تربیة و تعلیم

الكتابة على الجدران بين التشويه والتنفيس

الامر غاية في السهولة  فليس سوى بخاخاً أو فرشاة واصباغ بخسة الثمن يسطرون بها عبارات تعتبر في نظر القانون والمنطق تخريب وفي نظرهم حق تمنحه اياهم عقولهم القاصرة، فما ان تسير في الطرقات العامة أو تدخل الى احد المؤسسات التعليمية و المرافق الحكومية وغير الحكومية والجسور والملاعب وواجهات المحلات التجارية وغيرها حتى ترصد عدستك كتابات على جدران هذه الاماكن.

 ماهو فحوى الكتابات وهل لها مدلولات؟

  في أغلب الاحيان تحمل هذه الكتابات طابع الشعبوية، ومكتوبة بلغة هشة وغير مترابطة ومليئة بالأخطاء النحوية والتعبيرية، كما تحمل معاني مشوهة غير مفهومة  واخرى خادشة للحياء أو عبارات يبعثون من خلالها رسائل حب أو عبارات لتشجيع فريق كرة قدم أو شعارات لأحزاب سياسية سيما في الفترات التي تسبق عملية الانتخابات، أو كتابات ذات اسلوب  هجومي مثل الشتائم، أو ذكر صفات سيئة لوصف شخصيّة إنسانٍ ما، أو كتابة لاسم انسانة يدعي انها حبيبته مما يؤدي الى حدوث شجار أو مشكلة عشائرية سيما ونحن مجتمع ذو صبغة عشائرية طاغية، وفي بعض الاحيان نجد عبارات كوميدية مضحكة للتهكم والسخرية من حدث معين.

ليس ضرباً من المزاجية أن يتجه الاشخاص للكتابة على الجدران، أو انها تأتي بصورة عرضية غير مقصودة أو نزوة عابرة بل على العكس يكمن وراءها دوافع ولها طائل ومقصد

من افضل ما انعم الله به على بني آدم هي اللغة وهي أيضا في الوقت عينه من اخطر النعم في حال اسيئ استخدامها، وهي الوسيلة الأولى للتواصل بين الناس وتعبر بالضرورة عما تخفيه خبايانا، والكتابة على الجدران بعبثية ودون تنظيم أو ترتيب وعلى شاكلة تثير الاشمئزاز وتخالف الذائقة العامة تعد منحدر اخلاقي وثقافي أو سلوكي بمعنى سلوك غير مرغوب يستشري بين فئات المراهقين والشباب، وتتصف  هذه السلوكية بالحداثة في الظهور والتطور بالشكل الذي يمكننا من ان نسميه ظاهرة.

ليس ضرباً من المزاجية أن يتجه الاشخاص للكتابة على الجدران، أو انها تأتي بصورة عرضية غير مقصودة أو نزوة عابرة بل على العكس يكمن وراءها دوافع ولها طائل ومقصد، فقد يلجئ الفاعل لممارسة التفريغ الانفعالي لمشاعر وافكار ضلت حبيسة في داخله منع عن التعبير عنها سبب ما، لذا يعمد الفرد الى استخدام تقنية الاستتار خلف العمومية التي تصطبغ بها هذه الكتابات درءاً منه للرقابة على سلوكياته، و تحاشيا لمنع تحقيق الكتابة مبتغاها ووؤد الرسالة المراد توصيلها.

 وتنوع المجتمع واختلاف قيمه وتداخلها بين ما هو قديم وجديد  وما يفرضه هذا التنوع  من تناقض يحدث تصارعاً في الاهداف، فيرى الشاب انه ضحية هذا التناقض بينما يمتلك من قدرات وطاقات تحتاج الى استثمار أو تنفيس وبين الموانع الاجتماعية والدينية والسياسية التي تقتل هذه القدرات  وتبقيها مكبوتة لذلك يتخذ وسائل تعبيرية غير مباشرة للتعبير عن مواقفه وأفكاره.

ماهي الدوافع؟

جملة من الاسباب تدفع بعض الاشخاص لممارسة سلوكية الكتابة على الجدران العامة والخاصة وهي:  

1-اسباب نفسية تتحكم بحالة الفرد النفسية وتعتبر من اهم الاسباب واكثرها فاعلية فمن خلالها ينفسون خبراتهم المكبوتة والانفعالات المرتبطة بالفرد والتي سببها في الكثير من الاحيان هو المحيط عبر تعريضهم للانتقاد وهذا السلوك كردة فعل من اجل التخلص من الضيق الذي يعانيه الفرد خصوصاً في مراحل الطفولة والمراهقة.

ان ظاهرة الكتابة على الجدران حديثة الوجود في عوالمنا العربية الاسلامية وهي سلوكيات غير سوية، و مستهجنة لأنها تشوه الاماكن وتحط من جماليتها وتذهب برونقها ووجها العمراني الذي راح ضحية هذه التصرفات الطائشة

 2-الاسباب الاجتماعية هي أيضا من يؤثر في شخصية الفرد فهو يحاول تقليد ابناء جيله الذي يسلكون ذات السلوكية مع انعدام وجود الرادع الاخلاقي أو القانوني والعقلي لإيقافهم أو الحد من مثل هذه السلوكيات غير الحضارية والتي تعطي انطباعاً للمراقبين ومنهم الوافدين عن مدى غياب الذوق الجمالي يصاحبه انعدام أو ضعف للقانون العام في البلد.

3- اسباب لا إرادية منبعها العقل الباطن للإنسان وهي تدفعه للتصرف بهذه النمط من السلوك، ووفق هذا السبب فقد يولد لدى الانسان شعور عدائي لتشويه الاماكن وتخريبها دون اعطاء مسوغ أو مبرر يشرعن الفعل.

المعالجات الممكنة للظاهرة

لعلاج هذه الظاهرة غير اللطيفة ينبغي القيام بما يلي:

1-إعادة توجيه سلوكيات الاطفال من خلال دراسة الدوافع المؤدية لها واعطاء الاشخاص اللذين يلجئون الى الجدران لتفريغ انفعالاتهم فرصة للحديث عن مشاكلهم وابداء آرائهم حتى لا يضطروا الى جعل هذه الاماكن منصات للتعبير عن المكبوت.

2- ينبغي أن تأخذ المؤسسات التعليمية والأعلامية وجميع المنظمات دورها في التثقيف ضد هذه الظاهرة وكبح جماح السلوك العدواني الذي يعمد إليه الافراد من خلال هذه الكتابات التي لا تسمن ولا تغني من جوع وليس لها اثر غير ذلك الاثر التشويهي التخريبي.

3- وضع كاميرات المراقبة في الاماكن المعرضة لمثل هذه الانتهاكات لرصد من يقوم بالكتابة واستقدامهم ومعاقبتهم بغرامات مالية أو اجبارهم على طلاء هذه الجدران أو تنظيفها كي لا يعأودوا الى الكتابة ثانية وهي احد طرق العلاج الناجحة.

4- للأهل دور في  معالجة الامر من خلال متابعة ابناءهم واختيار الاقران الذين يتمتعون بمستوى اخلاقي جيد فالصديق قد يجبر صديقه للقيام بسلوك مشابه وحين يكون القرين صالح فلا يخرج منه غير السلوك الحميد وبذا يتمكنوا من منع الانخراط في افعال غير لائقة ومنها سلوكية الكتابة على الجدران.

5- ينبغي على المؤسسة الدينية ان تأخذ دورها من خلال غرس الوازع الديني الذي يدين مثل هذه السلوكيات واقناعهم بأن هذه الاماكن عامة لا نملك صفة التصرف بها.

في الخلاصة نقول: ان ظاهرة الكتابة على الجدران حديثة الوجود في عوالمنا العربية الاسلامية وهي سلوكيات غير سوية، و مستهجنة لأنها تشوه الاماكن وتحط من جماليتها وتذهب برونقها ووجها العمراني الذي راح ضحية هذه التصرفات الطائشة.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

1 تعليق

  • من الامور التي لفت انتباهي كثيرا في سفرتي الى فرنسا ومنها الى بلجيكا وهولندا هي الكتابة على الجدران، طبعا هي ارتب من الي عدنا بالعراق اكيد ولكن الكم كان كبير جداً وبعد التتبع وجدت ان هذا اسلوب من اساليب التعبير عن الرأي للمنظمات والتجمعات الصغيرة التي تريد جلب الانتباه وخصوصا المتطرفة منها، سواء كانت تهتم بالطبيعة او بالحيوانات او كانت تجمعات لمجاميع شاذة كاصحاب الدراجات النارية و..
    فحب الظهور عندهم ينعكس بهذه الصورة

اترك تعليقا