{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. الصوم، إحدى الدعائم الكبرى التي يرتكز عليها الاسلام، وهو إحدى الفرائض التي فرضها الله -تعالى- على عباده لتهذب نفوس المؤمنين وتسمو بها نفوسهم، وتتطهّر، وتطمئن بها قلوبهم، وتطيب وتزكو بها اعمالهم.
وقال الله -تعالى- في محكم كتابه العزيز {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، و {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}.
تشير الآيات المباركة أعلاه، الى فلسفة تشريع الصوم؛ فهو و إن كان نوعاً من التشديد والتضييق، إلا انه يعود بفوائد نفسية و بدنية على الصائم نفسه.
و هذه الآيات إشارة الى أن الاوامر الالهية ليست كأوامر الحاكم الظالم، إذ فيها شيء من الترخيص والمراعاة. لذلك رفع تكليف الصوم عن المريض والمسافر والضعيف.
-
لماذا الصوم؟!
الانسان الذي ينشأ في مجتمع معين لابد أن يتأثر بمقاييس ذلك المجتمع من حيث يشعر او لا يشعر، لذا وبما أن فطرة الانسان فرضت عليه صفة التساؤل والاحتجاج والفضول، فهو بلا شك يروم الى معرفة ماهية الاسباب التي تجعله يؤدي فرضاً كهذا، بغض النظر عن كونه فرضاً واجب العمل به.
واليك عزيزي القارئ بعضاً من فوائد الصوم على الصعيد التربوي والنفسي والصحي والجسدي :
-
أولا: الآثار التربوية والنفسية للصوم
من فوائد الصوم الهامة؛ تقوية إرادة الانسان، وعزمه وتعويده على الصبر والتحمل، و إدراكه لمفهوم المساواة بين أفراد المجتمع، فربما يمكن إشعار الاغنياء بما يعانيه الفقراء عن طريق الخطاب المسموع او المكتوب، لكن المسألة تختلف حين يكون التحسس ذا طابع حسيّ، حيث يكون له التأثير الاقوى والافضل.
وغالبا ما نجد بعض الصائمين خلال ساعات الصيام، ينفعل وتثور أعصابه لاسباب ربما تكون تفاهة، وتراه غير قادر على السيطرة على أعصابه، وقد غلبه الجزع، والتشتت الذهني، والضجر، وهذا ليس المُراد من الصوم.
الصائم في كلتا الحالتين يعمل بالفريضة، بيد أن هنالك فرقاً جليّاً بين العامل حبّاً بالعمل، والعامل كارهاً ومُكرها به.
ربما لا يكون مكرهاً بالفعل، ولا يقصد أن يظهر شعور الكراهية، إنما ردود افعاله في تعامله اليومي يُظهر ذلك.
فمثل الانسان في ذلك، كشجرة تعيش الى جوار نهر وفير المياه، ما أن ينقطع عنها الماء حتى تراها ذبلت و اصفر لونها.
أما الاشجار التي تنبت بين الصخور، وفي الصحارى المُقفرة، وتتعرض الى موجات من الرياح العاتية، وحرارة الشمس الحارقة في حين، و برودة الجو القارصة في حين آخر، فإنها تكون اشجاراً قوية وصلبة ومقاومة.
والصوم له مثل هذا التأثير على الانسان، بحيث يمنحه القدرة على التحمّل ومواجهة الصعاب، من خلال ساعات الصيام، والضغوط التي يتحملها، فتتقوى عنده الارادة، وعزيمة الكفاح بما يبعث في نفسه النور والصفاء، بعد أن كان مكبلاً بغرائزه الجامحة.
إن شهر رمضان يثبت علمياً أن الانسان بامكانه أن لا يكون ذلك الأسير بين المعلف والمنام! إنما هو ذلك المسيطر والمتحكم برغباته وأهوائه وشهواته.
-
ثانياً: الآثار الصحية للصوم
للإمساك عن الطعام والشراب في الطب القديم والحديث أهمية ثابتة في علاج انواع الامراض، وعادة ما تشير البحوث الطبية الى هذه المسالة، لأن الاسراف في تناول الأطعمة المختلفة يعد عاملاً ومسبباً للكثير من الامراض.
فالمواد الغذائية الزائدة تتراكم في الجسم على هيئة مواد دهنية، وتدخل هي والمواد السكرية في الدم، وهذه المواد الزائدة تمثل بيئة صالحة لنمو أنواع الميكروبات الامراض والمشاكل الصحية، وفي هذه الحالة يكون الإمساك أفضل طريق لمكافحة هذه الأمراض.
ثم إن الصوم يحرق الفضلات المتراكمة في الجسم، وهو في الواقع عملية تطهير شاملة للبدن، إضافة الى أنه استراحة مناسبة للجهاز الهضمي، وهذه الاستراحة ضرورية لهذا الجهاز الحساس والمنهمك في العمل طوال ايام السنة.
العالم الروسي؛ الكسي سوفورين يقول في كتابه: «الصوم سبيل ناجح في علاج أمراض فقر الدم، وضعف الأمعاء، والالتهابات البسيطة والمزمنة، والدمامل الداخلية والخارجية، والسِل، والروماتيزم، والنقرس، والاستسقاء، وعرق النسا، والخزاز (تناثر الجلد)، وامراض العين، ومرض السكري، و امراض الكُلية والكبد والأمراض الأخرى».
إذن؛ الصيام يحافظ على صحة الجسم ويحفظ طاقات البدن من الإسراف ويعطي أجهزة الجسم فترة للاستراحة واستعادة النشاط وهو علاج للكثير من الامراض الجسدية والعصبية.
عن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، انه قال: «صوموا تصحّوا».
أثبتت البحوث والدراسات العلمية أن امتناع الصائم عن الاكل والشرب طوال ساعات النهار، يعطي فرصة لأغشية الجهاز الهضمي لأن تتقوى، اضافة الى ذلك يتخلص الجسم من السموم المتراكمة في الخلايا المريضة، او التالفة، او الهرمة، و مع تناول وجبة الافطار يتجدد بناء هذه الخلايا وعملها بخلايا جديدة تعطي الجسم صحة وقوة ونشاطاً وحيوية.
زيادة تدفق الدم في الاوعية، وزيادة نسبة الاوكسجين الواصلة الى الخلايا عبر الدم، ومن ثمّ؛ ازدياد حيوية الخلايا وعملها بشكل صحيح، والتخلص من تصلب الشرايين، والوقوف امام الشيخوخة، وغيرها كثير؛ من الفوائد الصحية لمن يلتزم بفريضة الصيام.
ان الطب الحديث لا يعد الصيام مجرد عملية إرادية يجوز للإنسان ممارستها أو الامتناع عنها، بل انه بعد الدراسات العلمية والابحاث الدقيقة على جسم الانسان، ووظائفه الفسيولوجية، أثبتت أن الصيام ظاهرة طبيعية يجب على جسم الانسان المرور بها، حتى يتمكن من أداء وظائفه الحيوية بكفاءة، وأنه ضروري جداً لصحة الانسان تماماً، كالأكل والتنفس والحركة والنوم، وكما يعاني الانسان من أعراض مرضية اذا حُرم من النوم أو الطعام لفترات طويلة، فانه كذلك لابد أن يصاب باضرار بدنية لو امتنع عن الصيام، وأكد ذلك حديث الرسول، صلى الله عليه وآله، الذي هو بمثابة وصية لنا:
«صوموا تصحّوا».