فکر و تنمیة

ستراتيجية مكافحة الفقر في فكر الامام علي و سبل تقنينها في العراق

لا زال الفقر يشكل الهاجس الاكبر للبشرية جمعاء رغم التطورات التي حدثت في العصور المتأخرة ومن ضمنها التطورات العلمية والتكنلوجية .

والمطلّع لتقارير الامم المتحدة حول نسب الفقر في العالم يجد ارقاماً مخيفة لاعداد السكان والدول التي تعاني من هذه الافة الخطيرة بل ان اعداد من هم تحت خط الفقر لاتقل خطورة عن ذلك فقد بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر في العراق بمعدل ٣٥% حيث يحصلون على دخل يومي بنسبة خمسة دولار او اقل وبالتالي تشكل هذه النسبة تهديد كبير لاقتصاد البلد ومحاولة بناءه(١).

لقد تفرد الإمام علي، عليه السلام، في حديثه عن الفقر وتبيان سبل مكافحته بمنهج متكامل وعالج هذه الحالة وقسم الفقر الذي يتعرض له الانسان الى قسمين :

  • الاول: الفقر المعنوي

وهو الفقر المتعلق بالجانب الروحي والنفسي للأنسان والذي يرتبط بالعقيدة والايمان . يقول عليه السلام في احدى احاديثه المباركة: “العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنى”. (٢)، ويقول كذلك في حديث اخر: “ان الغنى غنى العقل واكبر الفقر الحمق”. (٣)، ويقول ايضا في نفس السياق: “الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة”. (٤)  .

  • الثاني: الفقر المادي

والذي عالجه الإمام، عليه السلام، على المستوى النظري عن طريق الخطب والاقوال والتوجيه وارسال الرسائل والتعليمات لعماله في الامصار، والطريق الاخر على المستوى العملي عبر معالجة الاسباب التي تؤدي الى افقار الانسان، وهو توفير السكن الملائم وتوفير مصدر عيش للمواطن.

وباشر، عليه السلام، باستصلاح الاراضي الزراعية الشاسعة، وأبرزَ دور الدولة في تطوير اهم رافد فيها، لتقوية اقتصادها وهي استصلاح الاراضي وزراعتها، وقد سمي العراق في عهده ببلد السواد لكثرة الزراعه فيه .

كما عمل الامام، علي، عليه السلام، على ربط الجانب المعنوي بالجانب المادي، والتأكيد على تنمية قدرات الفرد النفسية والمعنوية، حتى يستطيع ان يختط طريقه في العمل وان يعرف هدفه في الحياة ومن تلك الاهداف عمارة الارض .

ومن الاحاديث المهمة للإمام، علي، عليه السلام، في كلام لابنه الامام الحسن، عليه السلام، يوضح لنا ذلك بقوله: “لا تلم انسانا يطلب قوته، فمن عدم قوته كثرت خطاياه، يابني الفقير حقير لايسمع كلامه، ولايعرف مقامه، لو كان الفقير صادقا يسمونه كاذبا، ولو كان زاهدا يسمونه جاهلا، يابني من ابتلي بالفقر فقد ابتلي بأربع خصال : الضعف في يقينه، والنقصان في عقله، والرقه في دينه، وقلة الحياء في وجهه فنعوذ بالله من الفقر” (٥).

ويؤكد الإمام علي، عليه السلام، على عمّاله بالعمل الفعلي على رفع مستوى الإعمار في الدولة مقابل الضرائب، التي تفرض على الناس وان تكون هنالك موازنة في ذلك، والتأكيد على دور الدولة الاساسي في رعاية مصالح الناس ومباشرتها لتقديم الخدمات .

فيقول، عليه السلام، لعامله مالك الاشتر: “وليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لايدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد واهلك العباد”. (٦).

وفي ظل ما يعانيه العراق اليوم من ازمات اقتصادية، وارتفاع معدلات الفقر لا بد ان نرجع الى هذه الاستراتيجية، التي تركها لنا امام القسط والعدل امير المؤمنين، عليه السلام.

إن بناء ستراتيجية وطنية لمكافحة الفقر لما يتمتع به العراق من مقومات تساعد على نجاح تلك الاستراتيجية اولها الموارد، وثانيها التأسيس الدستوري لمعالجة هذه الازمات .

فقد نص دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ في المادة ٢٢ اولا “العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة” . وكذلك المادة (٢٤) التي اعطت الحرية الانتقال الايدي العاملة والبضائع ورؤوس الاموال داخل العراق .

كذلك المادة ٢٥ “تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته” .

وايضا المادة ٢٦ “تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة”.

وكذلك اتجهت القوانين الخاصة بتنمية القدرات الاقتصادية، ولكن مازالت تحتاج الى تعديل وتطوير، وخاصة فيما يتعلق بقطاع الزراعة، وقطاع السكن، وقطاع الضمان الاجتماعي والصحي، وبالتالي فإن مشرع العراق مدعو الى الاستفادة من ستراتيجة الامام علي، عليه السلام، في مكافحة الفقر من خلال دعم تلك القطاعات سالفة الذكر، لتقليل نسب الفقر في العراق، عن طريق تقنين تلك الافكار في التشريعات الخاصة بتلك القطاعات .

——————————————

(١) تقرير برنامج الامم المتحدة الانمائي حول العراق منشور على الموقع الرسمي لمنظمة الامم المتحدة.

(٢) نهج البلاغة ج٢ص ١٥٦.

(٣) بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج١، ص ٢٥ .

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٥٤ .

(٥) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج٣، ص ٢٤٤١ .

(٦) نهج البلاغة، عهد الامام علي ع لمالك الاشتر .

عن المؤلف

د. حيدر عبد الرضا الظالمي

اترك تعليقا