فکر و تنمیة

التبرير حيلة من لاحيلة له

حياتنا مليئة بالصدمات والضغوطات الانفعالية ونوبات الغضب والاحباط والضجر والسلبية وجميع ذلك يكون بمجموعه خبرات أي فرد مهما كان منظماً وناضجاً في إدراكه، وهذا الضغط لو استمر على وتيرة واحدة دونما تخفيف سيؤدي الى نتائج وخيمة تحرق الاخضر قبل اليابس، لذا صار من الضروري ان يبحث الجميع على تنوع مشاربهم وخبراتهم الثقافية وكفاءتهم عن منافذ وحلول للتخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يعتريهم نتيجة المواقف الصعبة.
ولإعادة التوازن يسلك الانسان في طرق شتى ومن هذه الطرق او الحيل النفسية هو (التبرير) والذي يعني “تفسير الفرد للمواقف الخاطئة تفسيراً مقبولاً وإعطاء النتائج السلبية أسباباً منطقية”، كل ذلك يحصل من اجل الهرب من الواقع وتجنب القلق والضيق النفسي الذين يشكلان عاملان مهددان للراحة النفسية وبالتالي ينعكس على علاقة الفرد بالآخرين في محيطه.
قدم مصطلح (التبرير) لأول مرة احد علماء التحليل النفسي الذي يدعى (أرنست جونز) في عام 1908، وقد وصفه حينها بأنه” اختراع سبب للموقف أو الفعل الذي لم يتم التعرف على دافعه”، ليتم استخدام المصطلح بعده من قبل (سيغموند فرويد) لتفسير التبريرات التي قدمها المرضى لأعراض عصبية خاصة بهم.

يشير التبرير بالضرورة الى عجز الفرد الذي يعتاش عليها ويستتر خلفها للظهور بمظهر آخر غير حاله الحقيقي


ووفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية فإن التبرير يحدث “عندما يتعامل الفرد مع الصراع العاطفي، أو الضغوطات الداخلية أو الخارجية من خلال إخفاء الدوافع الحقيقية لأفكاره أو أفعاله أو مشاعره من خلال الطمأنة أو الخدمة الذاتية، ولكن التبرير سيكون غير حقيقي”.
وبالتبرير يمارس الانسان دفاعاً عن النفس في محاولة منه لإرضائها والمحافظة على احترامها ومكانتها في حسه وحس الآخري ن، إذا ما علمنا ان التبرير هو حيلة دفاعية لا شعورية لكنها عقلية عبرها يبرر الانسان لنفسه ولمن في محيطه بأنه لم يقترف ما يلزم حدوث الخطأ أو وقوع الأزمة، وأن هناك عوامل خارجية تسببت في حدوث تراجعه أو مشاكل حياته.
من الامثلة على التبرير ان اللاعب حين يفشل في تسجيل الاهداف يحمل الملعب والظروف الجوية والمدرب او ان زملاءه لم يتعاملوا معه بالطريقة التي تساعده على التسجيل، كما الطالب الفاشل يحمل المدرسة والعلم والمنهج اسبابه فشله وتراجع مستواه الدراسي، والزوج الذي لم يتمكن من ادارة شؤون عائلته يلقي باللوم على زوجته واطفاله ويقدمهم على انهم مذنبين ومسؤولين عن الفوضى في المنزل ليبرر فشله وبذا هو يكسب قدراً من الراحة لكونه خفف الضغط عنه.
الكثير من علماء النفس يتحدثون عن العمليات النفسية التي يختارها الفرد لنفسه والتي يحاول من خلالها إعادة توازنه النفسي، ولكنه يفشل في إعادة هذا التوازن عند اعتماده على أساليب مؤقتة تبعده عن الأسباب المنطقية، وبالتالي تجنبه الحلول الناضجة المتوائمة مع النفس الإنسانية الصحيحة، ومن هذه العمليات هي عملية التبرير التي تبقي الانسان على مستوى من الراحة الوقتية الزائفة، التي ستعود حالة من القلق بعد انقشاع غيمة الاطمئنان الاولى.
ويشير التبرير بالضرورة الى عجز الفرد الذي يعتاش عليها ويستتر خلفها للظهور بمظهر آخر غير حاله الحقيقي، والسير الحياتية للناجحين لم تخبرنا يوما بأنهم مارسوا التبرير بل كانوا يصرون على مواجهة اخطاءهم وتصحيها والاستفادة من اخطاءهم لا تجنبها.

ينبغي على الفرد استدعاء خبراته في الحياة للتصدي للمشاكل بواقعية أكثر وإيجابية أفضل من الاختباء خلفها


وبالتبرير يُشوه الواقع وتُزيّف الحقائق لتصبح الاوهام وقائع ثابتة، وخطورة الاسراف في التبرير والاعتياد على اللجوء اليه عند كل اخفاقة في كونه يبدد طاقة الإنسان وجهده الذهني والنفسي ويعوق مهاراته وقدرته على معايشة الواقع، او التعامل معه بموضوعية وشمولية وبذا لا يتمكن من تحقيق النمو النفسي والفكري المطلوب والمناسب للمتطلبات الحياتية الاجتماعية.
بعد اتفقنا على التبرير مشكلة نفسية وحيلة دفاعية يستخدمها الفرد لتقيل الضغط عليه، فلابد من معالجات حقيقية ناجعة لتقليله والحد منه ومن اهم هذه المعالجات ما يلي:


1– على الانسان ان يوجه مشكلاته والسعي في التعلم منها ومعالجتها بدل من الهروب منها، ومن الضرورة بمكان ان يكون الانسان على مستوى من الادراك والوعي الذي يمكنه من التحكم بقوة وحكمة في حال حدوث مشكلة او خطأ ما وبالتالي يصبح أكثر كفاءة في تحقيق التعايش المطلوب.
2– ينبغي على الفرد استدعاء خبراته في الحياة للتصدي للمشاكل بواقعية أكثر وإيجابية أفضل من الاختباء خلفها.
3– لابأس بحصول الانسان على عدد من الاستشارات والخبرات التي قد تحسن من تفاعله مع المواقف المختلفة.
4– لابد من توفر الشجاعة الكافية وقوة الشخصية التي تحدو بالإنسان الى الابتعاد عن التبرير سواه وغيره من وسائل الهروب والتنصل من مسؤولياته.
وبكل ما ذكر من معالجات يمكن ان يحيد الانسان عن التبرير صوب المواجهة الرامية الى الحل وذا الافضل.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

1 تعليق

  • التبرير كذب استصغره الناس لاسف الشديد، ومشاكلنا اليوم كثير منها يعود الى ذلك

اترك تعليقا