وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعتبارهما من الفرائض والواجبات الرئيسية في الشريعة، يجعل المسلمين، كل المسلمين – لو عملوا بهذا الواجب دعاةً الى الله، والى أحكام الله، ودين الله، وشرائع الله.
وبالطبع لا يكون كل أفراد المجتمع كذلك، وإنما تقوم فئة مخلصة لله بهذه الوظيفة الاجتماعية حيث يجعلون من أنفسهم مصاديق لهذه الآية الكريمة: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (سورة آل عمران، الآية:104).
ولكن هل يكفي أن يدّعي الإنسان أنه داعية الى الله تعالى لكي يكون كذلك؟
بالطبع لا… فإنَّ الداعي الى الله يبنغي – بعد أن يزعم أنه كذلك -:
أولاً: أن يعرف ما يدعو اليه، أو ما يريد الدعوة اليه. فكيف يأمر بالمعروف من لا يدري ما هو المعروف؟ وكيف ينهى عن المنكر من لا يعرف مصاديق المنكر؟
وبعبارة أخرى، من يكون داعياً الى الخير، فلا بد أن يعرف الخير ومصاديقه، كما عليه أن يعرف الشر وكل مفرداته، لكي يميز بين الخير والشر، فيدعو للأول ويتجنّب وينهى عن الثاني.
ثانياً: أن يكون معتقداً ومؤمناً بما يدعو اليه، فليست الدعوة الى الله ـ تعالى ـ مجرد شعار، إذ الشعار لا يغيِّر الناس ولا يقتحم القلوب، إنما الدعوة النابعة من الايمان الصادق والتمسك بمفردات الخير ومصاديق المعروف هي التي تؤتي ثمارها، ويكون التوفيق حليف الداعي في نشاطه الايماني الرسالي.
📌 على الداعية أن يكون قدوة في الخير، وقدوة في تطبيق المعروف، وقدوة في ترك المنكر، عندها يكون لكلامه ودعوته وقعٌ معجزيٌّ في النفوس
ثالثاً: أن يطبِّق ما يدعو اليه في حياته. أرأيت طبيباً ينهى مرضاه عن التدخين بينما هو يقترف ذلك، فهل يحق له أن يتوقع التأثير لكلامه في الآخرين بينما هو لا يطبقه؟
وأرأيت قسّيساً يتظاهر بالرهبنة واعتزال الحياة المادية والعزوف عن الزواج تعبيراً عن الزهد، بينما يتحرش جنسيا بالأطفال، فهل هذا اسلوب سليم؟
على الداعية أن يكون قدوة في الخير، وقدوة في تطبيق المعروف، وقدوة في ترك المنكر، عندها يكون لكلامه ودعوته وقعٌ معجزيٌّ في النفوس.
وربما كان الدعاة الى الله تعالى هم المخاطَبون بالدرجة الاولى بالآية الكريمة: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. (سورة البقرة، الاية:44). فهذا تناقض بيّن أن تدعو الى أمرٍ ايجابي بينما تنسى نفسك أن تطبق ذلك.
هذا التناقض يرفضه الدين، وقد يُعدّ نوعاً من النفاق أن تقول ما لا تفعل، ولذلك فإن الله ـ تعالى ـ يستنكر هذا السلوك من المؤمن حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}.( سورة الصف، آية: 3).
ثم لكي لا تعتبر هذا السلوك مجرد سلوك سلبي من النوع الخفيف، يقول الله ـ تعالى ـ مؤكداً على مدى سلبيّة هذا السلوك: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.( سورة الصف، آية: 3).
إذن، من الواجب على كل داعية أن يلتفت الى نفسه وسلوكه وأخلاقه وكلامه.. فإلى جانب الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عليه أنْ يربّي نفسه ويزكيها ولكي يكون قدوة حقيقية، يدعو الناس ليس بقوله فقط بل وبفعله أيضاً وهو الأهم. فالداعية الى الله، قدوة عملية قبل أن يكون لساناً ينطق بالحق فقط دون أن يطبقه.