تربیة و تعلیم

السيدة الزهراء.. القدوة المثلى لسعادة البيت الزوجي*

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

هل أنت بحاجة الى وفرة من المال لتسعد حياتك الزوجية؟

هل نحن بحاجة الى الزواج كي نسعد في هذه الحياة؟

هل الزواج ينمع من التطور والتقدم والتعلم وتحقيق الطموحات؟

بالرغم من أن حياة أمير المؤمنين، عليه السلام، لم تدم مع السيدة الزهراء، عليها السلام، تحت سقف الزوجية سوى ثمانية أعوام فقط، إلا أن حياة فاطمة وسيرتها لا تكفي فقط لبناء حياة سعيدة في الدنيا، بل يتمد ذلك الى الدار الآخرة أيضا، فنحن بإمكاننا أن نبني الحضارة بسيرة الزهراء وكلماتها، فحديث فاطمة: “الجار ثم الدار”، لو أنه طُبق ثقافيا في أي أمة فإن بإمكانه أن يبني الحضارة، ومتى ما تخلت الأمة الاسلامية عن هذه الثقافة فإنها تتقهقر وتتراجع. فالأمة تراجعت حينما اصبح الدار ثم الجار، وحين غلبت المصلحة الخاصة قبل المصلحة العامة.

دخلت امرأة على أبي عبد الله، الصادق عليه السلام فقالت: أصلحك الله إني امرأة متبتلة فقال: وما التبتل عندك؟

قالت: لا أتزوج، قال: ولم؟

 قالت: ألتمس بذلك الفضل، فقال: انصرفي فلو كان ذلك فضلا لكانت فاطمة،عليها السلام، أحق به منك إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل.

هناك صفحات عراقية تمولها بعض السفارات وملحقياتها الثقافية، تهدف الى هدم الأسر بكل الوسائل

الائمة الطاهرين، عليهم السلام، جعلوا من سيرة فاطمة محوراً في كلامهم، ونحن أيضا لابد أن تكون تلك السيرة العطرة للزهراء محورا اساسيا في حياتنا، فحياة فاطمة مرجعية ثقافية وفكرية يستطيع الإنسان ـ سواء المتزوج أو المقدم على الزواج ـ أن يثق بها، لأن هذه المعادلة لا تخطئ، بل وتوصل الإنسان الى نتيجة.

هناك كتب كثيرة في الحياة الزوجية، وهناك العشرات وربما أكثر من ذلك من نظّروا في هذا الجانب، لكنها لا توصل الى الى نتيجة.

ومع الاسف فإن نسبة الطلاق في العراق وصلت الى أربع وثلاثين بالمئة، وفي بعض البلدن الاسلامية وصلت الى تسعة واربعين بالمئة، فالمحاكم تعج بقضايا الخلافات الزوجية.

وانطلاقا من ذلك، سيكون الكلام في محورين:

المحورالاول: هل ان الزواج ضرورة في القرن الواحد والعشرين؟

المحور الثاني: الاسس التي يمكن الاستناد اليها في بناء علاقة زوجية مستدامة وسعيدة.

خطر الحرب الثقافية على أمتنا

هناك حركة خبيثة تدب في امتنا الاسلامية كدبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، هذه الحركة تسعى الى رسم صورة سيئة و سوداء عن الحياة الزوجية.

هذه الحركات تتكون، من العلمانية والنَسَويّة الراديكالية، والحركات الجندرية ( وهي التي تدعي الى الفصل التام بين الرجل والمرأة)، بدأوا ينشرون صوراً قاتمة وسئية عن الحياة الزوجية، حتى اصبح البعض من الناس لا يفكر بالزواج.

وللأسف الشديد استطاع هؤلاء أن يؤثروا في مجتمعاتنا، وكان تركيزهم على الإناث بشكل أكبر، فالتأثير في النساء يسهل عليهم تفكيك المجتمع بسهوله، لأن الاسرة هي الحصن الأخير الذي يحاولون استهدافه لأن به قوام المجتمع.

فعلى سبيل المثال فإن صاحبة كتاب (الجنس الآخر) تتوجه الى ضرب مسألة الزوجية، لأن الزواج ـ على رأي الكاتبة ـ بالنسبة للمرأة سجن، ويقتل الطموح والمستقبل عندها!

الحرب الثقافية تؤثر تدريجيا ونتائجها لا تظهر سريعا، فالصين ـ مثلا  ـ حينما اتخذت قرار لانجاب طفل واحد لكل اسرة، هذا القرار لم يكن في حينه خطأ في نظرهم، لكن بعد مرور عشرين سنة تبين خطأوهم حينما رأوا ان المجتمع يتجه نحو الشيخوخة، وكانت تلك ثقافة خاطئة من الصعوبة تغييرها بسهولة، وهذه الحالة شاعت في بعض الدول الإسلامية، وعندما أحسوا بخطئها عانوا كثيرا في ارجاع الناس الى الحالة السابقة.

اليوم تُطلق شعارات من بعض النساء؛ من قبيل: أنا اريد أثبت وجودي، واريد أعيش حياتي، أنتِ قوية.. وما اشبه، وهذه الشعارات لا يراد منها اثبات وجود المرأة في الأسرة، وفي بناء جيل من الصالحين، والعلماء، وجيل ممن يقدمون خدماتهم للمجتمع، لكن يراد من تلك الشعارات هدم الأسرة ـ فمثلا ـ “أنتِ قوية” يعني أن على المرأة أن لا تطيع زوجها. وهذا هو ما يفكك الأسر، وبنظرة الى المحاكم نرى النزاعات والصراعات المختلفة بين الزوجين، وهذا هو نتاج الثقافة الخاطئة.

وتنظّر تلك الحركات أن الاولوية للمرأة، ليس الزواج ولا الانجاب، ولا الأمومة، وإنما اولويات المرأة ـ في نظرهم ـ هي  التاءات الثلاث؛ تاء التعلم، تاء التكسب، تاء التحرير.

يذهب بعض الشباب اليوم الى خطبة البنت، فيقول اهلها: حاليا لن تتزوج إلا بعد التخرج، فالتعلم عندهم أصبح أولوية بدلا عن الزواج، وهناك بنات ـ وللأسف الشديد ـ يردن الزواج لكن أهلهن يرفضون بحجة إكمال الدراسة.

اصبحت الدراسة وغيرها عن البعض أولوية، وهذا يعد تغيير في القيم والمعايير والثقافة، وهذا يؤول الى العنوسة، والطلاق وما اشبه من المشاكل الأسرية المعقدة.

بينما ينظر الاسلام الى الحياة الزوجية على أنها شيء مقدس، يقول الله ـ تعالى ـ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، اللباس يقي الانسان الحرّ والبر، وكذلك الزواج حصن يقي شره الجنس الذي ينتهي، ففي الدول الغربية بدأوا بتبديل الازواج، ثم الشذوذ الجنسي، ثم البيدوفيليا (وهو انجذاب الجنس تجاه الاطفال)، وما اشبه ولم ينتهوا عند حد معين من الجنس! لكن القرآن الكريم، يقول: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}، فهناك كرامة متبادلة.

حينما أعتبر الإسلام أن: “جهاد المرأة حسن التبعل”، ليس لاجل الرجل، أو أن الاسلام دين ذكوري، أو أنه فضل الرجل على المرأة، وإنما من أجل المجتمع

هناك صفحات عراقية تمولها بعض السفارات وملحقياتها الثقافية، تهدف الى هدم الأسر بكل الوسائل، فمثلا نشرت احدى الصفحات صورتين، الأولى مرسوم فيها امرأة وهيأتها غير منتظمة وهي تجر طفلها وكأنها تعاني بسبب الاطفال، والثاني لامرأة ملابسها نظيفة، وهيأتها جميلة، ومكتوب أعلى الصورتين، هذه امرأة ثلاثينة، وتلك ثلاثينية، فأيهما تختارين؟

حينما أعتبر الإسلام أن: “جهاد المرأة حسن التبعل”، ليس لاجل الرجل، أو أن الاسلام دين ذكوري، أو أنه فضل الرجل على المرأة، وإنما من أجل المجتمع، يقول المؤلف الكندي، صاحب كتاب كيف تربي اولاد ناجحين: “من أراد أن يكون اولاده ناجحين في المستقبل، فإن عليه أن يهيء الاستقرار الاسري في البداية”. فالمرأة هي التي توفر الجو الاسري الهادئ، لانها تحمل المودة والرحمة والتضحية، فهي تملك نزعة اجتماعية في إدارة الحياة الزوجية.

جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموما قالت: ما يهمك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هما، فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “بشرها بالجنة وقل لها: إنكِ عاملة من عمال الله ولك في كل يوم أجر سبعين شهيدا”. وفي رواية أن الله عز وجل عمالا وهذه من عماله، لها نصف أجر الشهيد.

أسس الحياة الزوجية السعيدة:

هناك مقومات لحياة زوجية سعيدة وذلك ما نستشفه من سيرة المعصومين، عليهم السلام:

الأول: حسن الاختيار: وذلك أن يكون الاختيار وفق معايير سليمة وصحيحة، وزواج فاطمة عليها السلام، كان امتياز من نوع خاص، لأن أباها كان رسول الله، وكان رئيس الدولة، وكانت الزهراء ابنته الوحيدة، فمن يتزوج بهذه البنت فهي حظي بالمقام العظيم.

وقبل أن يخطب الزهراء، الإمامَ علي، عليه السلام، جاء كبار القوم وطلبوها من رسول الله، صلى الله عليه وآله، فإرادة السماء شاءت أن لا يسبق أمير المؤمنين، حتى في  هذه الفضيلة.

في زواج السيدة فاطمة، عليها السلام، من أمير المؤمنين، عدة دروس لنا:

اولاً: الكفؤ: فالانسان حين يبحث عن زوجة، يجب ان تكون كفؤا له، وكذلك الزوجة، فالاختلاف في الطبقات الاجتماعية، والمستويات الفكرية، والاقتصادية، لا تنجح الحياة الزوجية، ولذا يؤكد السيد المرجع المدرسي على الزواج من الاقارب، لان هناك نوع من التقارب والتكافؤ في الذهنية، والفكر، والمستوى الديني.

ثانيا: كلا للزواج القائم الأمور المادية، السيدة فاطمة كانت بنت خديجة وهي المرأة التي حصلت على القنطار في زمن الجاهلية، والقطنار هو جلد الثور الممتلئ بالذهب، مما يعني بلغة اليوم ملياردير، او مليونير.

ولك أن تتخيل أن امرأة لها بنتا واحدة ستتزوج، كيف سيكون أثاث بيتها! لكن السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، حتى لو كانت بنت خديجة، فإنها ستتزوج بعلي الذي لا يملك إلا سيفا ودرعا، ويكون مهرها درع علي، عليه السلام، ويدخل النبي، صلى الله عليه وآله، ويقول: “بوركت لاهل بيت جلّ أوانيه من الخزف”.

فالزواج الذي يقوم على اساس المال خطأ، فاليوم إذا تقدم أحدهم لخطبة فتاة ولم يكن ممن يملكون الاموال، فإن أهل البنت يخرجون بألف تبرير لرفض الزواج ( ويطلعون بيه ألف علة وعلة)، ولكن إذا كان ممن يملكون الاموال فإنهم يقولون: (يصير خوش آدمي، ويتعدل بعد الزواج).

ثالثا: كلا للزواج على اساس الضغوط الاجتماعية: وذلك على باختلاف مستويات العشائر، فالبعض يخاف من كلام الأقربين إذا زوجها الى فلان من العشيرة الأخرى! وعندما تزوج الإمام علي، عليه السلام، من الزهراء، وجهت انتقادات اليهما وحتى الى رسول الله.

رابعا: النظر الى مسألة الدين والأخلاق: يقول رسول الله، صلى الله عليه وآله: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لم تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير”.


  • مقتبس من محاضرة للسيد مرتضى المدرسي، بمناسبة ذكرى شهادة السيدة الزهراء

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا