قراءة فی کتاب

الدورُ السياسي للمرجعية الدينية في العراق المرجعان السسيتاني والمدرسي إنموذجان

مقدمة

في أيام البهجة والسرور حيث اجتمعنا في بيت علَم من أعلامنا الكرام سماحة الشيخ المجاهد عبد الله الصالح (حفظه الله)، وفي حسينية الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، حين كنا نحتفل بمولد الإمام الثامن من أئمة المسلمين علي بن موسى الرضا، عليه السلام، الضامن لزواره الجنة.

وبعد الاحتفال وكنا في غمرة الفرحة الرضوية المباركة أعطاني سماحة الشيخ الفاضل كتاباً جميلاً فتناولته شاكراً وداعياً، وما أن رجعتُ حتى تناولته لأنه لأخ عزيز وصديق قديم، فرحتُ أقرأ الكتاب بفرح لما فيه من تسلسل جميل، وأفكار واقعية تتحدث عن وقائع عشناها جميعاً ومازلنا نرى ونسمع ونعيش في تلك الأحداث، ولذا أحببتُ أن أُقدم هذه القراءة السريعة.

هوية الكتاب

العنوان: الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق (المرجعان السستاني والمدرسي أنموذجان)

من 2003 إلى 2018 م (رصد لأهم التحركات السياسية للمرجعية مع التحليل، واستشراف مستقبلي لدورها، وتوصيات بشأن تطور العمل المرجعي)

أصل الكتاب هو: (رسالة ماجستير في العلوم السياسية).

المؤلف: السيد جعفر العلوي (البحراني)

يقع الكتاب في 325 صفحة، وينتهي بورقة عليها خمس صور مختلفة للمرجعين الكريمين.

يبدأ الكتاب بآية من سورة الأحزاب المباركة (39) التي تتحدَّث عن تبليغ رسالات الله للعالمين، وهي إشارة بليغة من سماحة السيد إلى أن الكتاب يجب أن يُلاحظ فيه هذا الجانب الدِّيني أولاً ثم نذهب إلى بقية الجوانب السياسية والفكرية.

هيكل الكتاب

الكتاب بُني على ستة فصول، وفي كل فصل عدد من المباحث فجاء على الشكل التالي:

الفصل الأول: مقدمات أساسية للبحث.

الفصل الثاني: معالم المرجعية الدينية وفيه مبحثان.

الفصل الثالث: قراءة نقدية لدراسات سابقة عن موضوع البحث، كتب فيه الباحث بعد المقدمة عن خمسة كتب مختلفة تناولت مسألة المرجعية الدينية في العراق.

الفصل الرابع: المرجعان السستاني والمدرسي النشأة والدور العام، وفيه ثلاث مباحث.

الفصل الخامس: دراسة الدور السياسي للمرجعين، ويتضمن مقدمة وخمسة مباحث.   

الفصل السادس: خلاصة البحث والتوصيات، وفيه مبحثان.

موضوع البحث الأساسية

لكل بحث موضوع يطرحه ثم يبدأ بمعالجته ويضع لها حلولاً وطرح فرضيات مختلفة وكانت موضوع بحث السيد العلوي تتلخَّص بقوله: “هل استطاعت المرجعية الدينية أن تؤدي دورها السياسي المرجو منها، والاستمرار في ظل التجاذبات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية تجاه العراق، والأزمات الكثيرة التي يمر به؟”

ثم يعالجه السيد الباحث من خلال ثلاث فرضيات مطروحة على الواقع السياسي والثقافي هي:

أولاً: فرضية الإعجاب المطلق بالدور السياسي للمرجعية الدينية؛ واعتبارها قد قامت بدورها المرجو منها على أحسن وجه، وأن لا تقصير في هذا الشأن أو في غيره”، يناقشها الباحث بروية ويُثبت أن هذا الانبهار في غير محله ونابع من تقديس المحل (المرجعية)، ولكن المرجع يبقى غير معصوماً مهما احتاط وعلم وورع، ويقول: “هذه الفرضية لا يساعد عليها منطق الدِّين، والعقل، ولا الواقع، فمراجع الدِّين على علوِّ مقامهم وإخلاصهم، ليسوا بمعصومين”.

ثانياً: فرضية أن المرجعية مقصِّرة (عكس الأولى)، ولم تقم بدورها المطلوب سياسياً وقيادياً في المجتمع بما يناسب موقعيتها العالية وتأثيرها الكبير”؛ وهذه يطرحها المثقفون والحداثيون وأمثالهم ممَّنْ يريدون تحميل المرجيعة والمرجع ما لا يُحتمل، وهذه يناقشها الباحث ويُظهر ما فيها من التجني وطلب ما لا يُستطاع، لا سيما في ظلِّ الظروف القاهرة والواقع المذري في العراق.

ثالثاً: فرضية التلفيق بين الفرضيتين السابقتين؛ التي يتبناها الباحث المحترم فيقول: “إن المرجعية الدينية استطاعت نسبياً القيام بدورها السياسي وفق ما حددته ورسمته لنفسها من دور، إلا أن مدى تحقق ثمار هذا الدور في الجانب الحكومي وكذا في الجانب الشعبي لم يكن وفقاً للتوقعات المأمولة إلا فيما يخص محاربة داعش والتغلب عليها”، فالمرجعية قامت بدورها بما تقدر عليه تجاه الله، والدِّين، والوطن (العراق الجريح)، والأمة الإسلامية عامة، ولكن القصور كان له أسبابه الموضوعية.  

عن الباحث

فهذه الدراسة الموجزة، وهذا الكتاب الجميل، كان بهدف استراتيجي وليس اعتباطاً لا سيما وأن سماحة السيد الباحث من السادة الأجلاء، والعلماء الفضلاء الذين لهم باع طويل في العمل الدِّيني، والتبليغي، والسياسي، وهو يتصدَّى لكل ذلك من أكثر من ثلاثة عقود من هذا الزمن المضطرب، ورافق التحولات السياسية والعسكرية في المنطقة برمَّتها، وتنقل بين الدول والبلدان باحثاً عن الحق، ناشراً للأفكار الإسلامية الحضارية أينما حلَّ ونزل.

يقول الباحث الفاضل عن بحثه: ” تستهدف هذه الدراسة إلى بيان الأثر الهام للمرجعية الدينية في العراق في الشأن السياسي بعد عام 2003م وإسهاماتها في النهوض بالعراق من خلال رؤية وعمل المرجعين السيد السستاني، والسيد المدرسي (دام ظلهما).

ثم يُضيف: “وتتطرق الدراسة إلى تاريخ المرجعية الدينية وبيان أهدافها ومسؤولياتها وكيف تدير شؤونها وأسباب قوتها وتأثيرها، والعقبات التي تعترض طريقها، واستشراف مستقبلي عنها، وتقييم عام عن دورها”.

نعم؛ لقد تطرق سماحة السيد العلوي إلى كل هذه المعضلات العلمية والعملية ولكنه استطاع أن يحلها بقلم خبير، وأدب كبير لأنه ابن الحوزة البار، الذي قضى حياته كلها في أحضانها دارساً ومدرساً، وباحثاً في الشأن الديني، والاجتماعي، والسياسي، والفكري، والثقافي، لأنه انخرط في العمل السياسي منذ زمن ليس بالقليل، وهو من الكوادر المعروفة في المعارضة السياسية البحرانية التي شبَّت وشابت على مقارعة الحكام الظالمين في البحرين العزيز، وذاقت ومازالت تذوق الأمرَّين في كفاحها ونضالها في سبيل الحرية والكرامة الإنسانية.

 وأعتقد أن سماحة السيد الباحث عندما انطلق في بحثه الشائق هذا ـ وهو في الأصل رسالة في مرحلة الماجستير في العلوم السياسية إلا أنه صار حتى أكثر من أُطروحة دكتوراه ولذا تفاجأ الدكتور المشرف عليها، واللجنة المناقشة لها فأعطوها درجة الامتياز ـ انطلق من منطلق فكري عقدي بحت، يستلهم المبادئ النهضوية والثورية للفكرة الإسلامية الأصيلة في هذا المجال الحيوي من فكرنا وثقافتنا، ولقد استطاع الباحث بأسلوبه الشيِّق، ودماثة أخلاقه المعروفة أن يجمع ما بين الطرح الجامعي المعاصر، والحوزوي الأصيل فجاء البحث رائعاً ورائقاً فعلاً.

  جوانب الإبداع في البحث

البحث ـ كما قلنا ـ رسالة جامعية وهذا يعني أن الباحث المحترم تقيَّد بقيود، وتحدَّد بحدود الجامعة وقوانينها، وهذا بحدِّ ذاته قيد لقلم وفكر الباحث، ولكنه استطاع الإرتقاء والتخلص من معظم الحدود بأسلوبه السهل وعباراته الجميلة، وأخذ مساحة لا بأس بها في البحث لا سيما وأنه حدد بحثه في الزمان، والمكان، والأشخاص، فأبدع وأمتع فيما قدَّم جزاه الله خير الجزاء.

 ومن إبداعات الباحث هو الرؤية الشمولية في البحث، وتتبعه للمواقف والكلمات والبيانات السياسية للسيدين المرجعين المباركين، وتلخيصها وإعطاء زبدة المخض منها والإحالة إلى المصادر الموثوقة لمَن أراد المزيد من البيان، وليس ذلك فقط بل بما يتبعه من تحليل جميل وأدب جزيل، فيُقدِّم الفكرة والنقد بأسلوب النصيحة والمشورة، لأنه يعرف جيداً أن المقام هو مقام الإمام المعصوم، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، ولكن المرجع المحترم بأعلى درجات الاحترام والتقدير ليس معصوماً.

ومن أجمل الإبداعات للسيد العلوي في البحث هو محاولته في الاستشراف المستقبلي، والتوصيات أن يُعطي فكرة جديدة ورؤية مستقبلية لتحسين العمل والإدارة المرجعية لأنها ستكون في المستقبل أقوى وأجمل فيجب أن يكون عملها أنظم وأكمل، وذلك بالإنتقال من العمل الفردي إلى العمل المؤسساتي (مأسسة العمل المرجعي كله)، وهي دعوة جديدة أطلقها بعض الأعلام على خجل منذ زمن إلا أن الظروف الحالية العالمية من حولنا ولا سيما عصر القرية الإلكترونية يفرض علينا تطوير عملنا ليكون عمل مؤسسات بكل معنى الكلمة، وأعتقد أنها صارت ضرورة ملحة على الجميع لتُفكِّر ملياً في هذه الأطروحات ذات النظرة الواقعية.

وقد تكون من أولى بديهيات التهيئة للدولة العالمية لصاحب العصر والزمان، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، الذي سيحكم العالم بالقسط والعدل كما نعتقد، فهل سيكون ذلك إلا بالعمل المؤسساتي العالمي، كالأمم المتحدة وكل مؤسساتها الدولية، والبنك الدولي وكل أفرعه العالمية – ولا نقاش بالمثال طبعاً – فدولة المولى المنتظرة، هي دولة ولها كل المؤسسات التي تحكم السيطرة على الأوضاع العالمية.

فلماذا لا ننطلق بهذه الرؤية الجامعة والداعية للعمل المؤسساتي للمرجعية المباركة؟

  وبكلمة؛ لقد أجاد وأفاد بما أفاض سماحة السيد العلوي البحراني المحترم، وسدَّ ثغرة (العمل السياسي) من ثغرات، طالما استغلها بعض المتصيِّدين بالماء العكر تجاه المرجعية المباركة، فأجره على الله، وجزاءه على مولاه، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

1 تعليق

اترك تعليقا