مكارم الأخلاق

الأخلاق في ضوء القرآن الكريم .. العِناد يمنعك عن الحقائق

قال تعالى: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون}.

العِناد مرض خطير يصيب الإنسان فيمنعه من درك الحقائق، وهو خلق سيء لابد من تجنبه والحذر منه لمن أراد بلوغ مراتب في الارتقاء والقرب من الله.

فياترى هل ذُكر في القرآن الكريم وأين نجده وبأي تعبير جاء وما هي مصاديقه؟

لا شك أن القرآن الكريم فيه تبيان كل شيء ولم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا حصاها، وأنه كتاب حياة ومنهج نجاة ودستور ينظم حياة البشرية من جميع الجوانب، بما في ذلك الأخلاق والسلوك الاجتماعي، فما من صفة إلا ولها جذر قرآني.

يمنع العنادُ الإنسانَ من اكتشاف نواقصه والسعي لاكمالها، ويحرم الإنسان من التطور والارتقاء، بل يؤدي به إلى التراجع والانحطاط

فما نحن بصدده الآن وهو صفة العِناد التي ذكرها القرآن الكريم في أكثر من موضع، ولكن بسبب ابتعادنا عن القرآن الكريم وترك التدبر فيه وابتعادنا عن لغتنا العربية الفصيحة، صرنا لا نفهم مفردات القرآن ولا نعرف مرادفات المفردات التي برزت حديثة ولانستطيع ربطها بالمفردات الأصلية التي وردت في القرآن الكريم.

فمفردة “العناد” جاءت بالقرآن بلفظ “اللجوج” ، وقد ذكر القرآن مصاديق للعناد في مواضع عدة نتعرض إلى بعض منها:

١ – عناد الاتباع مع القائد الرباني وقد تمثل ذلك في قصة موسى بن عمران مع بني إسرائيل، سواءً في قصة ذبح البقرة، أو شق البحر، أو تفجير عيون الماء، أو قضية دخول المدينة  {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، فبكل ذلك كانوا يعاندون نبيهم وقائدهم ولا يطيعون أوامره ولا يأخذون بتوجيهاته.

٢-  عناد عامة الناس مع المصلحين ومن يمثلون الحق وعدم الانصياع للحق، وكل قصص الأنبياء مع اقوامهم هي مصداق لذلك ونأخذ مثال هو قصة نوح مع قومه، يقول ـ تعالى ـ: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}.

٣-  العناد وعدم الاعتراف بميزات الآخرين، وقد تمثل ذلك في قصة آدم وابليس، حيث أن الأخير عاند ولم يعترف لآدم بالافضلية، {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.

فهذه بعض مصاديق العناد التي ذكرها القرآن، فما هي آثاره؟

أن من الآثار التي يسببها العناد للإنسان هي:

١ – يسبب مشاكل جانبية للإنسان، يكون في غنى عنها، ومثال ذلك في قصة بني إسرائيل بعد أن عاندوا في شراء البقرة، فصعّبوا على أنفسهم وعندما اشتروا البقرة الغالية التي بذلوا جميع أموالهم لشرائها، أصبحوا بعد ذلك فقراء وذلك كله بسبب عنادهم.

وأيضا في قضية دخول المدينة، وبعد عنادهم لقائدهم، ابتلاهم الله بالتيه لمدة ثلاثين سنة.

٢ – يحرم الإنسان من فهم الحقائق وادراكها.

٣ – يمنع الإنسان من اكتشاف نواقصه والسعي لاكمالها، ويحرم الإنسان من التطور والارتقاء، بل يؤدي به إلى التراجع والانحطاط.

٤-  يبعد الإنسان عن الله عزوجل، كما ويسبب له عزلة اجتماعية.

أما أسباب وعوامل نشوء العناد هي:

١- الجهل وقصر النظر.

٢ – الشعور بالنقص وعقدة الحقارة عند بعض الناس.

٣ – ضعف الإرادة واهتزاز الشخصية.

٤ – حب الراحة؛ وعدم الرغبة في التغيير لما فيه صعوبة أن يغير الإنسان ما اعتاد عليه.

٥-  كثرة توجيه الملامة للإنسان تجعله معاند؛ قال أمير المؤمنين عليه السلام: “الإفراط في الملامة يشب نيران اللجاجة”.

باختصار؛ إن العناد أو ما يعبر عنه القرآن (لجو) هو خلق ذميم وسيء يؤثر على الإنسان تأثير سلبي، فلابد من الحذر وتجنب هذا الخلق الذي يضر بالفرد والمجتمع، ومعالجة أسباب نشوءه، ومن أهم العوامل المساعدة على التخلص من هذا الخلق السيء هو العلم، ذلك أن كما اسلفنا أهم عامل لنشوء العناد هو الجهل، فكان لابد من التخلص من الجهل بالعلم.

إن العناد أو ما يعبر عنه القرآن (لجو) هو خلق ذميم وسيء يؤثر على الإنسان تأثير سلبي، فلابد من الحذر وتجنب هذا الخلق الذي يضر بالفرد والمجتمع

وإن أهم مصادر للعلم للتخلص من العناد هي:

١ – القرآن الكريم.

٢ – السنة الشريفة (روايات النبي وأهل بيته).

٣ – العقل.

كما أن وسائل العلم تتمثل في :

١- الدروس والمحاضرات.

٢- القراءة والمطالعة.

٣- التفكر والتدبر.

فمن تزود بنور العلم من مصادره الحقيقية وعبر هذه الوسائل فإنه يتخلص من ظلمة الجهل وبالتالي يتخلص من العناد ولا يكون ممن قال عنه الله ـ تبارك وتعالى ـ: {لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا