-
مقدمة اجتماعية
الدِّين الإسلامي يمثل أعظم منظومة قيمية في التاريخ، وذلك بما يشتمل عليه من تشريعات اجتماعية ناظمة لحركة المجتمع البشري، بما يُحقق له التقدم والتطور والعيش بسعادة على كل المستويات.
ومن أعظم قوانين المجتمع هو التراحم، والتعاطف بين الأفراد والأسر في المجتمع، وذلك لخلق التوازن الاجتماعي الضروري لبقاء ونماء الجميع، وفي القرآن الحكيم كل التشريعات الضرورية واللازمة لتقدم المجتمع وبناء الحضارة الإنسانية، وعصب الحياة والتقدم هو الاقتصاد السليم، والمال فيه كالسيالة العصبية التي تُحرِّك الجسم، فتقويه، وتنميه، وتطوره.
فأمر الله سبحانه وتعالى أن تتوزَّع الثروة على الجميع لكيلا يكون هناك فقير، أو مسكين، أو محتاج ولا يجد ما يسد جوعته، أو يوفِّي حاجته، فقال تعالى بخصوص المال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} (سورةالحشر: 7)، فالاحتكار، والبخل، والشح، والسرف والتبذير كله حرام شرعاً، والمطلوب عقلاً ونقلاً الاعتدال والوسطية في ذلك كله.
-
سهم الفقراء أين هو؟
الله الخالق، هو الرازق، وهو عادل فيما يُعطي للمخلوقات، ولكن ربط الأسباب وبالمسببات، والمعلولات بالعلل، وابتلى الفقراء بالفقر، والأغنياء بالثروة، وجعل قوت الفقراء وغذاءهم في جيوب وفي أموال الأغنياء، ليختبر أولئك بالصبر على الحاجة، وهؤلاء بالعطاء، ولذا قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلِكَ“، فأعدِّوا الجواب أيها الأغنياء.
من أعظم قوانين المجتمع هو التراحم، والتعاطف بين الأفراد والأسر في المجتمع، وذلك لخلق التوازن الاجتماعي الضروري لبقاء ونماء الجميع، وفي القرآن الحكيم كل التشريعات الضرورية واللازمة لتقدم المجتمع وبناء الحضارة الإنسانية
فالمسألة هي مسالة تكوين، وضبط حياة، وقانين المجتمع إذ لا يمكن أن يكون الناس على نفس المستوى من حيث الغنى والمال، فلا بدَّ من التفاوت والاختلاف، وهو رحمة للجميع، فلو استغنى الجميع عن بعضهم البعض لما تعمَّرت الأرض، ولما بُنيت الحضارة، فالحاجة أمر ضروري للبحث والعمل والتقدم والتطور الاجتماعي، ولولا وجود المال وبذله من قبل الأغنياء لبقي المجتمع البشري كمجتمع النحل في أوكارها، والنمل في ممالكها ولما تقدمنا إلى عصر الحضارة الرقمية العملاقة اليوم.
فالله سبحانه جعل الحياة كلها متوازنة، قال تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}. (الحجر: 21)، هذا أساس الخلق والتكوين، ولذا لا تجد فيه أي خلل، وأي تشقق وفطور، لأن الخالق حكيم في خلقه، وعادل في عطائه، ولكن أين الخلل إذن؟
-
الخلل في البشر
نعم الخلل في المخلوق، والطمع في البشر، وهذا ما بيَّنه أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، وهو أعدل حاكم في تاريخ البشرية كما صنفته الأمم المتحدة منذ بداية القرن والألفية الثالثة، ولو كان لدينا متابعون لسمَّينا هذه الألفية بألفية أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، ولكن شغلنا الطغاة والجبارون من بدايته بأنفسنا وبهذه الحروب التي اصطنعوها بقطعان التكفير ومجاميع الصهيووهابية المجرمة التي تعيث في البلاد والعباد فساداً وإفساداً، كما رأينا أمس الأول الجريمة النكراء التي ارتكبوها في مدرسة الإمام الحسين، عليه السلام، للبنات في كابل فسقط أكثر من مئتين من تلك الفراشات البريئة ما بين شهيدة وجريحة لا لذنب لهن إلا الولاية فقط.
“وَأَدُّوا فِطْرَتَكُمْ فَإِنَّها سُنَّةُ نِبِيِّكُمْ وَفَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، فَلْيُؤَدِّها كُلُّ امْرِيٍ مِنْكُمْ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عِيالِهِ كُلِّهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثاهُمْ وَصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَحُرِّهِمْ وَمَمْلُوكِهِمْ عَنْ كُلِّ إِنْسانٍ مِنْهُمْ صاعاً مِنْ بُرٍّ أَوْ صاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ صاعاً مِنْ شَعِيرٍ”
فالخلل في النفوس التي صارت كالحيوانات الكاسرة، والوحوش الضارية، والتي تريد أن تأخذ كل ما تستطيع لتتنعَّم وتترفه وتستهلك كل شيء ولا تريد أن تُعطي للفقير والمسكين حقه من المال، ويلاحقونه حتى يأخذوا منه حق الحياة، إذ لا يكتفون بأخذ المال، ويسعون لأخذ الماء، والهواء، والغذاء، وكل ما الناس فيه سواء.
فطمع الإنسان وبخله وجشعه هو الذي يجعل الحياة بهذا الشكل من البشاعة، والشناعة، فترى التفاوت الطبقي عجيب وغريب في مجتمعاتنا المسلمة، فأحدهم كان عنده مزرعة في كينيا بطول 100كم وعرض100كم، وكان فيها في الصيف فاشتهت ابنته آيس كريم من فرنسا، وشوكولاته من جنيف فأرسل لها طائرة بوينغ 747 من كينيا إلى باريس، ثم إلى جنيف لإحضار الآيس كريم، والشوكولاته، وعادت في نفس اليوم”، وآخرين لا يجدون لقمة العيش إلا في المزابل.
-
أين عيد الفقراء الآن؟
وما دعاني اليوم ـ ونحن على أبواب عيد الفطر السعيد، ولن يكون سعيداً على الكثيرين للأسف الشديد ـ أن أكتب هذا المقال بكثير من المرارة والأسى ما رأيته وسمعته على مواقع التواصل الاجتماعي عن طفل يتيم يُجرون معه لقاء على إحدى الفضائيات، فيبكي بحرقة، ويُبكي المذيع، وأبكاني حين قال: “لا أُريد شيء فقط أُريد ثياب العيد، بس ثياب العيد يا ناس”، فصرختُ من أعماقي: السلام عليك سيدي ومولاي يا أمير المؤمنين يا علي، يا أبا اليتامى والأيامى، أين عيد الفقراء أيها الأغنياء؟
فهؤلاء لهم حق فرضه الله في أموالكم، وفطرة العيد هي فطرة الأبدان حيث يدفع الله عن الأجسام والأبدان الأمراض والعاهات والبليات، فكيف تبخلون بها وقد جعلها لهم حماية ووقاية، فالذي يبخل بها على الفقير سيُعطيها للدكاترة وفي المشافي، ويعلم الله ما ستكون النتيجة بعدها، وصدق ربنا سبحانه حيث يقول: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38)
فإخراج الفطرة الواجبة من أضر الضروريات، وكنتُ أُوصي بها الأخوة أن يُخرجوها ولو تديَّنوا من أجل إخراجها ليقيني بآثارها الكبيرة علينا، وهذا ما كان يؤكد عليه أمير المؤمنين الإمام العادل، عليه السلام، بقوله في خطبة عيد الفطر: “وَأَدُّوا فِطْرَتَكُمْ فَإِنَّها سُنَّةُ نِبِيِّكُمْ وَفَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، فَلْيُؤَدِّها كُلُّ امْرِيٍ مِنْكُمْ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عِيالِهِ كُلِّهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثاهُمْ وَصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَحُرِّهِمْ وَمَمْلُوكِهِمْ عَنْ كُلِّ إِنْسانٍ مِنْهُمْ صاعاً مِنْ بُرٍّ أَوْ صاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ صاعاً مِنْ شَعِيرٍ“.
فمسألة الفطرة ليست منَّة تمنُّ بها على الفقير، أو المسكين والمحتاج، لا أبداً بل هي حق واجب عليك واشكر ربك أن وجدتَ لها مصرفاً يأخذها منك، بل عليك أن تُقبِّلها وتضعها على عينيك قبل أن تُعطيها، كما كان يفعل أئمة المسلمين من قبل.
-
خيرات العراق الطافحة
المعروف منذ صدر التاريخ أن العراق بلد الخير والعطاء والحضارة، فقد حباه الله أعظم نهرين من أنهار الدنيا (دجلة الخير والفرات)، فجعل أرضه كنزاً من كنوز الدنيا في ظاهره وباطنه، فهو كسلة الغذاء للمنطقة والتمر للعالم، عدا عن احتياطي كبير وهائل في نفطه وثرواته الأخرى، فأين كل هذه الخيرات، والبركات، حتى نرى كل هذه الأعداد من الفقراء فيه أيها الحكام، وأيها الناس الأغنياء في العراق الجريح، فهل يُعقل أن يملك أحدكم ملايين الدولارات في البنوك الأمريكية والملايين من أهله وشعبه لا يجدون لقمة العيش في بلدهم العراق الغني بكل شيء، والفقير بالطبقة المسؤولة والحاكمة السياسية.
والله سبحانه سيسألكم والناس سيسألوكم يوماً: أين أقوات وغذاء وحقوق الفقراء أيها الأغنياء.