فکر و تنمیة

لماذا نخشى التجارب الجديدة؟

خوفنا من الفشل في الكثير من التجارب امراً طبيعياً في حياتنا كبشر، فعادة ما نصاب بنوبة خوف وقلق حين ننوي القيام بشيء جديد مثل ذهابنا الى التقديم لوظيفة جديدة، أو ممارسة مهمة مختلفة في نفس وظائفنا التي نمارسها يومياً، ليس هذا فقط بل يحدث ان نخاف من الذهاب الى اماكن لم نألفها من قبل أو ان نخالط اشخاص لا نعرفهم أو حتى تجربة لعبة لم نمارسها من قبل لاسيما اذا كان فيها نوع من المجازفة.

  • التفسير العلمي

هذه الحالة تسمى علمياً (رهاب التجارب الجديدة) أو ما يعرف بالـ(اللأتيكيفوبيا)، تبدأ مظاهره بالخوف الخفيف الى المتوسط وتمسى الاقامة في منطقة الراحة، وقد يتطور إلى مراحل شديدة حتى يصبح رهاباً لا تقل حدته عن أنواع الرهاب المختلفة، والتي تكون بمجملها مصدر ضعف في صحة الانسان النفسية وانهاكها.

  • نسب الاصابة بالاضطراب

بحسب إحدى الاحصائيات الحديثة فإن متوسط الإصابة باضطراب (الأتيكيفوبيا) عالمياً يبلغ 25% من عدد سكان العالم، ويختلف من حيث شدته من بلد إلى آخر، وبحسب الاحصائية ذاتها فإن نحو 20% من البشر يمكن أن يؤجلوا أموراً مهمة في حياتهم، بسبب حالة الخوف المرضي من الإخفاق.لماذا يبقى الانسان في مكانه؟

التخويف الذي يمارسه الوالدين على ابناءهم يتسبب في اضعاف قدرتهم وترددهم  على القدوم على تجربة ما، و يبقى هذا الخوف  يلازم الانسان في المراحل العمرية المتقدمة


الوهم الكبير الذي يسيطر على الانسان المصاب ينعكس سلباً على نمط معيشته ويبقيه يعيش في الحدود الضيقة رغم امتلاكه ما يجعله يعيش في رفاهية اكثر في حال لو جرب الدخول في مجالات عمل توفر مصادر دخل اخرى، لكن احجامه عن ذلك بسبب أنه يرجح احتمال الفشل الدائم، وبذلك يفضل عدم المجازفة، وبالتالي استمراره في العيش بين الحفر.
على سبيل المثال يفضل شخص يعاني من هذا الرهاب عدم الذهاب لمقابلة عمل لحكمه المسبق بفشل المقابلة، وعدم الحصول على فرصة عمل لأن صورة الفشل لا تبارح عقله، فيفقده ذلك الخوف فرصة العمل التي قد تتسبب في ثراءه، أو تجعله مرتاح مالياً الى حد بعيد، وتراكم هذه التجارب الفاشلة في ذهنه سيكون بمثابة عادة نفسية تجدد مع كل تجربة تبرز ويراد ان يتخذ فيها قرار.

  • ماهو وقود الاضطراب؟

الاصابة بهذا المرض تعود للعديد من الاسباب منها:
1- عوامل تحدث في كيمياء المخ تجعله ارض خصبة لنماء هذا الخوف.
2- التخويف الذي يمارسه الوالدين على ابناءهم يتسبب في اضعاف قدرتهم وترددهم على القدوم على تجربة ما، و يبقى هذا الخوف يلازم الانسان في المراحل العمرية المتقدمة.
3- يمثل الخطأ التربوي الذي يرتكبه الوالدين في الربط بين الاداء الجيد ومنح الاطفال قدراً من الحب والاهتمام، مضافاً الى الدعم المالي الكبير مما يجعل الاطفال يعيشون تحت ضغط مستمر، وخوف من الفشل الذي يترتب عليه حرمانهم من حب ورعاية والديهم.
4- الخبرات السلبية التي يتلقاها من تجارب فاشلة شاهدها، أو سمع عنها تجعله غير مستعد لتكرار تجارب تماثل تلك التي فشل فيها، ولو قبل سنين طوال فهو ليس مستعدا ايضاً للتعرض لنفس المشاعر التي تعرض لها في مرات سابقة.
5- يشير الباحثون إلى أن بعض المصابين بهذا النوع من الخوف المرضي يكون لديهم استعداد وراثي للقلق، ما يضاعف من حجم المشكلة.
6- المجتمع هو الآخر سبب في شيوع وتنامي هذا المرض عبر اذكاءه للتنافس الكبير بين افراده، حيث يربط المصابون بهذا الاضطراب بين احتمال الفشل وزيادة المنافسة، فالمجتمع يعرف الشخص الناجح هو الذي ينجح في جميع مفاصل الحياة، ويغفل ـ المجتمع ـ أن الفشل جزء من تجربة النجاح، وهذا الأمر يجعل الفرد المصاب يشعر بصعوبة الوصول للكمال المطلوب منه.كيف يمكن الحد من الاضطراب؟

مواجهة المخاوف ويتم ذلك بتحليل اسباب الخوف وفهمها بشكل منطقي، وليسأل الانسان نفسه: هل خوفه متأتي من عدم رغبته في كسر الروتين؟ أم من الخوف من النقد الموجه في حالة الفشل؟


التقنيات التي تعالج ولو بالممكن هذا المرض أو تحد منه هي:
1- مواجهة المخاوف ويتم ذلك بتحليل اسباب الخوف وفهمها بشكل منطقي، وليسأل الانسان نفسه: هل خوفه متأتي من عدم رغبته في كسر الروتين؟ أم من الخوف من النقد الموجه في حالة الفشل؟ وفي كلتا الحالتين لابد أن نعتاد على الخروج عن المألوف، وإن فشلنا في تجارب سابقة، فالفشل بداية النجاح واخبار الناجحين تخبرنا بذلك.
2- محاولة تدريب انفسنا على خوض مغامرات جديدة بالتدريج، ووضع المجتمع وراء الظهر لأن الانسان العملي لا يهمه تقييم غير المتخصص الذي لا يفقه في حيثيات التجربة الجديدة حيث يكون التقييم للنجاح أو الفشل يأتي عاطفياً لا محترفاً.
3- صحياً جداً؛ إن تمكن الانسان المتخوف من الدخول في جماعات تنمي روح التجريب والرغبة في تغير الواقع، لأن العادات يمكن أن تُكتسب وتصبح منهجية عمل لكل ساع الى النجاح.
4- يجب أن ينسى أو يتناسى الإنسان تجاربه الفاشلة معللاً ذلك بوجود سبب لذلك الفشل، وليس بالضرورة أن تستمر اسباب الفشل مع الانسان فلكل مرحلة في حياته معطيات ولكل تجربة ادوات وظروف كفيلها بإنجاحها.
5- على الوالدين غرس ثقافة المحاولة والخطأ في اطفالهم مما يدعم فيهم قناعة أن الانسان ليس معصوماً والخطأ وراد في سلوكياته، ولكن يجب التعلم من الخطأ ولا يكون سببا في ايقاف التجريب، وبذا يمنح الطفل شجاعة في عدم التردد وهذا ما ينبغي ان يسير حياتنا ويجعلها في حالة ديناميكية مستمرة.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا