عرّف الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، ولده للشيعة، واخبرهم بخبر ولادته، واطعمهم من خيراته وعقيقته واشهد على ذلك أربعين منهم، وكتب لبعضهم وفي كل ذلك يامرهم بالكتمان لسره وأمره لانه سر من أسرار الغيب الإلهية، وأمره بيد الله حيث ادخره لنفسه والاتمام أمره ورسالته وإقامة دولة الحق في هذه الدنيا، عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه.
وبدأ الإمام العسكري، عليه السلام، بعدد من الخطوات وهي بمجملها ترتبط بمسألة الوكالة والوكلاء التي اعتمدها والده الإمام الهادي، عليه السلام، فكان نظام الخاصة هو المعتمد في الغيبة الصغرى والتي استمرت حوالي سبعين عاما، وتعاقب فيها أربعة وكلاء معروفين، ثم بدأت فترة الغيبة الكبرى والتي استمرت الى اليوم وإلى ما شاء الله ـ تعالى ـ.
ففي رواية محمد بن اسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنين قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن، عليه السلام، بسر من رأى وبين يديه جماعة من اوليائه وشيعته، حتى دخل عليه بدر خادمه.
فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن، في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الإمام الحسن، عليه السلام لبدر: فامض فاتينا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثا إلا يسيرا حتى دخل عثمان.
فقال له سيدنا أبو محمد، عليه السلام: امضِ ياعثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء اليمنيين ماحملوه من المال.
ثم ساق الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا باجمعنا: ياسيدنا والله ان عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك وانه وكيلك وثقتك على مال الله، قال: نعم، واشهدوا على عثمان بن سعيد العمري وكيلي وان ابنه محمدا وكيل ابني مهديكم”.
هذا النظام الراقي بهذا البيان المحكم من الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، أوضح للامة الإسلامية معالم القيادة الربانية فيها، ولم يتركهم هملا كما يدعي الاخرون من اتباع الحكام والطغاة الظالمين، فاعداد الأمة المؤمنة بالامام المهدي، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه الشريف، لتقبل هذه الغيبة التي تتضمن انفصالا للامة عن الإمام بحسب الظاهر وعدم إمكان ارتباطها به وإحساسها بالضياع والحرمان من أهم عنصر كانت تعتمد عليه وترجع إليه في قضاياها ومشكلاتها الفردية والاجتماعية.
فقد كان الإمام، عليه السلام، حصنا منيعا يذود عن أصحابه ويقوم بتلبية حاجاتهم الفكرية والروحية المادية في كثير من الأحيان، فهنا صدمة نفسية وإيمانية بالرغم من أن الإيمان بالغيب يشكل عنصراً من عناصر الإيمان المصطلح، لان المؤمنين كانوا قد اعتادوا على الارتباط المباشر بالامام، عليه السلام، ولو في السجن او من وراء حجاب وكانوا يشعرون بحضوره وتواجده بين ظهرانيهم ويحسون بتفاعله معهم، والان يراد لهم ان يبقى هذا الإمام حيا وفاعلا وقويا بينما لايجدون الإمام في متناول ايديهم وقريبا منهم بحيث يستطيعون الارتباط به متى شاءوا.
📌 إن فكرة إرجاع الأمة إلى الفقهاء العدول هوفي الحقيقة ضرورة، لان الأجيال المسلمة تحتاج باستمرار إلى المرشد والموجه والمفكر المدبر
ولتخفيف تلك الصدمة هيأهم الإمام الهادي اولا، ثم الإمام العسكري، عليهما السلام، لتلك الفترة العصيبة الغير معهودة، فاعدوهم الاعداد الديني والعقائدي والثقافي الفكري بتقوية عقائدهم باصل الإمامة، كما اعدوهم الاعداد النفسي و الروحي بوجود القيادة الشرعية التي تكون صلة الوصل بين الأمة والإمام، عليه السلام.
وكان يؤكد الإمام العسكري، عليه السلام، على مبدأ الإيمان بأصل الإمامة والولاية المرتبطة بالغيب وشجع شيعته على الثبات والصبر وانتظار الفرج، وحدّث الحسن بن محمد بن صالح البزاز قائلا: سمعت الحسن بن علي العسكري، عليهما السلام، يقول: أن ابني هو القائم من بعدي وهو الذي يجري فيه سنن الأنبياء بالتعميروالغيبة حتى تقسوا القلوب لطول الأمد فلا يثبت على القول به إلا من كتب الله عز وجل في قلبه الإيمان وأيده بروح منه”.
لابد للأمة من قيادة شرعية، كما نعتقد ونومن، وهنا كان الإبداع الولائي بتفويض الأمر إلى الوكلاء العاملين، فالائمة عليهم السلام، هم الذين امروا الشيعة بالرجوع إلى العلماء الفقهاء العدول من اتباعهم، عليهم السلام، واعطاهم الإمام الصادق، عليه السلام، صبغته التشريعية بقوله: “ينظر من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا، فليرضوابه حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما استخف بحكم الله وعلينا رده، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله”.
إن فكرة إرجاع الأمة إلى الفقهاء العدول هو في الحقيقة ضرورة، لان الأجيال المسلمة تحتاج باستمرار إلى المرشد والموجه والمفكر المدبر، كي يعطيهم تعاليم دينهم ويرتفع بمستوى إيمانهم وعقيدتهم ويشرح لهم إسلامهم ويوجههم في سلوكهم إلى العدل والصلاح ورضا الله ـ عز وجل ـ.
اخيراً؛ هكذا كان الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، يهيء الأمة قولا وفعلا لعصر الغيبة، فيُروى انه احتجب عن الشيعة عندما ازدادت الضغوط السياسية عليهم، ويبقى الإمام العسكري، عليه السلام، هو الذي قطع للأمة بوجوب الرجوع إلى الفقهاء العدول وتقليدهم واخذ معالم دينهم عنهم ماجاء عنه، عليه السلام الصحيح: “فإما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه”.
📌 بدأ الإمام العسكري، عليه السلام، بعدد من الخطوات وهي بمجملها ترتبط بمسألة الوكالة والوكلاء التي اعتمدها والده الإمام الهادي، عليه السلام
كان الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، قد أنشأ مدرسة لميعة لها الدور الأكبر في حفظ تراث اهل البيت الرسالي ومبادئ الإسلام اولا، ومن ثم كان لها الأثر الكبير في في نشر فكرة الغيبة وتهياة الذهنية العامة لتقبلها ثانيا، كما كان لها مساهمة فعالة في توجيه شيعة الإمام، عليه السلام، بالرجوع إلى الفقهاء الذين هم حصن الإسلام الواقي للمسلمين من الاعداء ثالثا.
وها نحن نعيش في ظل الغيبة الكبرى، وننتظر صاحب الطلة البهية والغرة المحمدية، ونتلمس الآثار الايجابية لتلك المدرسة التي رعاها الإمام العسكري، عليه السلام، وعززها في تعليمه ووصاياه والتي تتمثل في التزام الشيعة، واتباع اهل البيت، عليهم السلام، بخط المرجعية المباركة.
واسال الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعلنا من المؤمنين المنتظرين لظهور سيدنا ومولانا وهادينا ومهدينا، وان يعجل فرجه.