة لا وفق المصلحة والوقتية البغيضة
ومن الآثار السلبية لعلاقات المصلحة ايضاً انها تُذكي نزعة الانانية لدى الانسان وتبعده عن آدميته عبر البحث عن المصلحة، بغض النظر عن ايّة طريقة يتبع ومن من الناس يكون ضحيته، وبذا غُيبت الاخلاق التي تعتبر الرادع الاول والاقوى الذي يمنع الانسان عن ممارسة الكثير من السلوكيات ذات الرصيد المتدني من الصواب، كذلك تغير نمط المجتمعات من أسرة وأقارب وجيران الى ملايين تسكن مدينة واحدة بدون معرفة أي منهم للآخر نتيجة لهذه العلاقات ذات الاسس غير السليمة.
- مقترحات التصحيح:
في ضوء تبصير المجتمع بأهمية ان تكون العلاقات الانسانية طاهرة وبعيدة عن المصلحة والالتواء وقتل روح الانسانية في المجتمع نوصي بما يلي:
- ضرورة تربية النشء على اتباع المعيار الاخلاقي الانساني في الارتباط بأية صداقات بعيداً عن حساب فائدة او مصلحة، وهذا ديدن العلاقات الانسانية الاصيلة قبل ان تسود العلاقات المصلحية.
- من واجب المؤسسات التربوية بدءاً من البيت والمدرسة وكل المؤسسات الاخرى ان تهيئ الطفل للتعامل مع أقرانه وفق مبدأ الحاجة الانسانية المشروعة لا وفق المصلحة والوقتية البغيضة.
- من الاهمية بمكان أن تشيع ثقافة الحب العطاء بدون مقابل وبدون انتظار عائد مادي، وهو ما يؤدي بالضرورة الى تكوين علاقات انسانية نظيفة ومتوازنة.
- لنتفق ان المال والسلطة من احد دوافع البشر للتطور لكن يجب ان نتبع طرق شرعية في الوصول اليهما، وليس على ظهور البشر حتى لا تعم الفردية والانانية الضيقة وتدمر اخلاقيات المجتمع وتهدد ترابطه، وبذا يكون المجتمع مادياً بحتاً وهذا اكثر ما نخشى استمراره وتوسع دائرته.