بصائر

كيف نطمئن الى نزاهة الاحزب السياسية؟*

يقول الله ـ تعالى ـ : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ}.

كمثل دوحة جذورها راسخة في الأرض، وفروعها في السماء تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها، وكمثل جبل أشم تناغنم ذراها الغيوم، وتناطح السحاب، ولكن قواعدها راسخة في الارض، كذلك هو المجتمع الإيماني.فهو قائم على اساس قيم راسخة، على اساس قواعد صلبة تتحدى الاعاصير، هذا المجتمع اساسه الخلق الجميل، الذي وصف به ربنا، النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وكذلك أخلاق اصحاب رسول الله، وأخلاق أهل بيته، وأخلاق السابقين الذين نقرأ عنهم الكثير الكثير من المواقف الأخلاقية الفاضلة.

وكمثل رافد رقراق يتشعب في كل أفق، كذلك هي المُثُل العليا تتشعب في المجتمع الانساني الإسلامي الإيماني، ربنا يصف هذا المجتمع بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}، هذا هو التساوي.

إذا اردت ان تعرف ان  مجتمعا ما يريد أن يصل الى أهداف أم لا؛ انظر الى قيمة الأهداف في انظار ابنائه، ففي العراق ـ مثلا ـ قد تكون هناك مصالح وغايات، لكن يجب السعي الى الاهداف العليا

ولذا لا يخطر ببال المؤمن أن يتعالى على أخيه المؤمن، لأنه لا يدرِ لعلَّ ذلك المؤمن افضل منه، وكذلك المؤمنة لا تسخر من الأخرى، لأنها لاتدر ـ ايضا ـ ان تكون تلك هي أعلى منها كعبا يوم القيامة.

بعدها يقول ربنا: {وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ}، لأن الإنسان حينما لا ينطلق من قاعدة التعالي والاستكبار على الآخرين، ستكون كلماته غير جارحة، فلا يوجد فيها اشارات ودلالات على التعالي، أو تحتوي على الهمز واللمز.

{وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}، والالقاب؛ هي تلك التهم التي نجدها خارج المجتمعات الايمانية، حيث تجد الفرد يتهم الآخر بكلمات نابية، ويسمي الله هذا ـ التنابز والتلامز ـ: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ}. والإنسان المؤمن لا يتردى الى ذلك الحضيض بعد أن كان في ذرى الإيمان. {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ}.

هذه الآيات علينا ان نجعلها معيارا لتقييم تجمعاتنا، واحزابنا، ومنظماتنا، وقادتنا، وافادنا..، وبالتالي مجتمعنا، فكلما اقتربنا من هذه الصفات؛ صفة الأخوة الإيمانية، وصفة التواضع وعدم التعالي على بعضنا البعض، كلما كان هذا المجتمع أقرب للتقوى.

وهذه الصفات لا تكون في حلبة الانتخابي، او اي صراع آخر، بل هي صفتهم في كل يوم، ولأن هذه صفتهم في كل يوم، وفي كل حقل، وفي كل مناسبة، فإنك تراهم يتعاونون، ويتشاورون، ويتكاملون، ويسعون جميعا لأهداف عُليا.

إذا اردت ان تعرف ان  مجتمعا ما يريد أن يصل الى أهداف أم لا؛ انظر الى قيمة الأهداف في انظار ابنائه، ففي العراق ـ مثلا ـ قد تكون هناك مصالح وغايات، لكن يجب السعي الى الاهداف العليا.

فنحن في هذا المجتمع، كالسفينة إذا غرقتْ غرقنا جميعا، وإن نجتْ نجونا جميعا، وكمثال آخر، إذا كان الجميع في طائرة، فإن سقطت فيسسقط الجميع معها، فالإنسان ليس وحده، وإن وصلت الى هدفها فيعني وصول الجميع. أما من يسعى الى تجزئة نفسه متصورا أن سيصل الى هدفه وحيدا، فهذا مجرد وهم، فالسعيد هو الذي يسعد مع مجتمعه، وليس وحده.

السياسة بما تتضمنه من أحزاب قد تفرق، بمساحة الاختلاف الموجودة، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، فالاختلاف موجود؛ من قبيل اختلاف الألسُن، والعقول، والعواطف، كما اختلاف المصالح، ولكن هذا الاختلاف سطحي ويبقى في حدود معينة؛ مثلا في حدود الانتخابات، والفوز وعدمه.

نحن بحاجة الى ان تكون هذه القيم الراسخة في مجتمعنا، والتي توارثناها عبر القرون، والتي تعب من اجل ترسيخها العلماء، والخطباء، والمربّون، والمؤلفون

لكن فيما يرتبط بالمجتمع ككل، يجب أن تترسخ الاهداف العليا عند كل سياسي، ومع الأسف نجد بعض الأحيان، أن بعض الأقلام غير النظيفة، وبعض الألسن غير الملتزمة، قد تتناول جوانب مظلمة، وهذا  يكون وبالا عليه يوم القيامة، إن قال صدقا، أو كذبا، فحتى الصدق فيما يتربط بالإفساد يعد كذبا عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ، والعكس كذلك؛ يقول ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}، فإذا كان من يتكلم صادقا، فتلك غيبة، وإن كان كذابا فالمشكلة تكون وهو الظلم.

فإذا تحدثت عن شخص توفاه الله، او توافاه بعد ان تحدثت عنه، فهل يتركك الله قبل ان ترى لك الشخص، وتطلب البراءة منه؟ فأنت تتندم في الدنيا عندما يصحو ضميرك، وفي الآخرة يوم الحسرة الكبرى.

نحن بحاجة الى ان تكون هذه القيم الراسخة في مجتمعنا، والتي توارثناها عبر القرون، والتي تعب من اجل ترسيخها العلماء، والخطباء، والمربّون، والمؤلفون..، أن تكون قيما لا يمكن التفريط فيها، او نفرط بها، فهي رأس مال مجتمعنا، يقول الشاعر: “وإنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ.. فإن هم ذهبتْ اخلاقهم ذهبوا.

فرسول الله، صلى الله عليه وآله، أورث أمته الخُلق العظيم، فكثير من الناس الجاهليين، أمنوا برسول الله بسبب خُلقه العظيم، الذي تمثل في عطائه، وسماحته، وجوده الى غيرها من الفضائل الاخلاقية.

  • الانتخابات في العراق

نحن اليوم نقترب شيئا فيشئا من الاستحقاق الانتخابي، فنرى البعض لا يلتفت الى مجتمعه، بل نجد البعض يسمم أجواء المجتمع بكلمات لا فائدة فيها، عن طريق طرح المواضيع التي تستهدف الآخرين.

وإذا كان البعض يريد طرح أي موضوع، فليتحدث عن نفسه، وعن تأريخه، وعن انجازاته دون مبالغات، لكن يجب أن لا يظن أن تقدمه بتخلّف الآخرين.

هناك حقيقة مهمة يجب معرفتها، وهي أن أكثر المعارضين في العالم كله، سواء كانوا اسلاميين او غيرهم، بعد صعودهم الى الحكم، تجدهم ـ حسب دراسة قام بها المرجع المدرسي ـ أنهم تعودوا في حياتهم ـ بصفتهم معارضين ـ ان يتحدثوا بالسلبية، لأن المعارض ـ عادة ـ يتحدث عن سلبيات الحكم، ويبين مثالبه، وحينما حكموا ـ المعارضون ـ لم يستطيعوا أن يؤدبوا أنفسهم بآداب الحكم، فظلوا على تلك الآداب والأساليب السابقة.

فتجد ان المعارضين بعد وصولهم الحكم اصبحت لديهم حالة من الشره، فيحن كانوا معارضين ضد الحكم السابقة، كانوا يعيشون على العفاف والكفاف، وعلى الجوع والعطش، وعلى الهجرة والحرمان، لكن بعد وصوله الى الحكم، لا يعرف كيف يملئ جيوبه!

كذلك فإنه ـ المعارض ـ  قد تعوّد على حالة المعارضة، فيتكلم على هذا وذاك، صحيح؛ أن هذه الصفة كانت مبررةً أيام المعارضة ـ ولو أن الغاية لا تبرر الوسيلة ـ لكنهم اتخذوها عادة، لكن بعد الوصول الحكم، وبحبوحة الفتح، يجب أن يتغير السلوك بالاستغفار، والله ـ تعالى ـ يأمر بالاستغفار عند الفتح {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}.

وأحد اسباب الاستغفار بعد النصر، ان المعارض قد يتركب بعض الاخطاء في أيام المعارضة، فلابد له من الاستغفار واصلاح النفس، والبدء بحياة جديدة.

وهذه الحالة ـ المعارضة ـ تدعو البعض الى التصارع بدلا من التعاون، و ايضا تدعو الى التعالي على الآخرين، فتنتشر الكلمات النابية، لذلك ترى الكثير يفشلون بعد الوصول الى الحكم.

فبعد ان اصبحت الخيرات بيده، لم يستطع أن يشارك الآخرين ويتعاون معهم،  وتقوقع على ذات وعاش الحزبية الضيّقة، وبدأ يتحدث عن الآخرين بكلام نابٍ، والآخرون ـ باعتبارهم بشرا ـ فهم يتأثرون بكلامه، لذا تراهم ينفرون منه، ولذا يجب الابتعاد عن هذه الصفات الذميمة، والعراق مقبل على استحقاق انتخابي.

إنّ كل إنسان له قدر معين من الوجاه في المجتمع، سواء عالم دين، اوسياسيا كبيرا، او معارضا، أو اي رجل آخر..، فعلى هؤلاء أن لا ينسوا انهم أبناء هذا المجتمع، وعليهم أن يرسخوا في مجتمعم كل القيم التي حملوها، ودافعوا عنها، وضحوا من أجلها.

وعلينا ـ ككل ـ أن نبني مجتمعنا على اساس الاخلاق الحسنة، والتي ستكون قاعدة لتقدمنا الاقتصادي، وتكاملنا الاجتماعي، وقاعدة لسعادتنا في هذه الحياة، أما إذا كان العكس، فلن يكون هناك أي تقدم.

* مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي (حفظه الله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا