{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
تساهم الاسرة في قيمة الفلاح والسعادة في المجتمعات بنسبة كبيرة، وإذا أردنا أن نعرف سلامة مجتمع من المجتمعات ومدى فرصتها في السعادة والفلاح في الدنيا فلنبحث عن الاسرة.
ولا ريب أن الاسرة في المجتمع الاسلامي هي منطلق كل خير، ومنطلق الحياة الهانئة، والمستمرة، والمستقرة عند الزوجين، وايضا مكان لنمو جيل فعالٍ ونشيط، ومتفاعل مع الآخرين، ويكون هذا الجيل محورا للسعادة والفلاح.
الاسلام وسعادة الاسرة
النظر الى الاسرة كونها وسيلة لاندماج الذكر والانثى مع بعضهما وتجربة كل واحد منها في مدى قدرته على العطاء والتفاعل مع الآخر.
جرف سيل احدى المناطق الهندية وحدث ان تشبث أسرة كاملة بشجرة، لكن الشجرة كانت تميل الى السقوط وبالتالي يذهب الى الجميع الى الموت، لكن المرأة اعطت ما عندها من الذهب لزوجها وقالت له: أوصيك بأولادي خيرا. والقت بنفسها في السيل لكي تحافظ على زوجها وابنائها.
لا ريب أن الاسرة في المجتمع الاسلامي هي منطلق كل خير، ومنطلق الحياة الهانئة، والمستمرة، والمستقرة عند الزوجين
وحصلت حادثة أخرى في استراليا أن امرأة شابة لها طفل وضعته في السيارة في ايام الحر الشديد وذهبت الى لعب القمار، وإذا بذلك الطفل يختنق من شدة الحر الى أن مات، وعندما سُئلت: لماذا فعلتي ذلك؟
قالت: صحيح؛ أنني ام لكني لدي حريتي ونفسي تهمني!
الفرق بين هاتين المرأتين، فالأولى دفعت بنفسها الى الامواج لتحافظ على زوجها وابنائها، والثانية التي وضعت طفلها في السيارة الى ان مات، الفرق بينهما هوالنظر الى الآخر، فالبعض يعيش النظرة الذاتية، فهذا النوع دائما ما يردّد: أنا، وأنا، وأنا..، والبعض الآخر يعيش النظرة القيمية وهي: “أنا والآخر”.
ربنا في بداية سورة النساء يبين أن الناس جميعا من نفس واحدة، يقول ـ تعالى ـ{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، الشعور بأننا من اصل واحد يجعل ننظر الى الآخرين ليس بأنهم اجانب عنّا، فهم منا ونحن منهم، ثم النظر الى الآخر (الزوج أو الزوجة)، أن الرجل من المرأة وبالعكس أيضا {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}.
هذه النظرة التفاعلية التكاملية أساس لبناء علاقات ايجابية بين الزوجين، فالزوجة تفكر في زوجها اكثر من نفسها، وكذلك الزوج يفكر نفس التفكير، وبالتالي يعيشان حالة واحدة، وهذه النظرية الاسلامية العميقة اساس للتفاعل والتعاون في الاسرة الاسلامية.
تقوى الارحام
بعدها يبين ربنا أن نتقيهُ في الارحام، وقالوا في الرحم: أنه الوعاء الذي يحمل الطفل في بطن المرأة، ولكن يبدو لي ـ والكلام للمرجع المدرسي ـ أن الرحم من الرحمة، وإنما سمي الوعاء المجوف في بطن المرأة إنما سمي بالرحم لهذه المناسبة، وهي الرحمة والتفاعل بين الأم وجنينها. والارحام هي الذين يتراحمون فيما بينهم.
فهو ـ تعالى ـ يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} وهذا يعني اتقوا الله في كل شيء، وبالذات في الأرحام، فهو هنا خصّص الارحام، يقول الامام علي، عليه السلام: اتقوا الله ونظم امركم”، أي خصوص نظم الامر.
وتقوى الله في الرحم؛ عدم ظلمهم، وترك الاعتداء، واعطائهم حقوقهم، وكلمة الأرحام تجعل الاسرة الصغيرة من الاب والأم والاطفال اسرة تتوسع في المستقبل
وتقوى الله في الرحم؛ عدم ظلمهم، وترك الاعتداء، واعطائهم حقوقهم، وكلمة الأرحام تجعل الاسرة الصغيرة من الاب والأم والاطفال اسرة تتوسع في المستقبل، فالله ـ تعالى ـ بدأ الحديث عن الاسرة الصغيرة، ثم الاسرة الكبيرة التي تشمل الخال والخالة، والعم والعمة ..، ومن ثم تتوسع الدائرة الى ان تصبح فخذ، والى عشيرة، وبعدها الى قبيلة، ومن ثم الى شعب، وهذا ما بينه ربنا في سورة الحجرات حين قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ}.
في سورة النساء بيان للمجتمع الاسلامي القائم على اساس الترابط الفكري الطبيعي، ولهذا فإن المجتمع في الاسلام قوي لأنه يعتمد على دعامتين، وهما الوسيلتين؛ الطبيعية، والحضارية. ففي سورة النساء بيان للوسيلة الاولى، وفي سورة المائدة بيان للوسلية الثانية.
إن تكامل المجتمعات فيما بينهم يأتي عبر وسيلتين:
الاولى: الوسيلة الطبيعية: علاقة الناس ببعضهم في الاسرة وفي العشيرة وما اشبه هذه هي علاقة طبيعية ويؤكد الاسلام على هذه العلاقة، والبعض في بلداننا يستهينون بالعشيرة أو القبيلة، وبالعلاقات الطبيعية بين البشر، وهذا خطأ كبير لانه ليس هناك وسيلة اقرب لطبيعة البشر من وسيلة الرحمة
الثانية: الوسيلة الحضارية: وهي علاقة الانسان بالآخر عبر المصالح المشتركة، وعبر الاهداف المشتركة، وعبر أي تناغم مشترك، وهذا ما نراه في الاحزاب، والنقابات، وفي المؤسسات الدينية والاجتماعية وهذه العلاقة ـ ايضا ـ يؤكد عليها الاسلام.
- مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي( دام ظله).